روبيو يؤكد تفاؤله باجتماع جدة والهدنة في أوكرانيا    هوية إسلامية وتاريخ متجذر    مفوض الأونروا: أزمة الجوع بغزة قد تعود إذا استمرت قيود إسرائيل    البصمة.. التوقيع الفريد الأزلي    سفير خادم الحرمين لدى البحرين يقيم مأدبة إفطار رمضاني    أمين تبوك: لدينا أكثر من 120 فرصة استثمارية متنوعة    سورية تعلن استعادة الأمن في محافظات الساحل    المملكة واحة استقرار    الراية الخضراء.. انتماء ونجاح وثقافة وطن    «مشروع الأمير محمد بن سلمان» يجدد مسجدي «الحزيمي» و«الفتح»    سلمان بن سلطان يدشن مشروعات بحثية لتوثيق تاريخ المدينة المنورة    إطلاق «الواحة» أول مشغل بملكية سعودية بالأسواق الحرة    افتتاح أربعة مساجد ذكية في المدينة المنورة    الإنتاج الصناعي يسجل نموًا بنسبة 1.3% في يناير 2025    استمرار مبادرة "لك مثل اجره " التي اطلقها فريق قوة عطاء    أمير تبوك يرعى حفل يوم البر السنوي ويكرم الجمعيات الفائزة بجائزة تبوك للعطاء    نائب أمير المنطقة الشرقية: العلم السعودي رمز للوحدة والاعتزاز بالهوية الوطنية    النصر يستعيد رونالدو ولاجامي    من قلب التاريخ: فعاليات "قلعة تاروت" تعيد إحياء التراث الرمضاني    «سلمان للإغاثة» يدشن مشروع سلة "إطعام" الرمضاني ومشروع "كنف" في لبنان    أكثر من مليون و 400 ألف خدمة قدمها مجمع إرادة بالرياض خلال عام 2024    الجمارك تحبط تهريب أكثر من 1.3 مليون حبة "كبتاجون" مُخبأة في إرسالية أجهزة تكييف    المسلم في عين العاصفة    اتفاقية تعاون بين شركة حرف السعودية وشركة شكرا لخدمات الأعمال لدعم الحرفيين    السياحة تعلن عن تجاوز عدد الغرف المرخصة في مكة 268 ألفًا بنسبة نمو 64%    حساب المواطن: 3 مليارات ريال مخصص دعم شهر مارس    اتفاقية تعاون بين تجمع الرياض الصحي الثالث ومستشفى الملك فيصل التخصصي    42 شهيدًا ومصابا في غزة خلال 24 ساعة    في ترتيب الأكاديمية الوطنية للمخترعين الأمريكية.. الجامعات السعودية تتصدر قائمة أفضل 100 جامعة في العالم    اليمن.. إتلاف ألغام حوثية في مأرب    خلال حفلها السنوي بالمدينة.. «آل رفيق الثقافية» تكرم عدداً من الشخصيات    300 مليون دولار.. طلاق محتمل بين جورج كلوني وزوجته اللبنانية    في ختام الجولة 25 من " يلو".. النجمة والعدالة في صراع شرس على الوصافة    مواقف ذوي الإعاقة    تجاوز ال"45″ عاماً.. الإفطار الجماعي يجدد ذكريات «حارة البخارية»    مخيم عائلة شبيرق بأملج لإفطار الصائمين    أنهى ارتباطه بها.. فقتلته واختفت    الغذامي والبازعي والمسلم.. ثلاثتهم أثروا المشهد بالسلبية والشخصنة    مدير الأمن العام يرأس اجتماع اللجنة الأمنية بالحج    اغتراب الأساتذة في فضاء المعرفة    الشيخوخة إرث الماضي وحكمة الحاضر لبناء المستقبل    فيجا يربك حسابات الأهلي    السالم يبتعد بصدارة المحليين    تمبكتي يعود أمام باختاكور    الاتحاد يجهز ميتاي للرياض    سعود يعود بعد غياب لتشكيلة روما    فتيات الكشافة السعودية روح وثّابة في خدمة المعتمرين في رمضان    الأمير سعود بن نهار يستقبل قائد منطقة الطائف العسكرية    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل "التوعية بالعنف الأُسري"    أبها للولادة والأطفال يُفعّل حملة "التطعيم ضد شلل الأطفال" و "البسمة دواء"    مستشفى خميس مشيط العام يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    شبكة مالية حوثية للهروب من العقوبات    "تكفى لا تعطيني" تحاصر عصابات التسول    ‏ "أمّ القُرى" تحصد شهادة الآيزو الدَّوليَّة في مجال أمن المعلومات ومجال الأمن السيبراني    نعتز بالمرأة القائدة المرأة التي تصنع الفرق    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لجمعية الأمير محمد بن ناصر للإسكان التنموي    العلم شامخ والدعوة مفتوحة    الجامعة العربية تدين تصاعد العنف في الساحل السوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاطع عراقية
نشر في الحياة يوم 15 - 11 - 2003


فاكهة سوداء
في الطريق من عمان الى بغداد يوم 14-9-2003 بعد ثلاثين عاماً
حدود... سواد عراقيات في صندوق خشبي بين أسلاك شائكة أردنية وأسلاك شائكة عراقية... جثث من الكاوتشوك، فرائس لفاختات سوداء وأعشاش لطيور الحطام. ظهيرة، طفل يرتعش مثل نجمة. آ ج ثري 3H، ثغر عراقي يتنفس الصعداء. الطريق مؤمنة بالخلاص واثقة من ذلك وأنا في كل انعطافة أو وقفة أشككها بإيمانها. زجاج الشاحنات في البعيد، مرايا هنود حمر في أفلام الكاوبوي. خطوط البلاستيك الذائب على الإسفلت رسوم بيانية في شاشة هائلة لقياس نبض شعب على المشرحة. كثبان وأخرى كالحة براقع لنساء الأفغان، السماء مشدودةٌ الى أعناقها برباط جأش. 500 كلم - 412 كلم أرقامُ العد التنازلي الى بغداد درجات في سلّم يتدحرج عمودياً الى أعماق هرم زمني. مسلحون في شاحنة يبتسمون ايديهم حول أعناق الكلاشن أصابع أطفال بين حيوانات المخمل. لا طير، حتى مهاجر لا شجر، حتى غاف... عراق شبحي لكائنات وصور مكتومة بين جوانح الفراغ. أبتعد عن... اقترب من... نقطتين في داخلي ما زلت أجهل مكاني بينهما. تتراءى بغداد زرافةً، ضبع ينهش في عنقها. السيارة تؤرق قيلولة عملاق اسفلتي مثل ذبابة على صدر مارد... خيمات، خيمات بدو على حافة الزمان والمكان في وطن النهايات هذا ما زالوا يتعلقون بأذيال المالا نهاية. الطلقات التي تزأر في صدر الوقت سلالة حيوانات مفترسة توشك أن تنقرض وهي تطلق وراء التخوم صيحاتها الأخيرة... مسلحون، جنود، مرتزقة، مخابئ لتعليب الأيام في عبوات وحيوات ناسفة. في أعالي المخيال أقطف فاكهة سوداء من أشجار ظلت لسنوات طويلة دائمة الخضرة. أطياف وأشباح تلتف على جسدي، تعانقني بحرارة لم آلفها. أحاول تمريناً جديداً... أن أخرج من قبضة المنفى ولا أدخل في قبضة الوطن! عراقيون... ياقات من رماد وعيون من شرر، سؤال يرتد على نفسه بمزاج مطاطي. الأحياء غبطة موسمية وغيوم. العائلة العراقية مرصوصة مثل التمر في البساتيج * الأحياء من أبنائها والأموات.
في زمن التراجيديا تتضاعف جاذبية الأرض تبلغ درجتها القصوى في الامتصاص. هكذا أتذكر نيوتن في مدرسة الفرات الابتدائية للبنين عام 1956 بين ماضيه السحيق وحاضره المسحوق عراق بلا نخيل مثل أم بلا أبناء. أعرف ذبوله القديم وطفولته المعمرة وجلاله الذي لا يرى بالعين المجردة. هنا يمكن ان تموت حضارة بلا طوفان ولا قيمة. ان تحترق سلالات ولا تترك أثراً مثل قيعان محيطات تجف، لا متحجرات ولا أصداف. هنا أهوار للألم وغابات من قصب يابس يبعث موسيقاه مثل روح وحيد في ليل. سيبقى المجرد سيد الساحة في مخيال العراقيين، انه الوحيد الذي يدير ظهراً لكل تضاريس المعنى تاركاً عباءة ألوانه وأقماره لكل يفعل بها ما يشاء. للأفق ارتجالاته ومنائره وللنهر مآقيه ومصباته. أسير بين هامات خضراء وصفراء أكاليل آلهة سومرية وهالات ائمة وقديسين اسمع أطفالاً تجرح زرقة السماء فوق حقول النخيل وأتذكر صلاة آنو، الأب السومري يعلن قيامة الفرات بين فخذيه وهو يحضن إينانا تقدم له قدحاً من دم العشب أصافح الخليفة المنصور يرسم بفرجاله قوس الأسوار وثكنة القصر تاركاً أبواب الليل العباسي مشرعة على آلاف الليالي والأسحار والجنيات... أرى مقاماً صوفياً من القصب الأصفر في أرض جرداء مثل رغيف ساخن. أطفئ بلحم يدي النار التي تحرق كتب أبي حيان وأكاليل اللهب التي تأكل جبين الحلاج وأطراف عبدالله بن المقفع. أدخل سرداباً قديماً في بغداد فأجد الحسن بن هانئ يهمُّ بانتشال روح من جوف دنٍّ معتق وأسائل أبا الطيب أين أرض العراق؟ فيجيبني ونحن... ها هو القربان.
علاقات
ينسب الذهول في عيون الأحياء
الى ترقب سلالة منقرضة من الطيور
هاجرت ولم تعد.
وكذا الموت الى أرغن عجوز
يعزف دون انقطاع.
القيثارة السومرية وسيدة الوركاء
تعودان الى مرقديهما في المتحف
مع عودة الأطفال الى المدارس
وصافرة الدرس مع زقزقات الأرواح الصغيرة
التي تقتلع مثل شجرات الزنبق
أما الدمع،
فإنه يتفجر بين شقوق وفجوات جديدة
تركتها الأسئلة الساقطة كالنيازك
والخوف
ذلك تمثال إلهي صغير
عثر عليه فلاح جنوبي في مقبرة ملكية في أور
تعود الى عصر ما قبل السلالات،
قبل أن يشتريه سائح غربي.
يبقى الألم تابوتاً اسطورياً
له في كل جسد ضريح.
ما زال الفرات ينبع من احليل آنو
ويصب في عانة الصحراء العربية.
نزهات
يخرج الأطفال للنزهة في كبد السماء
يخرج اللبلاب من عينين في الشرفة
تخرج النخلة من حشرجة الناي وبرد الأرصفة
يخرج البردي من أحشائنا
تخرج الطير الى أقفاصها بين الصدور
يخرج القاتل من أحضان عليين
تخرج الجنة من حنجرة الداعي
يخرج الناجون... للموت
تخرج القرية من زوادةٍ
تخرج الحارة من دفتر مخبر
تخرج الليلة كالغيمة بيضاء
يخرج النهر طليقاً مثل قارب
تخرج الشرفة كالصيحة للأفق
تخرج الريح الى الأنقاض
نزهات... نزهات.
ذهب
الى علاء محمد حسين، عراقي يعيش على استخلاص الذهب من بقايا الأسلحة والمعدَّات الالكترونية المكونة في مقابر الحطام المنتشرة في كل مكان من بغداد.
ذهب في المقابر
ذهب في قلائد الملكات
ذهب في الحنفيات
ذهب في المنائر
ذهب في التيجان
ذهب في الأسنان
ذهب في أحشاء الأسلحة
ذهب في أحشاء الأضرحة
ذهب في المباضع
ذهب في الأصابع
ذهب في الحياة
ذهب في الممات
ذهب عراقيُ
ذهب
* شاعر عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.