ماذا يعني انتخاب الجمهوري المعتدل ارنولد شوارتزنغر حاكما لولاية كاليفورنيا، معقل الحزب الديموقراطي؟ وماذا يعني تكليف مستشارة الأمن القومي كوندوليسا رايس الاشراف على مشروع اعادة اعمار العراق في تجاوز واضح لدور وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وصقور البنتاغون؟ يبدو ان المزاج العام في اميركا بدأ يقترب تدريجيا من الوسط السياسي، مبتعدا عن الاستقطاب اليميني واليساري الذي ميز الحياة السياسية خلال العامين الماضيين، إثر اعتداءات 11 ايلول سبتمبر. وكما عاقب الناخبون الديموقراطيون في كاليفورنيا غراي ديفيز، بعد 11 شهراً على اعادة انتخابه حاكما للولاية بسبب استهتاره إزاء الانفلات المالي عجز الموازنة بلغ نحو 40 بليون دولار، عاقبت استطلاعات الرأي الرئيس جورج بوش الجمهوري بسبب نهج المحافظين الجدد الذي سلكته ادارته خلال العامين الماضيين، على حساب التماسك الداخلي من جهة، وعلاقات اميركا مع العالم من جهة اخرى. فليس غريبا، والحال هذه، ان ثلث الناخبين الديموقراطيين لم يقرروا بعد من هو مرشحهم المفضل لمواجهة بوش في الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. الواضح ان الدرس الذي اعطته نتائج انتخابات كاليفورنيا، وهي الولاية الاغنى والاكثر كثافة سكانية خامس او سادس اكبر اقتصاد في العالم، هو ان الناخب الاميركي مل لعبة الاستقطاب التي عمّقتها اعتداءات ايلول في الساحة السياسية، كما مل السياسيين التقليديين، فبات اكثر انجذابا للمعتدلين من خارج نادي السياسيين التقليديين. قد يفسر ذلك تقدم المرشح الرئاسي الديموقراطي ويسلي كلارك، الجنرال الذي لم يشغل اي منصب منتخب في حياته، في استطلاعات الرأي، بعد اسابيع قليلة على ترشيح نفسه. انتخاب شوارتزنغر الجمهوري في ولاية ديموقراطية لن يضر بوش في انتخابات العام المقبل. لكنه، في الوقت ذاته، يوجه رسالة واضحة الى البيت الابيض والى المرشحين الديموقراطيين مفادها ان على من يريد ان ينجح في الانتخابات الرئاسية ان يعيد صوغ سياساته في شكل يجعله اقرب الى الوسط الذي ساد قبل احداث ايلول، من دون التقليل من اهمية تاثيرات تلك الاحداث في اعادة صوغ المزاج العام. إلا ان مرور عامين على ايلول، من دون تعرض الاراضي الاميركية لأي هجوم ارهابي كبير، بدأ يعيد الرأي العام الاميركي تدريجيا الى الوضع الطبيعي السابق الذي يتطلب من المرشحين ان يبتعدوا عن السياسات الاستقطابية الحادة التي تسعى الى الغاء الرأي الآخر، من اجل الفوز بأصوات المستقلين والاغلبية المعتدلة. في هذا الاطار، يمكن القول إن تحرك بوش للإبتعاد عن صقور ادارته، بدءا بالانقلاب على قرار عدم الذهاب الى الاممالمتحدة، وانتهاء بضبط اداء البنتاغون في العراق، من خلال فرض رقابة صارمة عليه، يؤشر الى ان الرسالة وصلت عبر استطلاعات الرأي. في المقابل، سيضطر المرشحون الديموقراطيون الى التخلي عن سياساتهم اللامنطقية، بما فيها دعوات سحب القوات الاميركية من العراق، بغض النظر عن النتائج. إذ تظهر استطلاعات الرأي ان غالبية الاميركيين، رغم عدم رضاهم على اداء الادارة، يريدون انجاز المهمة في العراق، مع تحفظهم عن استئثار واشنطن بالقرار بمعزل عن الأممالمتحدة والمجتمع الدولي. ويعني هذا ان المرشحين الديموقراطيين سيضطرون، بعد الانتخابات الأولية لفرز مرشحهم في مواجهة بوش، الى الاقتراب من سياسة الجمهوريين، بالقدر الذي بدأت سياسة الجمهوريين تقترب من الوسط من خلال تقليم اظافر المحافظين الجدد واعطاء دور اكبر للتيار الاكثر اعتدالا داخل الادارة.