تسعى سوق للحرفيين في حي الصيفي في وسط العاصمة اللبنانيةبيروت، إلى احياء بعض المهن الحرفية التي اقترنت بعائلات ومدن وقرى لبنانية منذ اجيال، لكنها باتت شبه منسية بعدما تراجع الاقبال عليها بدرجة كبيرة. وترمي هذه المبادرة التي انطلقت أمس (الجمعة)، بعنوان «سوق الحرف» وتقام على مدى عطلتين أسبوعيتين إلى تحقيق هدفين، أولهما إعادة النشاط إلى منطقة الصيفي بوصفها حيا للفنون. وفي هذا الاطار تقول منظمة السوق ناتالي المير: «هذا المكان كان قديماً محور التقاء للمصممين والحرفيين، ونحاول اليوم إعادة احياء دوره واعادة الحركة التي افتقدتها هذه المنطقة». أما الهدف الثاني فهو: «تشجيع الصناعة اليدوية وإحياء التراث الحرفي الوطني وتقريبه من المدينة وأهلها، وتعريف أبناء الجيل الجديد على تراث باتوا بعيدين منه»، بحسب ما قالته نايلة ابو عزيز المسؤولة الاعلامية في شركة «سوليدير» الداعمة لهذا السوق. وتوزع داخل الخيمة التي تقام فيها هذه السوق حوالى 30 مشاركاً ما بين حرفيين وعاملين في مجالات الصناعة اليدوية واعادة التدوير واعادة التدوير الفنية. وتبدو الحماسة جلية عند تقديم المنجد التقليدي جمال سلطان (43 عاماً) شرحاً عن حرفته، هو الذي حمل لحفه والأفرشة الصوفية واستقر في الصيفي اتيا من محلة البسطة التحتا في بيروت. ويقول جمال المهنة انه ورث «ابا عن جد»، شارحاً باعتزاز أن «الأفرشة التقليدية الصوفية صحية، اذ ان الصوف عازل وبمنزلة دواء للعظام». ويعزو سلطان تراجع الاقبال على شراء هذه الأفرشة إلى «أنها تحتاج الى صيانة وتنظيف، وليس لدى الناس حاليا وقت للتنجيد والتنظيف وتشميس الأفرشة». ويرى سلطان ان مهنته قد تنقرض بعد فترة من الزمن قائلا: «أنا من آخر جيل يعمل في هذه الحرفة. عملياً هي مهنة صعبة ويحتاج الراغب في تعلمها الى 10 أعوام أو اكثر لاتقانها». وتنفيذ الفراش، بحسب سلطان، يتطلب ساعتين، الأولى لانجاز اطاره والثانية لتقطيبه. ويتمنى سلطان ان يأخذ ابنه شيئا منه «وان يكون ملما بهذه الحرفة، شرط الا تكون مورد رزقه الوحيد لانها على طريق الزوال». وهل يسعى الى تحويل محله متحفا ؟ يجيب «اتمنى ذلك. في فرنسا مثلا، يقدرون مهنتنا كثيرا، لكنها للاسف تحتضر في بلدنا». ويؤيده صانع المراكب محمد خالد حمرا قائلا: «هذه حرفة لديها تاريخ، لكن للاسف لا احد يفكر ان يحول مكان عملنا متحفا. بالعكس نفتقر إلى أدنى مقومات العمل والبقاء». ويستقبل صانع القوارب حمرا المقيم في مدينة طرابلس شمال لبنان زوار السوق بابتسامة، فمنصته تعج بالقوارب والزوارق والمراكب المتعددة الحجم. ويقدم هذا الحرفي خلال المعرض ورشة عمل عن صناعة المركب وتاريخها. ويقول: «في الواقع كنا ننتج من 10 الى 15 مركبا سنويا وبعدها صرنا ننتج مركبا واحداً في السنة والان كل خمسة اعوام نصنع مركب صيد». أما اليوم فبات مضطرا إلى ان يكتفي بصنع مجسمات مراكب حرفية صغيرة فولكلورية كالمراكب التي اشتهرت بها طرابلس، من مراكب الصيادين الى مراكب نقل الحمضيات وسواهما. كذلك بات يصنع مراكب للاطفال مخصصة للعب، بطلب من ادارة «سوق الحرف». واخذ حمرا الحرفة عن والده الذي كان يصنع المراكب الشراعية وزوارق الصيد. وكان نحو 30 شخصا من عائلته يعملون في المهنة لكن كثيرين منهم ماتوا او سافروا. أما محمد فيخشى زوال هذه الحرفة من عائلته بعد وفاته إذ أنه اب لخمس فتيات تزوجن وسافرن. وفي سوق الحرف ايضا يعرض صانع الغليون بيتر خاتشاريان مجموعته، في حين وزعت سنا حبور الى جانبه اواني الفخار، هي التي ورثت المهنة عن جدتها وامها وتصنع الاواني من تراب قريتها آصيا في شمال لبنان. وخصصت مساحة لصانع العود خالد حلبي الذي تعلم المهنة من والده وجده الذي صنع عودا لام كلثوم لا يزال موجودا في متحفها. وكان حلبي هجر سورية ابان الازمة واستقر في محلة المزرعة في بيروت. ويتيح السوق لزواره المشاركة في ورش عمل يقدمها الحرفيون وابتكار تصاميمهم الخاصة. وتشدد المير على ان المنظمين استقدموا افرادا لا مؤسسات للمشاركة في هذا المشروع.