الرسائل التي يوجهها الرئيس جاك شيراك باستمرار الى سورية، عبر وزير الخارجية دومينيك دوفيلبان أو عبر مبعوثه الخاص ومستشاره الديبلوماسي موريس غوردو مونتاني أو عبر السفارة الفرنسية في دمشق والسورية في باريس، تنطلق من شعوره بأن سورية معرضة للخطر بسبب الضغوط الأميركية وأنها لا تتحرك بأي اتجاه للتصدي له. وترى فرنسا ان عدداً من الدول العربية، بما فيها سورية، أدركت في مرحلة أولى بعد دخول القوات الأميركية الى العراق، خطورة الرسائل الأميركية، مما أدى بها الى الحذر في تحركاتها والى التعاون على تهدئة الأمور. لكن هذا الموقف شهد تغيراً في مرحلة ثانية في ضوء الصعوبات التي تواجهها الولاياتالمتحدة في العراق. وبحسب مراقبين في باريس، تصورت السلطات السورية، عن خطأ في التقدير، ان الولاياتالمتحدة ستنهمك بمشاكلها في العراق، فتخلت سورية عن اتخاذ مبادرات مطلوبة منها أميركياً وغربياً، مثل اغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية المتطرفة ولجم "حزب الله" ومراقبة الحدود العراقية - السورية. وتعبر باريس التي تعارض الموقف الأميركي من سورية وترفض عزلها وفرض عقوبات عليها، عن خيبة أمل لكون دمشق لم تتحرك ولم تقدم على تغيير وانفتاح، ولم تصغ الى نصائح اصدقائها، معتبرة أن الخطر عليها وعلى لبنان كبير ان لم تغير نهجها. والرسائل التي توجهها فرنسا مفادها ان الولاياتالمتحدة تمارس ضغوطاً ضخمة على سورية وان في امكان اسرائيل ان تأخذ في أي لحظة الضوء الأخضر لضربها، وأنه إن لم تحظ سورية بتأييد مجلس الأمن في إدانة الضربة الاسرائيلية الأخيرة، فإنها ينبغي ان تدرك العزلة التي هي فيها، وهي خطيرة. وتحذر فرنسا من خطورة الفكرة القائلة بأنه كلما تدهور الوضع في العراق، فإن الضغط الأميركي على سورية سيخف. وترى انه قد يحدث عكس ذلك، ولذا على دمشق ان تتحرك وتبادر. وأوضحت باريس للقيادة السورية ان الرسائل الفرنسية لا تنطلق من الذهنية ذاتها للرسائل الأميركية، وانما من تحليل للوضع في المنطقة. ومنذ ان خاب أمل شيراك من الوعد السوري له بمساعدة حكومة لبنان على تنفيذ الاصلاحيات المطلوبة في اطار "باريس 2" تزايد الانطباع الفرنسي بأن لا شيء يتحرك في سورية. وتتمنى فرنسا أن تنتهز سورية فرصة الانتخابات الرئاسية المقبلة في لبنان لاظهار الرغبة في رفع اليد عنه، عبر احترام الدستور واختيار مرشح للرئاسة على أسس أكثر ديموقراطية مما حدث في السابق.