تسحب الحرفية السويدية نينا سبار شعرة من كومة شعر لجدة سويدية تريد عائلتها حياكة لوحة فنية صغيرة تبقى للذكرى، وتطرزها على مهل في قماش اللوحة البيضاء وهي تشرح ل"الحياة" انها تمارس مهنة صنع اعمال حرفية ولوحات من شعر الانسان منذ اكثر من عشر سنوات "اذ ورثتها عن امي". وتخفض نظرها مجدداً نحو اللوحة الصغيرة التي بدأت تظهر على شكل وردة، وتضيف ان "هذه المهنة النادرة في انحاء العالم اختفت من كل بقاع السويد في مطلع القرن الماضي وبقيت في قريتنا فومهوس حيث لا تزال بعض النساء يعلمن بها كهواية فنية". وتقول نينا: إن عمر مهنة صناعة الاشغال الحرفية من شعر الانسان تعود الى القرن السابع عشر عندما كانت قرى السويد تعيش حال حرمان وفقر وكانت نساء قرية فومهوس يعشن على صناعة الاعمال الحرفية من الشعر، ولكن ليس من شعر الانسان بل من شعر الحيوان. كانت النسوة يعملن اشهراً طويلة في صناعة خواتم صغيرة من شعر الحيوان ويذهبن بها الى مدن الموانئ السويدية مثل العاصمة استوكهولم حيث يتم بيعها بسهولة. بعد ان تتمكن النسوة من بيع عدد كاف من الخواتم وكسب مبالغ تخولهن السفر الى الدول المجاورة، كنّ يركبن زوارق بدائية ويسافرن الى دول البلطيق وبولندا وروسيا بحثاً عن لقمة العيش. وتروي نينا سبار ان "في احدى المرات عادت نساء القرى من رحلة طويلة الى دول البلطيق ومعهن مهنة جديدة وهي صناعة اعمال لوحات صغيرة وخواتم واشكال تتعلق بالزينة المنزلية ولكن من شعر الانسان. ومن هنا انطلقت المهنة الى بقية مناطق السويد". في بادئ الامر واجهن صعوبة في استخدام شعر الانسان في حرفهم اذ ان الشعر كان حكراً على صانعي الشعر المستعار، ولكن مع الوقت تغير الوضع واصبحت مهنة صناعة الحرف اليدوية من شعر الانسان وسيلة لكسب لقمة العيش. وبعدما تطورت السويد وتحسن وضعها المالي مع الثورة الصناعية وارساء حكم ديموقراطي مرتكز الى العدالة الاجتماعية، اختفت تلك المهنة ومعها مهن شبيهة ايضاً لتحل مكانها الصناعات الثقيلة كوسيلة للعيش. الا ان المهن اليدوية عادت مع منتصف تسعينات القرن الماضي لتنتشر كهوايات بين الناس. وتقول سبار في هذا السياق: "ورثت مهنتي عن والدتي الا ان والدتي لم ترثها عن والدتها. ومعروف عن نساء قريتنا انهن بعد ان يتمرسن بالمهنة كنّ يسافرن الى روسيا لترويج انتاج تلك الحرف اليدوية. وبما ان والدتي لم تتعلم المهنة من والدتها وانما فضلت الانتقال في سن مبكرة الى مدينة يوتبوري للعمل في مصلحة السكك الحديد فهي لم تكن تتقن تلك المهنة. ولكن في احدى المرات تعرفت الى زميلة لها تعمل في مصلحة السكك اصلها من روسيا". وبعدما تقاعدت والدة نينا وعادت الى القرية اعطت سر المهنة الى ابنتها التي بدأت بصناعة اشياء صغيرة وغير معقدة، كما انها لم تتخذها مهنة وانما هواية فنية. ولكن بعد بضع سنوات اتقنت نينا المهنة وطورتها عبر توسيع مكان العمل وتأسيس مشغل لصناعة اعمال فنية وزينة للمنازل من شعر الانسان، وتشرح: "معظم الاشياء التي اصنعها تشبه تلك التي كانت تستخدم كزينة للمنازل في القرن الثامن عشر. ولكن هناك زبائن يرغبون باشياء خاصة بهم من فنون الزمن الحالي فأقوم بصناعتها حسب الطلب". ليس من السهل سحب شعرة وراء شعرة وتطريزها في اشكال مختلفة اذ ان ذلك يأخذ وقتاً طويلاً "يراوح بين شهر واربعة اشهر حسب نوع اللوحة او الشكل الذي اصنعه. فأنا احصل على طلبات عبر الانترنت والبريد من معظم بقاع الارض وبخاصة من اميركا ودول اوروبا. اكثر الاشكال المطلوبة لوحات صغيرة على شكل ورود او اسماء، ولكن عندي طلبية الان لصناعة تاج لعروس من الشعر، وطلبية اخرى على شكل فيل صغير". وتشير نينا الى ان معظم زبائنها يزودونها بشعر من افراد عائلاتهم، اذ ان "هناك من يعطيني خصلة شعر لزوجته او لوالدته او لاولاده واصنع منها ذكرى لا تموت ابدا، فالشعر لا يصيبه اي اهتراء كما اني اقوم بغسل ما احصل عليه قبل ان اصنع منه اي شيء". ورثت نينا عن والدتها جوارب من شعر استخدمت عبر ثلاثة اجيال "وكل مرة استخدمها اشعر بأنها جديدة". ولكن في بعض الاحيان لا يكفي الشعر الذي تحصل عليه نينا من الزبائن لذا "اشتري شعراً من صالونات الحلاقة بمبالغ معقولة". وتشير الى مستودع صغير وراء المشغل وتقول: "اخزن كومات من الشعر فيه لانني احتاجها بين الحين والاخر لاكمال بعض الاعمال". وتوضح نينا انها تستقبل كل انواع الشعر "المقصوص من الرأس او من اللحية". علاقة الشعر بالانسان حساسة للغاية، وبخاصة عندما يكون الشعر مقصوصاً. هذه الحال تمر على نينا باستمرار اذ ان "هناك الكثير من الناس يدخلون الى المشغل واشرح لهم ان كل الاعمال من شعر الانسان فيبدون شعوراً بالاشمئزاز والقرف، لكن هناك من يبدي اعجابه ايضاً. عندي زبائن يطلبون اشياء اصنعها لهم من شعر اشتريه من صالونات الحلاقة ولا يشعرون بالقرف ابداً، الا ان معظم الزبائن يفضلون شعراً من احد افراد العائلة يريدون ان يتذكروه". وتبدي نينا سبار ارتياحاً الى مهنتها التي تصفها بأنها "فن اكثر منها مهنة. فأنا اصنع لوحات وزينة للمنازل وحلىاً للبشر واشياء فنية اخرى، لذا اتعامل مع مهنتي على انها فن وليست مهنة حرفية اعيش منها. هذا يعطيني العزم للاستمرار في هذه المهنة التي تحتاج الى جهد كبير لانها تتعب النظر والظهر ولكنها ممتعة". أصبحت نينا سبار ظاهرة غير عادية في السويد اذ انها تحصل على دعوات مستمرة من العديد من البلديات لتعرض صناعاتها الجميلة، وتقول: "عندما اشارك في معارض فنية احرص على ان اقدم دائماً اشياء جديدة للزبائن". وتسحب قطعة ملابس داخلية نسائية وتقول: "صنعت قبل فترة هذه القطعة، وعندما اسأل عنها اقول إنها موديل سويدي"، وتضحك قائلة: "طبعاً يمكن استخدامها ولكن لا انصح احداً بذلك".