في عام 1973 شد محمد اليازغي الانتباه إليه في صباح يوم غير عادي. فقد فتح طرداً ملغوماً انفجر في وجهه. فيما كان طرد آخر وُجه إلى رفيقه الراحل عمر بن جلون. وفتحت الشرطة تحقيقاً ضد مجهول لا يزال كذلك إلى الآن. كانت المرحلة يطبعها الاحتقان السياسي بين المعارضة والقصر، وكان المحامي اليازغي واحداً من أشد المعاندين. قبل ذلك بعامين ظهر اسمه إلى جانب عبدالرحمن اليوسفي، رئيس الوزراء السابق زعيم الاتحاد الاشتراكي المعتزل، والفقيه الراحل محمد البصري إلى جانب أكثر من مئة معتقل في محاكمة مراكش ضد متورطين في الاخلال بالأمن العام ومحاولة اسقاط النظام. ولم تكن تلك المحاكمة الأولى له، إذ واجه محاكمات أخرى كان آخرها مع الراحل عبدالرحيم بوعبيد في قضية صدور بيان عن الحزب انتقد الملك الراحل الحسن الثاني لطرحه فكرة الاستفتاء في الصحراء عام 1981 على منظمة الوحدة الافريقية "قبل أن يسفتي الشعب". إلا أن اسم اليازغي اقترن في غضون ذلك، وإن من موقع الدرجة الثانية، بالتأثير في مسار الاتحاد الاشتراكي المنشق في السبعينات عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتحديداً من خلال تركيزه على فكرة "النضال السياسي من الداخل" و"القطع مع الفكر الثوري والمنفيين في الخارج" ودخول اللعبة السياسية من بابها الواسع. كان الراحل عبدالرحيم بوعبيد المهندس الأول لهذا التوجه. لكن اطلاق اسم الرباط على التيار المعتدل كان يحمل اشارات إلى ارتباط اليازغي بهذا التوجه، لأنه بقدر مواجهته النظام من موقع المعارضة، ظل متمسكاً بالخيار الديموقراطي في تلك المواجهة عبر بناء دولة المؤسسات. لذلك لم تكن هناك صعوبات أكبر في تدبير خطة التناوب السياسي في البلاد، حين كان محمد اليازغي ينوب عن الاتحاد الاشتراكي في إدارة المفاوضات مع القصر، في منتصف التسعينات، وإن كان رفاقه عابوا عليه في بداية الأمر أنه "استسلم" لاستحواذ حزب الاستقلال على الطرف المؤثر في تلك المفاوضات، حين تم اختيار زعيم "الاستقلال" وقتذاك محمد بوستة ليكون رئيس وزراء، لولا أن تمسكه بإبعاد وزير الداخلية السابق ادريس البصري أفشل خطة التناوب التي أنقذها اليوسفي بعد عودته من منفى اختياري لدى تقديمه استقالته من زعامة الحزب قبل أن يعاود النظر فيها. إلا أن استقالته هذه المرة واعتزاله العمل السياسي قاد محمد اليازغي إلى تحمل مسؤولية القيادة، ولم يعد ذلك الرجل الثاني الذي يدير الحزب في الخفاء. يعيب عليه خصومه أنه كان على خلاف دائم مع اليوسفي، وأن تلك الخلافات برزت في المؤتمر السادس للحزب الذي أدى إلى انشقاق قياديين بارزين في مقدمهم الزعيم النقابي نوبير الأموي. كما أنه ظل من المعارضين الأشداء لاندماج الراحل الفقيه البصري في قيادة الحزب، كونه كان قيادياً في الاتحاد الوطني الذي انشق عنه الاتحاد الاشتراكي.