هل تصل الحقيقة إلى الحاكم أم تخضع في طريقها إليه لسلسلة من الجراحات التجميلية وعمليات التغيير والتطويع إلى حد جعلها مطابقة لما يشتهي سماعه؟ وهل يجرؤ مستشار على مكاشفة صاحب القرار بالأخطاء والأخطار أم يفضل لي عنق الحقيقة لتجنب الغضب القادر على إطاحة الأرزاق والأعناق معاً؟ وهل يمكن لحاكم اتخاذ قرار صائب في موضوع شائك ما لم تتوافر لديه المعطيات الفعلية وثمن الخيارات على اختلافها؟ لا مجال لمثل هذا النوع من الأسئلة في الدول الراسخة المؤسسات خصوصاً تلك التي تضطلع بمهمات الرقابة والمحاسبة. لكن غياب المؤسسات يصبح كارثياً إذا اقترن بقطيعة مع الواقع وتفرد كامل في اتخاذ القرارات التي تمس مصير دولة وشعب. منذ أسابيع يراودني سؤال لا أعثر له على جواب، وهو كيف يقرأ الرئيس صدام حسين الوضع الدولي الحاضر وقرار مجلس الأمن الأخير وادراج الرئيس جورج بوش الوضع العراقي كمحطة أساسية في الحرب على الإرهاب وترسانات أسلحة الدمار الشامل. والسؤال الآخر هو عما يقوله أعضاء مجلس قيادة الثورة وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين للرئيس حين يجتمع بهم لبحث سبل مواجهة العاصفة المقتربة. والحقيقة أن بين ما يضاعف المخاوف ما قاله الفريق أول ركن نزار الخزرجي الرئيس السابق لأركان الجيش العراقي ل"الحياة" في إطار سلسلة "يتذكر". قال الخزرجي إن ما انتهت إليه الحرب العراقية - الإيرانية دفع الرئيس العراقي المنتصر إلى قطيعة كاملة مع الواقع، إذ صار مهتماً بموقعه المميز في التاريخ عاجزاً عن الاستماع إلى أي نصيحة إذا تجرأ أحد على الأدلاء بها. وكشف أنه، وهو رئيس أركان الجيش، علم بغزو العراق بعد حصوله، وأنه فقد منصبه بسبب قوله في اجتماع "اننا سنخسر الحرب"، فسارع صدام إلى انهاء الاجتماع وارسل له كتاب عزله من رئاسة الأركان. والأخطر من كل ذلك حديث الخزرجي عن شعور صدام بالمرارة لأن العالم لم يكافئه على معاقبته الثورة الخمينية وارغامها على الانشغال بجروحها داخل حدودها. واستغراب صدام لردة الفعل الدولية والعربية على اجتياحه الكويت وتوهمه أن الغرب يفضل وضع النفط في عهدة نظام قوي ومستقر. عاد ما قاله الخزرجي إلى بالي وأنا أقرأ سيناريوهات عن السعي لاقناع الرئيس صدام حسين بالتخلي عن السلطة في مقابل توفير ملجأ آمن له ولعائلته وتجنيب أركان نظامه الملاحقة. كل عربي يشعر اليوم بالخوف والقلق. خوف على العراق والعراقيين، وقلق من أن تؤدي محاولة اقتلاع النظام إلى اقتلاع وحدة البلد. لا أسرار حول هوية المنتصر إذا اندلعت الحرب، ولا غموض حول حقيقة موازين القوى. وتبقى المسألة الأصعب وهي كيف يقرأ الرئيس العراقي الوضع الحالي، وهل تصل الحقيقة إليه أم يخضعها المستشارون لجراحات تجميل وتبديل فتتعزز فرص الكارثة.