بعدما أخرجت مسرحيات عدة في أميركا اللاتينية وأوروبا، وبعد اكثر من 24 سنة من عملها مديرة لمسرح "باكا تياتر" في مدينة يتبوري السويدية، بدأت المخرجة السويدية ايفا برغمان تمارينها مع فرقة مؤلفة من نحو 35 ممثلاً عربياً و8 تقنين سويدين، لاخراج مسرحية "حلم ليلة صيف" للكاتب الانكليزي شكسبير على خشبة مسرح مركز الجزويت الثقافي في ضواحي مدينة الاسكندرية في مصر. انها المرة الاولى التي تعمل فيها ابنة المخرج العالمي انغمار برغمان، في دولة عربية، وهي امنية حملتها معها طويلاً وبدأت تشهد النور قبل عامين. تقول إيفا ل"الحياة" في مكتبها في مسرح الدراما الملكي في استوكهولم حيث كانت تضع اللمسات الاخيرة لعملها: "فكرة اخراج مسرحية عالمية لجمهور عربي ولدت قبل عامين عندما كنت في احد مهرجانات الاردن الفنية. وفي احدى الندوات التي شاركت فيها في مدينة العقبة ناقشنا موضوع التواصل الثقافي بين المجتمعات المختلفة ولمست رغبة كبيرة في الانتقال من الكلام الى الفعل. لذا قلت لمَ لا نناقش الآن موضوع اخراج مسرحية غربية لجمهور عربي؟ واتفق المجتمعون على العمل على اخراج مسرحية غربية معروفة عالمياً، فوقع الخيار على "حلم ليلة صيف"، وهي مسرحية كوميدية شهيرة". ولكن لم يكن من السهل على ايفا برغمان اتخاذ قرار الموافقة لأنها كما تقول: "كانت عندي افكار سلبية مسبقة عن المجتمع العربي بأنه مجتمع ذكوري، ففكرت بأنه سيكون صعباً علي ان اعمل وسط هذا المجتمع لأنني امرأة ومن دولة غربية. لكن المشاركين في الندوة شجعوني على اخراج العمل وأكدوا لي انه لا توجد أي عواقب لتحقيق المشروع الثقافي هذا. وهكذا أوكلت اليّ مهمة ان اكون مديرة فنية ومخرجة للمسرحية". تتمتع المخرجة ايفا برغمان بثقافة فنية عالية. فهي، إضافة الى انها ترعرعت في كنف والدها المخرج العالمي انغمار برغمان، تحمل شهادات عالية في المسرح، كما ان في حقيبتها الفنية أكثر من 30 عملاً مسرحياً لأهم الكتاب في العالم. ومعلوم ان ايفا برغمان تشارك منذ مدة طويلة في احياء نشاطات ثقافية في دول العالم الثالث. فهي تنقلت بين الكثير من دول افريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا. ولكنها المرة الأولى تخوض فيها تجربة مسرحية في دولة عربية. وتقول برغمان عن اقتناعها بأهمية اقامة عمل مسرحي تشترك فيه عناصر مختلفة من دول العالم في هذا الوقت تحديداً: "في زمن الاشتراكية كان الارهابي في الافلام الأميركية والغربية شيوعياً تحديداً من دول اوروبا الشرقية او الاتحاد السوفياتي سابقاً. ولكن بعد انهيار الكتلة الاشتراكية اصبح الارهابي عربياً مسلماً. وتغذت هذه الصورة اكثر بعد احداث 11 ايلول سبتمبر 2001، لذا شعرت ان الظروف الآن في حاجة اكثر من اي وقت مضى الى عمل يمحو الصورة الخرافية عن المواطن العربي ويلقي الضوء على قدراته الفنية وعلى حضارته العريقة كمساهم أو مساعد في تواصل الحضارات. ووجدت ان مسرحية "حلم ليلة صيف" مناسبة اكثر من سواها لأن تقدم باللغة العربية، خصوصاً انها تتناسب مع اي مجتمع وأي زمان". وتقول برغمان ان خيارها وقع على مصر بسبب التسهيلات الموجودة هناك والتعاون السهل مع القائمين على مركز الجزويت الثقافي في الاسكندرية. تمكنت برغمان والعاملون معها من الحصول على مساعدات مالية من الاتحاد الاوروبي ووزارة الثقافة السويدية والسفارة الهولندية في مصر وعدد من المراكز الثقافية الاوروبية. وتتوقع ان تصل تكاليف المسرحية الى نحو 6 ملايين كرون سويدي، أي ما يعادل نصف مليون دولار. وما يجدر ذكره ان ايفا برغمان اخرجت المسرحية ذاتها سنة 1989 في مسرح "باكا تياتر" في مدينة يوتبوري السويدية ولكن باللغة السويدية. وتقول انها ستحاول تقديم مضمون المسرحية نفسه باللغة العربية. ومن الملاحظ ان برغمان المحترفة صارمة ودقيقة في عملها، فنص المسرحية سيترجم من الانكليزية الى العربية ثم ستعاد ترجمة النص العربي الى الانكليزية كي تتأكد من ان ما تريد ايصاله الى الجمهور العربي موجود في الترجمة. وتبدي برغمان ارتياحها الى عملها مع عدد من الممثلين العرب القادرين، ومنهم الممثلة اللبنانية الشابة برناديت حديب التي حصلت على جوائز عدة في السينما والمسرح. ولا تخفي برغمان اعجابها بالممثلة حديب التي ترى فيها وجهاً مناسباً لدور رئيسي في المسرحية التي سيتم عرضها الاول في التاسع عشر من شهر آذار مارس المقبل. وتقول برغمان: "في حال تمكنا من الحصول على دعم مالي اضافي يخولنا اجراء جولة مسرحية في بعض العواصم العربية فلن نتراجع عن ذلك. ولكن المؤكد حتى الآن اننا سنعرض المسرحية في الاسكندرية ثم سنعود بها الى السويد لعرضها على خشبة مسرح "باكا تياتر" في مدينة يوتبوري". وستستخدم المخرجة برغمان ديكوراً يتناسب مع نص المسرحية وهو يتألف من غابات وأشجار وحيوانات، الا ان الجديد في المسرحية الموسيقى العربية التي ستكون عنصراً مهماً. فبرغمان تريد اشراك آلات موسيقية شرقية وعربية لاغناء المسرحية، لذا ستحتل آلة العود والناي والطبلة حيزاً رئيسياً في المسرحية. ويتوقع ألا تختلف برغمان الابنة عن برغمان الأب كثيراً في بناء الخشبة واستخدام عنصري الضوء والصوت والاعتماد على حضور الممثل لانجاح العمل المسرحي. ومعروف ان السويد تحاول منذ مدة بناء جسور ثقافية بين الوطن العربي والمجتمع السويدي. ففي العام الماضي تم تأسيس المعهد الثقافي السويدي في مدينة الاسكندرية، وعمدت وزارة الثقافة السويدية الى تمويل منظمة "سيدا" الثقافية التابعة لها لدعم المشاريع الثقافية في الدول العربية. وهي تمول جزءاً من مسرحية "حلم ليلة صيف". والجدير ذكره أيضاً ان برغمان قررت ان يكون الدخول مجانياً او شبه مجاني لافساح المجال امام عدد كبير من المشاهدين المصريين لحضور المسرحية.