مع تراجع الشيخ ناصر بن حمد الفهد، أحد منظري الفكر التكفيري في السعودية، امس، عن فتاواه الداعية الى الارهاب والمحرضة على الوجود الاجنبي في الجزيرة العربية، يكون منهج التكفير في السعودية قد فقد اهم دعائمه، بعدما سبقه الشيخ علي الخضير الى نبذه قبل خمسة ايام. واكد الشيخ الفهد اكثر من مرة في مقابلة اجراها معه الشيخ عايض القرني وبثها تلفزيون المملكة مساء امس ان تراجعه تم من دون اي ضغوط وانه طلب بنفسه اجراء المقابلة بعدما اصابه تفجير مجمع المحيا "بصدمة شديدة جدا". ورغم ان الفهد ابدى تراجعا تاما عن كافة فتاواه السابقة الا انه لم يجرم بشكل واضح وصريح الافراد الذين قاموا بعمليات ارهابية في بلاد الحرمين واكتفى بتخطيئهم. وقال الفهد في المقابلة التي استمرت نحو 50 دقيقة ان تفجير مجمع المحيا كان احد اهم الاسباب التي دفعته الى التراجع عن مواقفه السابقة ، وذكر ان تلك الحادثة التي علم عنها من خلال الصحف تركت في نفسه اثرا كبيرا ، وقال "عندما وقع انفجار المحيا صدمت صدمة شديدة جدا عندما رأيت المسجد قد هدم في رمضان ورأيت الحارس السوداني وهو أب لخمسة اطفال يقتل وشاهدت ما حصل لمجموعة الاسر المصرية واللبنانية والاردنية. هذا من الفساد في الارض وليس من الجهاد بشيء. اننا لا نقر هذه الامور ونعتبرها محرمة". واضاف ان تلك الحادثة دفعته لطلب اجراء لقاء متلفز يتراجع من خلاله عن المواقف السابقة "لابراء الذمة، واقسم بالله على ذلك حتى لا يقال ان ضغوطا مورست علينا". وتساءل "من يفجر في بلاد الاسلام ويقتل مسلمين واطفالا ويقتل نفوسا معصومة ويهلك اموالا في بلاد الاسلام؟ هذه ليست شهادة بل انتحار". امن الاجانب اما بالنسبة الى وضع الجاليات الوافدة في السعودية فقال انهم "يعتبرون من المعاهدين والمستأمنين والتاشيرة لدخولهم تعتبر عهدا". وعمن يحمل السلاح بحجة الجهاد لاخراج اليهود والنصارى من الجزيرة العربية قال "هذا لا يجوز وحتى لو كنا لا نعرف الحكم سابقا فالآن اتضحت النتائج فقد قتلت نفوس مسلمة ونفوس معصومة وضيق على المسلمين، بجانب المفاسد الكبيرة التي ترتبت على هذا. واعتقد ان تلك النتيجة تكفي لمعرفة الحكم". وردا على سؤال عما اذا كان نادما على اطلاق فتاواه السابقة قال "نعم هناك الكثير من الفتاوى والبيانات التي كان فيها حماس غير منضبط وتعميم وامور اخطأنا فيها نحن، وهناك امور اخطأ الناس في فهمها ، لاننا عممنا وتكلمنا في امور ولم نكن حقيقة نتوقع ان تصل الى ما وصلت اليه"، واضاف "اعتبر نفسي متراجعا عن كثير من الفتاوى التي سبق وذكرتها"، وزاد ان "الاقدام على الفتيا غير طيب"، واستشهد بعدد من الادلة التي توضح خطورة ذلك، وقال ان الفتيا من حق اهل العلم الكبار. وبخصوص اجماع هيئة كبار العلماء على ان تلك الاعمال "ارهابية وتخريبية وليست من الاسلام في شيء" ذكر بان "هذا الامر ظاهر جدا مع ان الامور التبست علينا من قبل والنتائج تكفي لمعرفة حكمها". واضاف ان "منكرات ذلك ظاهرة جدا وهي قتل نفوس مسلمة وقتل معاهدين ومستأمنين، وقتل نساء وصبيان، واتلاف اموال ، وترويع المسلمين، والاخلال بالامن، وتشويه صورة الجهاد، وتسليط اعداء الاسلام على الاسلام، والاضرار بالمشاريع الخيرية بعد احجام رجال الاعمال وفاعلي الخير عن الاسهام فيها، واخيرا تشويه صورة الاسلام". حمل السلاح وعن حمل السلاح في بلد الامام والاسلام، قال "لا يوجب ذلك، وقد رأينا المفاسد التي ترتبت عليه، ورايناها عيانا. وقد يستفيد الانسان من التجارب اكثر مما يستفيد من القراءة والمدارسة، فقد رأينا ما ترتب عليه من ترويع للناس وسفك الدماء ، لذلك لايجوز ذلك". وبين ان "التكفير لا يجوز وهو من فكر الخوارج، ومذهبهم معروف في تكفير المسلمين والتساهل في الاقدام على سفك الدماء. ولا يجوز تكفير المسلم حتى وان وجد فيه قصور، وفي جميع الاحوال لا يوجب على الانسان تكفير المجتمع". وخاطب الفهد حاملي السلاح قائلا ان "الحقيقة اتضحت في النتائج من قتل نفوس معصومة ونفوس مسلمة وتهديم البيوت على ساكنيها، بجانب ترويع الناس، فاقول لهم ان يتقوا الله في الناس ويتركوا سفك الدماء، وان يتقوا الله في انفسهم ويتوبوا مما عملوا، وخير الخطاؤون التوابون، لذلك ادعوهم الى التوبة والرجوع الى الحق لانه فضيلة". وأقر بانه "لا يجوز حمل السلاح لمن وقع عليه ظلم او بطالة لما في ذلك من ترويع للمسلمين وسفك للدماء"، واضاف ان "الله قد يبتلي المسلم في السراء والضراء، لذلك عليه ان يصبر"، مشددا على ان "الاصلاح لا يكون الا بالحكمة واللين". وعن فتواه بشأن وجود الاميركيين والانكليز في بلاد المسلمين قال "ان مجرد الاتيان بكافر مهما كانت جنسيته الى بلاد الاسلام ليس جديدا، وهذا يجعلهم جميعا نفوسهم معصومة، حتى لو كان حربيا او معاهدا بعقد أمان فيعصم دمه وماله". وعمن يملك حق التكفير قال "ان التكفير امر خطير لانه يترتب عليه امور عظيمة لما يعنيه من اهدار دمه. والكفر له ضوابط وشروط وموانع لا يعرفها الا العلماء الكبار"، وحذر من اطلاق فتاوى الكفير "لئلا تتحول الى فوضى". وابان بان "الكافر ان دخل بلاد الاسلام بعقد امان فالطريق المناسب له هو دعوته وليس بقتاله. والان لا نتيجة لسفك الدماء بل ضرر للاسلام والمسلمين، وهذه ليست تخيلات." اقتصاد المسلمين وحول ضرب المنشآت الاقتصادية اكد بان "ذلك لا يجوز مطلقا، ويمكن اذا وقعت حرب بين دولة الاسلام والكفار يجوز للامام وللعلماء ان ينظروا في استهداف اقتصاديات بلاد الكفار، اما في بلاد الاسلام وبلاد المسلمين فان هذا يضر الاسلام والمسلمين لان الاقتصاديات اقتصاديات المسلمين والامن امن المسلمين". واوضح ان "من يملك حق الاذن بالجهاد واستنفار الامة هو ولي امر المسلمين لان الجهاد يعتبر من السياسات العامة التي يحددها ولي امر المسلمين". ورفض فكرة الذهاب الى العراق بحجة الجهاد وقال "لا اوافق على ذلك لان القتال في العراق قتال فتنة، فغير معروف الان من القاتل ومن المقتول وما هدف القاتل وما ذنب المقتول وما يدفع لحصول تفجيرات وقتال غير معروف من ورائها". اما عن هجرة المكفّرين من البلاد فقال "لا ارى هناك بلادا احسن من بلادنا ، فهذه البلاد التي نشأت وتعلمت بها لا ارى احسن منها خصوصا ان مظاهر الاسلام فيها ظاهرة ويتميز شعبها بطبيعة حب الدين وحب الخير والتعامل مع اهل الخير، فاين نجد احسن منها". وقال ان "واجب كل مسلم المحافظة على الامن ولا يمنع من وجود الدعوة للمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يقوم الا بوجود الامن". وذكر ان منهج الشيخ بن باز رحمه الله هو المنهج الصائب لمثل هذه الامور لما فيه من لين وموعظة حسنة، ونصح الشباب باخذ العبرة من غيرهم ممن مروا بتجارب ومراحل، وقال "يجب ان ياخذوا العبرة من رجل جرب ومارس وانتهى الى نتيجة، ولا ينبغي ان يمروا بالمراحل نفسها للوصول الى النتيجة ذاتها، لانه لا خير في العنف ولا رفع السلاح ولا الاقدام على ما لا تحمد عقباه". وسئل الفهد عن ضوابط التكفير، فعددها كما هي معروفة شرعا مع تاكيده على ترك ذلك للعلماء. واستشهد بحديث عن التكفير بقوله "من رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله"، واضاف انه "غير محمود مطلقا خصوصا انه قد يكون الرجل متلبسا بالكفر ولكن داخله يختلف". واشار الى ان "امام المسلمين هو فقط من يحدد حكم الردة وسفك الدماء في أي انسان ببلاد المسلمين لانه هو المخول بتطبيق الحدود وليس من حق احد ان يقوك بذلك". اما عمن يبايعون ما يعرف ب"امراء الجهاد" فقال انه "من بعد سقوط الدولة العباسية تعددت الامامة، لذلك امامتك للامام الذي انت في بلده". وعن تراجع الشيخ علي الخضير قال اننا نجتمع واياه "في الاستفادة من التجربة التي خضناها في السابق"، واشار الى انه لولا الاحداث الاخيرة لربما لم تحصل المراجعة، وقال انه لم يقابل اناسا داعيا من يسمع ذلك الى ان ياخذ الفائدة بدلا من سلوك مقدمات قد لا توصله الى نتيجة. وحول اسباب قيام مجموعة من الشباب باعمال تفجير قال ان ذلك "خطأ قد ينتج عن جهل او تاثير من الخارج او حماس غير منضبط بضوابط العلم المعروفة او ان يكون كافة تلك الاسباب مجتمعة"، داعيا الى "تعاضد اهل العلم والدعاة وكل العناصر المحيطة لضمان عدم حصول مضاعفات اكبر". ولد ناصر بن حمد الفهد العتيبي من مواليد 1968 وسبق ان اعتقل في العام 1995 إثر أحداث بريدة، حيث أمضى في السجن ثلاث سنوات وثلاثة أشهر. وهو معتقل حاليا منذ نهاية أيارمايو الماضي ويعتبر أصغر مشايخ التيار التفكيري سناً.