يشهد زوار المكتبة الوطنية في العاصمة الفرنسية مطلع الأسبوع المقبل، وتحديداً مساء الثالث من تشرين الثاني نوفمبر، حدثاً سينمائياً استثنائياً، هو عبارة عن العرض العالمي الأول، لفيلم تبلغ مدة عرضه أربع ساعات ونصف الساعة. والاستثناء لا يأتي، طبعاً، من كون العرض يجري داخل مباني المكتبة العريقة، إذ سبق لها أن قدمت عروضاً سينمائية عدة. الاستثناء يتعلق بالفيلم المعروض نفسه، لأنه أول مبادرة سينمائية على هذا المستوى، تنتج من عمل مشترك قام به مخرج فلسطيني ومخرج اسرائيلي. ولا يقلل من أهمية المبادرة المزدوجة هذه أن يكون المخرج الاسرائيلي منشقاً وأن تكون أفلامه السابقة أثارت دائماً لغطاً وغضباً في اسرائيل. هذا المخرج هو ايال سيفان، الذي سبق ان عرف بعدد من الأفلام التسجيلية المشاكسة والمتعارضة مع الايديولوجية الرسمية للدولة العبرية ولفكرها الصهيوني، مثل "اختصاصي" و"اذكر... عبيد الذاكرة". أما زميله الفلسطيني فهو المخرج المعروف، وابن الناصرة فلسطين 48 ميشيل خليفي صاحب "عرس الجليل" و"حكاية الجواهر الثلاث" بين أعمال أخرى حققت وجوداً مهماً وجوائز عدة خلال العقدين الماضيين، وأمنت للسينما الفلسطينية الروائية تلك النقلة الانعطافية التي تعيشها اليوم فارضة حضورها، الفني الابداعي والسياسي الواعي، في آن معاً. الفيلم الجديد المشترك بين خليفي وسيفان عنوانه "الطريق 181، مقتطفات من سفر في فلسطين/ إسرائيل". ويقول البيان الصحافي المتحدث عن الفيلم لمناسبة عرضه ان خليفي وسيفان "كرسا أكثر من عام كامل، للعمل على تحقيق هذا الفيلم الذي يعتبر انه "فعل ايمان سينمائي بوصفه اخراجاً مشتركاً بينهما كفلسطيني واسرائيلي". ويضيف البيان ان المخرجين، في "فيلم الطريق الوثائقي البالغة مدة عرضه أربع ساعات ونصف، تجولا في كل بلدهما، على طول الحدود التي رسمتها منظمة الأممالمتحدة في قرارها الشهير الحامل الرقم 181، عام 1947، والذي كانت غايته تقسيم فلسطين الى دولتين، واحدة عربية والأخرى يهودية". والفيلم - دائماً بحسب البيان - يقترح نظرة غير مسبوقة الى سكان فلسطين - اسرائيل، نظرة مشتركة تقف في مواجهة "العواصف المأسوية التي تهز مجتمعاتهما" حيث أن السينمائيين "يؤمنان بفضيلة العيش المشترك وبتعايش سلمي، علماً بأن الصداقة التي تربط بينهما لم تتأثر أبداً بما ترتبه عليها هويتاهما القوميتان اللتان فرضتا عليهما فرضاً، وباسمهما يخاض صراع دام يتواصل منذ نصف قرن وأكثر". ولتحقيق هذا الفيلم قام كل من ميشيل خليفي وايال سيفان في صيف عام 2002، معاً برحلة من جنوب "بلدهما" الى شماله. وهما لسلوك هذا المسار، رسما خارطة للطريق أطلقا عليها اسم "طريق 181"، تيمناً برقم القرار الأممي الشهير. وخلال الطريق التقى الاثنان رجالاً ونساءً وأماكن، من الشعبين، التقيا عجائز وشباناً، مدنيين وعسكريين، في مهب الحياة اليومية لكل واحد من هؤلاء. وكانت النتيجة هذا العمل، الذي من المؤكد أنه سيسيل حبراً كثيراً، وسيلقى من المؤيدين، بقدر ما سيلقى من المناوئين. وإذا كان العرض الأول للفيلم سيقتصر على مدعوين واختصاصيين وبعض الحضور في قاعات المكتبة الوطنية، فمن المعروف ان عرضه العلني الكبير سيكون في سهرة خاصة تبثها قناة "آرتي" الفرنسية الألمانية مساء 24 تشرين الثاني نوفمبر قبل أيام قليلة من حلول ذكرى اتخاذ الأممالمتحدة القرار رقم 181. وبعد ذلك سيتم توزيع الفيلم على شكل اسطوانات مدمجة، مضافاً اليه بعض المشاهد والفقرات التي لن يتضمنها عرضه التلفزيوني.