سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس السابق لأركان الجيش العراقي فتح ل"الحياة" دفاتر الحاضر والماضي . الخزرجي : وزير الدفاع ورئيس الاركان ابلغا باجتياح الكويت بعد حصوله قلت سنخسر الحرب فأنهى صدام الاجتماع غاضباً واتخذ قرار عزلي 3
نشر في الحياة يوم 30 - 11 - 2002

هذا يحدث في العراق وحده. صباح الثاني من آب اغسطس 1990 رن الهاتف في منزل الفريق اول ركن نزار الخزرجي رئيس اركان الجيش العراقي. كان المتحدث سكرتير عام القيادة العامة الفريق علاء الجنابي الذي طلب من رئيس الاركان التوجه الى مقر القيادة. وفور حضور الخزرجي عاجله الجنابي بكلمات ثلاث: "اكملنا احتلال الكويت". وبعد ربع ساعة وصل وزير الدفاع عبدالجبار شنشل فزف اليه الجنابي النبأ. هذا يحدث في العراق وحده. يأمر الرئيس باجتياح بلد مجاور ولا يعرف وزير الدفاع ورئيس الاركان الا بعد اكتمال المهمة.
روى الخزرجي ان خروج العراق منتصراً من حربه مع ايران شكل نقطة تحول خطيرة في شخصية صدام حسين المسكون بهاجس صورته في التاريخ.
وقال ان صدام شعر بالخيبة من مواقف الدول القريبة والبعيدة معتبراً ان العراق الذي منع ايران من تصدير ثورتها وارغمها على الانكفاء الى الداخل لم يعامل بعد الحرب بما كان يستحقه. واضاف ان الخيبة تحولت مرارة وغضباً بعدما اعتبر صدام ان جهات دولية شجعت الكويت على المساهمة في رفع اسعار النفط. وحكى قصة اللقاء الاول مع صدام بعد الاجتياح وملابسات عزله من رئاسة الاركان بعد اسابيع عندما قال: "لن نتمكن من القتال وسنخسر الحرب" فرد صدام بانهاء الاجتماع وارسل اليه كتاب عزله.
وقال الخزرجي ان صدام تولى شخصياً وضع خطة اجتياح الكويت في حضور صهره حسين كامل وابن عمه علي حسن المجيد.
وهنا نص الحلقة الثالثة:
ماذا تغير بعد وقف الحرب العراقية الايرانية وشعور صدام انه خرج منتصراً؟
- طبعاً نهاية الحرب بالشكل الذي حدث لم تكن متوقعة حتى من قبل صدام حسين. لهذا حصل عرس في العراق استمر فترة. نهاية الحرب على هذه الصورة كانت نقطة تحول خطيرة في شخصية صدام حسين. شعر انه بطل الامة وحاميها وليس حامي العراق فقط. اعتبر نفسه حامي الخليج. وهو كان يردد في السابق ان هذه الامة تحتاج الى من يدافع عنها لان الآخرين غير قادرين. وكان يعتبر ان المطلوب هو تصليب الموقف العربي وان الدول العربية وزعماءها لا يتمتعون بالقدرة اللازمة على مواجهة تحديات كبرى في عالم لا يفهم الا لغة القوة.
كم كان ناقماً على سورية بسبب موقفها من الحرب؟
- كان ناقماً بشدة ويصنف نظامها في طليعة الاعداء. لم يكن
يشرك العسكريين في الاحاديث السياسية التفصيلية. لكنه كان يمرر عبارات تعبر عن ألمه من موقف بعض الدول العربية خصوصاً انه وضع الصراع في سياق الصراع بين الامة العربية والفرس. لومه يشمل سورية بالدرجة الاولى ثم ليبيا والجزائر. كان يعتبر السعودية والكويت ودول الخليج والاردن والى حد ما مصر، بعدما عمل على اعادتها الى الجامعة العربية، دولاً ذات موقف جيد.
350 بليون دولار
ماذا حدث بين 1988 وغزو الكويت وقد كنت رئيساً لاركان الجيش؟
- كان صدام يعتبر ان نجاحه في اضعاف الثورة الايرانية وقدرتها على الامتداد الى خارج حدودها عمل وفّر الحماية للعراق ودول الخليج واقطار عربية اخرى. كان يتحدث عن اهمية المحافظة على البوابة الشرقية للامة العربية. اعتبر ان هذا الدور الذي كلف العراق كثيراً يجب ان يقابل بشعور عميق بالعرفان والامتنان من الدول العربية. توقع ان يهبّ العرب لمساعدة العراق بعد الحرب وان يقدموا مساعدات هائلة. توقع ايضاً ان يشعر العالم الغربي نحوه بالامتنان لان هذه الثورة معادية له. وتوقع الشيء نفسه من المعسكر الاشتراكي لان الثورة الايرانية كانت تنذر بزعزعة استقرار الجمهوريات الآسيوية السوفياتية. لفهم هذا الشعور يجب ان نتذكر ان العراق دخل الحرب ولديه فائض مقداره 43 بليون دولار وخرج منها مديناً بحوالى 70 بليون دولار نحو نصفها للدول العربية. كان يتوقع مساعدة اكبر.
خرج العراق منتصراً من الحرب لكن بمشاعر الجريح. على مدى ثماني سنوات توقف كل تطور وعادت قطاعات كثيرة الى الوراء. ديون ضخمة والمشاريع متوقفة والبطالة عالية. اصيب صدام بخيبة عميقة من العرب والعالم وتحولت الخيبة مرارة. كان يتوقع ليس فقط ان تقوم الدول بالغاء ديونها بل ايضاً ان تقدم مساعدات. العراق انفق في الحرب اكثر من 350 بليون دولار قدمت الدول العربية منها 40 بليوناً. اعتبر صدام ان العراق تحمل العبء نيابة عن الآخرين ايضاً. رأى صدام ان العراق هو السد امام حلم ايران بتصدير الثورة وان انهياره سيسقط الانظمة في المنطقة. واعتبر العراق نقطة توازن ومصدر مناعة للعرب.
في هذا الجو بدأ الحديث عن خروج دول عربية عن الحصص المحددة لها في سوق النفط ما ادى الى هبوط الاسعار. ردد ان عائدات العراق من النفط لا تكفي لخدمة فوائد الديون. استغرب اقدام الكويت والامارات على زيادة الانتاج مع علمها ان المتضرر الكبير هو العراق. بعدها تصاعد الحديث عن قيام الكويت بسحب النفط من الجزء العراقي من حقول الرميلة مستفيدة من طبيعة الارض هناك. امتعض بشدة وادعى ان الكويت تسرق النفط العراقي. توصل الى استنتاجين: الاول ان ثمة جهة تستخدم خفض سعر النفط لاضعاف العراق، واتهم اميركا والدول الغربية بالايحاء بهذه السياسة. والثاني اعتبر الخطوة الكويتية بسحب النفط العراقي طعنة له. والحقيقة ان صدام لم يستقبل بارتياح استثناء العراق من عضوية مجلس التعاون الخليجي ورأى ان ذلك نوعاً من الرغبة في ابعاد العراق او عزله ولهذا شكل لاحقاً مجلس التعاون العربي هذا اضافة الى التغيير الذي حصل في شخصيته.
عقدة بطل الامة
كيف لمستم التغيير؟
- منذ الساعات الاولى لوقف اطلاق النار، احتشدت الجماهير للاحتفال وأطل عليها بالملابس العربية ونظراته تتجه الى ما بين الارض والسماء. تغير تغيراً حاداً. لدى صدام عقدة بطل الامة. الخلود هاجس عنده. يريد دخول التاريخ واحتلال موقع استثنائي فيه حتى وان دخله بشكل سيئ.
من يعرف صدام يعرف انه لا يؤمن بالقادة العاديين. يعتبرهم عابرين في حياة دولهم وشعوبهم. كان يسخر ويقول: "الرئيس الاميركي الذي يفوز بنسبة 51 في المئة اي قرارات حاسمة سيتخذ، انه رئيس ضعيف. القرارات المصيرية يتخذها رجال اقوياء على رأس سلطات قوية ويملكون القدرة على تنفيذ القرارات".
دروس ستالين
بمن كان معجباً من الزعماء؟
- كان معجباً بستالين واسلوب ادارته للحرب العالمية الثانية. وزع على القادة العسكريين كتاباً سوفياتياً عن تلك الحرب يتحدث عن براعة ستالين في ادارتها.
الحقيقة ان صدام كان يعتبر نفسه قائداً عظيماً. حاول ان يقلد قسماً من خطوات ستالين خلال الحرب لكنه قلدها بشكل مشوه. وجود المندوب الحزبي او المفوض السياسي مع الفرق العسكرية مأخوذ من هناك، ووجود هؤلاء المندوبين الذين يكتبون مباشرة الى القائد العام ازعج قادة الفرق والفيالق. قلده في الامساك بكل شيء. لم يترك الحرية الكافية للقادة الميدانيين. وضع كل الامور الاستراتيجية في يده على غرار ما فعل ستالين. كان يعتبر انه قادر ان يكون اكبر من جمال عبدالناصر.
عقدة التاريخ كبيرة لديه؟
- يعيشها في شكل يومي. لا تستغرب ان يكون يعتقد انه ابرز قائد منذ ايام صلاح الدين.
ولديه مخاوف امنية ووساوس كستالين ايضاً؟
- ليس هناك في العالم من هو ابرع منه في موضع الامن وضرب الاخطار المحتملة ضده وضد نظامه. انه يحب هذه المسألة وتأخذ جزءاً غير يسير من وقته. انه بارع وخبير ومجدد.
من يضمن امنه؟
- الاقارب واصحاب الولاء المضمون الذين اغرقهم بأفضاله ومع ذلك يبدلهم باستمرار. اقرب الاشخاص لديه لا يعرفون بتنقلاته واماكن وجوده.
انا كنت رئيساً لاركان الجيش. كنا نستدعى لمقابلته فتأخذنا سيارات معينة مع ستائر ومن ثم يسيرون في اتجاهات معينة ثم نجد انفسنا في قصر او مقر. يهوى هذه الاشياء. يمكن ان يستقبلك في القصر او في البر او في كارافان او في بيت شعر. لا يقيم في مقر واحد. اذا اراد الانتقال يبلغ الحراس في الوقت المناسب. اعطى الشوارع ارقاماً وصار يقول لحراسه ان يأخذوه الى الشارع 47 ومنه الى 25 وهكذا. وحين يخرج تخرج في الوقت نفسه مجموعة مواكب متشابهة. احياناً يدير امنه شخصياً.
هناك من يلعب دور البديل لصدام؟
- نعم هناك اكثر من واحد. لكن اذا اقتربت منهم تعرف انهم ليسوا صدام. هناك مبالغات في شأنهم. يستخدمون في مواكب التمويه لا في استقبال وفود.
يخاف من ان يدسّ له سم في الطعام؟
- لا يأكل الا من الاكل الذي يصطحبه معه وهناك من يفحص الاكل ويتذوقه. هو بالمناسبة يحب الطعام. لاحظته يأكل ببطء وشهية.
هل يمزح؟
- يحب الضحك والنكات. وفي الغالب يمازح المقربين منه مثل عزة ابراهيم ولطيف نصيف جاسم ويضحك وتهتز اكتافه. ليس مزعجاً في الجلسة. بالمناسبة انه رجل صبور يستمع في الاجتماعات حتى للكلام المكرر.
هل يستخدم تعابير قاسية؟
- لا. انه مؤدب لا يستخدم الالفاظ الخشنة. لائق لكنه مهيمن وصاحب سلطة.
متى شعرتم ان الكويت يمكن ان تستهدف؟
- قبل ما يزيد على شهر خرج التوتر الى العلن. الغريب انه خلال مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بغداد قبل الحرب بحوالى اربعة شهور منح صدام امير الكويت الشيخ جابر الاحمد ارفع وسام عراقي.
لكنه تصرف في القمة وكأنه عبدالناصر الجديد؟
- تصرف وكأنه اكثر من عبدالناصر. قلت ان التوتر ظهر. بدأ الاعلام يكتب عن زيادة اسعار النفط وسرقة النفط. جرت اتصالات لم تبدد التشنج. لكن لم يدر في خلد احد ان العراق الذي يدعو الى وحدة الامة ويدعي انه دافع عن الامة يمكن ان يقوم بغزو الكويت ويشطب دولة عربية من الوجود.
هل هناك في ثقافة الجيش العراقي ما يعتبر الكويت جزءاً من العراق؟
- هناك من يرجع الى التاريخ ويقول ان الكويت كانت جزءاً من ولاية البصرة في العهد العثماني. وفي زمن الملك غازي كانت هناك دعوة الى ضم الكويت الى العراق. وظهرت دعوة مشابهة في ايام عبدالكريم قاسم. هذا الموضوع موجود. لكن الحزب الحاكم في العراق هو حزب البعث الذي يدعو الى وحدة عربية. العراقيون يؤمنون بالوحدة وليس بالضم القسري.
هل لاحظتم كرئيس للاركان تحركات عسكرية؟
- بحسب التقسيم المعروف فان الحرس الجمهوري يتبع مباشرة القائد العام اي صدام. الحرس الجمهوري كان يتدرب عادة في مناطق مختلفة في العراق. في تلك الفترة كانت التدريبات تجري في منطقة البصرة وفي اطار التدريبات السنوية. لذلك اجتاح الكويت مستخدماً الحرس الجمهوري. لم يتنبه احد لان التدريبات اعتبرت عادية.
هنا حصل شيء غريب. كان عبدالجبار شنشل وزيراً للدفاع وكنت رئيساً للاركان ولم نفاتح لا من قريب او بعيد بموضوع اجتياح الكويت.
النبأ الصاعقة
متى عرفت بالغزو؟
- كنت نائماً في منزلي ليلة الاحداث. اتصل بي صباحاً سكرتير عام القيادة العامة الفريق علاء الدين الجنابي وطلب ان اذهب الى القيادة العامة وحين دخلت مكتبه قال: "اكملنا احتلال الكويت". سألت كيف؟ فقال: "الحرس الجمهوري والقوة الجوية وطيران الجيش انهوا احتلال الكويت". بعد ربع ساعة وصل وزير الدفاع عبدالجبار شنشل وتم ابلاغه بالطريقة نفسها. تصور ان الجيش يدفع في مغامرة من هذا النوع من دون علم وزير الدفاع ورئيس الاركان.
اصبنا بصدمة كبيرة. فالبلد المستهدف بلد عربي مجاور ونحن نقول اننا قاتلنا ايران ليس دفاعاً عن العراق فحسب بل عن العرب ايضاً ثم انه كان واضحاً لي ان المسألة لن تمر من دون حساب خالجني شعور ان الحساب سيطرح مصير العراق برمته.
موعد مع القائد
بعد ثلاثة او اربعة ايام حصل اللقاء الاول مع صدام حسين. استدعينا، وزير الدفاع وأنا، إلى لقاء ونقلتنا السيارات إلى منطقة الرضوانية. وبعد دوران في شوارع جانبية كان هناك كارافان. دخلناه فوجدنا خرائط معلقة على جدرانه. بعد ربع ساعة دخل صدام حسين. قال: "أرجو أن لا تزعلوا، أنا لم أخبركم بعملية تحرير الكويت وهذا لا يعني انني لا اثق بكم. فعلت ذلك لسببين: الأول هو انني لو ابلغتكم لقمتم بسلسلة من الاجراءات من بناء الخطط إلى الاستعداد كوزارة وهيئة أركان وكان من شأن ذلك أن يلفت النظر ويكشف السر، وأنا أردت أن تكون العملية مفاجئة. الثاني انني حررت الكويت بالقطعات التابعة لي مباشرة وليس قطعاتكم.
بعدها قال لي: "فريق نزار، اريد أن أسحب الحرس الجمهوري وأريد منك استطلاع منطقة الكويت ووضع قطعات من الجيش مكان الحرس الجمهوري الذي سنسحبه إلى المنطقة الحدودية ليكون احتياطاً".
لم يبد صدام مبتهجاً في الاجتماع، كانت ردود الفعل الدولية شديدة.
ذهبت إلى الكويت وقدرت حجم القطعات التي احتاجها للحلول مكان الحرس الجمهوري ونفذنا الخطوة. في اليوم التاسع للاجتياح كتبت تقريراً استراتيجياً ورفعته إلى القائد العام ونائبه ووزير الدفاع. تحدثت في التقرير عن الحدث وما هي التغييرات الهائلة التي حصلت في المنطقة، وماذا يمكن أن يحدث على مستوى المنطقة والعالم. وأشرت إلى أن ما قام به العراق سيؤدي إلى حرب كبيرة قد تكون شبيهة بحرب عالمية صغيرة. وقلت إن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ستشارك في هذه الحرب ومعها دول عربية، وان هذه الحرب قد تتخطى استعادة الكويت إلى انهاء العراق.
حين يغضب الرئيس
وبعد أربعة أسابيع من الاجتياح كتبت تقريراً عملياتياً بينت فيه كيف ستحدث المواجهة والاتجاهات التي ستسلكها قوات التحالف، مقارنة بين إمكانات الجانبين. وأشرت بشكل واضح إلى أن الحرب واقعة بنسبة مئة في المئة، وسنخسر هذه الحرب. ووضعت في التقرير توصية بأن ننسحب ونحل المشكلة بالوسائل الديبلوماسية.
في 18 أيلول سبتمبر 1990، أي بعد نحو ستة أسابيع من الاجتياح، استدعانا صدام إلى اجتماع حضره وزير الدفاع وأنا وقائد القوة الجوية ومدير الاستخبارات، كما حضر سكرتير عام القيادة العامة الجنابي. منذ بدء الاجتماع بدا صدام منزعجاً. قال صدام: "فريق نزار أنت أعددت تقريرين اريدك أن تناقشهما".
بدأت في عرض التقريرين وأشرت إلى أن الإمكانات ليست متكافئة أبداً، ما يعني أن ليست هناك فرصة للقتال وسندمر في اماكننا. قلت إنه ستكون هناك غارات شاملة تستهدف تدمير المواقع الحساسة والبنية التحتية لفترة لا تقل عن شهر قبل أن يبدأ الخصم بضرب القوات عبر هجوم بري.
انفعل صدام وقال: "شنو، ليس هناك هجمات جوية تدوم شهراً، مجرد يوم أو اثنين وتبدأ المعركة الأرضية وفيها سنلقنهم الدرس". أجبته: "سيدي، لن تتاح لنا فرصة مثل هذه المواجهة، سيدمرون الجسور والثكنات والمصانع وفي النهاية سيرتدون على القوات الأمامية".
كنت لا أزال في الجزء الأول من حديثي حين وقف مستاء، فوقفنا كلنا وخاطبني قائلاً: "فريق نزار لماذا لا تقول صراحة أنك لا تريد أن تحارب". آلمني الكلام وأنا ضابط محترف أتحدث بصراحة عن موضوع يطرح مصير البلد. قلت له بعدما فاجأني كلامه: "سيدي، أنا عسكري وأمضيت عمري في الجيش ورئيس أركان الجيش ولهذا السبب يجب أن أقول لكل الحقيقة. سيدي الحقيقة أسوأ مما ذكرت". فرد: "إذاً ينهى الاجتماع". ظهر الغضب واضحاً في عينيه.
خرجت من الاجتماع متعباً ومتألماً. بلد يندفع نحو الحرب والرجل المسؤول لم يأخذ في الاعتبار انني أتكلم انطلاقاً من حبي لوطني واستناداً إلى خبرتي. خاطبني صدام وكأنني خائف. في الحقيقة كنت خائفاً على بلدي، فأنا كعسكري كنت أعرف ان لا طاقة لنا على المواجهة.
في اليوم التالي، وبعد الدوام، جاءني أحد الأشخاص الذين يعتمدهم صدام في نقل رسائله الشخصية واسمه ماجد ويعمل في القصر. سلمني رسالة اقالتي من منصب رئيس أركان الجيش. جاء في الرسالة ما أذكره: "من صدام إلى الفريق أول نزار الخزرجي، يصعب عليّ تبليغ الرجال والعسكريين منهم بصفة خاصة بتغيير مواقعهم. المرحلة الحالية تتطلب تغيير موقعك. نشكرك على كل الجهود والفعاليات التي قمت بها في حرب القادسية. عينت الآن في منصب مستشار في رئاسة الجمهورية. نتوقع أن تقوم بهذا الواجب كما عهدناك سابقاً. صدام حسين".
الحقيقة أن المنصب الجديد رمزي وبلا أي قيمة ولذلك لم أدوام. اتصلت بالسكرتير العام للقيادة العامة وقلت له: "أنا موجود في البيت إذا كان لديكم ما تريدون رأيي فيه ارسلوه إليّ أو احضر اليكم إذا كان هناك ما يمكن أن أعمله".
وهذا كان وضعي، أي مستشاراً عسكرياً في رئاسة الجمهورية، إلى أن غادرت البلد في 1996.
أين كنت خلال الحرب؟
- كنت في بغداد. ولم استشر بشيء.
من وضع خطة غزو الكويت؟
- ما عرفته هو أن صدام وضع الخطة شخصياً في حضور حسين كامل وعلي حسن المجيد. ربما استعانوا بآخرين من المقربين لمسائل تفصيلية، لكن الخطة كانت بين الثلاثة.
ماذا تغيّر في تعامل النظام معك بعد اقالتك؟
- سحبوا الحرس الخاص الذي كان بين عناصره أقارب لي وكان يتولى حراسة منزلي. نقلوا حراسي إلى مكان آخر وجاؤوا بحراس من "الأمن الخاص" الذي كان يديره قصي. ووظيفة الحراس الجدد كانت متابعتي ومراقبة حركاتي. وضعوا سيارات من "الأمن الخاص" في أول الشارع وراقبوا هاتفي. عملياً صرت في ما يشبه الإقامة الجبرية من دون الإعلان رسمياً عن هذا الاجراء. كانت المراقبة شديدة.
ماذا كان شعورك وأنت ترى الجيش العراقي يهزم؟
- صدقني لا اريد أن أذكر تلك الأيام الصعبة. أيام مؤلمة ومذلة توفر درساً كبيراً. دمر البلد وأهين الرجل لا يهمه شيء.
هل تعتبر قصة الكويت برمتها خطأ فادحاً؟
- اعتبرها خطأ مرعباً.
كم مرة زرت الكويت قبل اقالتك؟
- ثلاث مرات على ما اذكر.
هل خطط لاحتجاز العائلة الكويتية الحاكمة؟
- طبعاً كان يتمنى.
جفن من يرف أولاً
هل كان يعتقد أنه سيقيم بصورة دائمة في الكويت؟
- نعم. لم يتوقع أن تحدث حرب. حساباته خاطئة. كان يعتقد أن الغرب يهمه النفط ولا يمانع أن يكون ربع احتياط العالم في يد رجل قادر على فرض الاستقرار. وهو كان مستعداً أن يقدم النفط للغرب بتسهيلات. تعامل مع الأزمة وكأنها مباراة في لي الأذرع. قال ذات مرة ان المسألة تدور حول من سيرفّ جفنه اولاً. مفهوم المبارزة القديم. لا يعرف ان العالم تغير وان هناك الامم المتحدة
ومصالح الدول الكبرى حتى العلوم العسكرية تغيرت كثيراً.
الحقيقة انه غير مدرك للسياسة الخارجية. ضعفه القاتل في هذا المجال. لا يعرف ماذا تغير في الصورة الدولية. بارع في الامن الداخلي والهيمنة على الناس لكنه جاهل في السياسة الخارجية. تصور انه استغرب ان القادة العرب لم يقفوا معه بعد اجتياح الكويت وراح يتوقع ان تثور شعوبهم عليهم لاسقاطهم.
عدم معرفته بالعالم الخارجي يدفعه الى قراءة الاشارات في صورة مغلوطة. هذا ما حدث في لقائه مع الديبلوماسية الاميركية ابريل غلاسبي. كانت غلاسبي تتهيأ للذهاب في عطلة. طلبت عبر وزارة الخارجية ووجدت نفسها امام الرئيس. شرح لها الوضع وقال لها ان دولاً في الخليج تحاول تجويع العراق وتركيعه وهذا عمل يمكن ان يلقى رد فعل شديد من قبلنا. لم تكن لدى غلاسبي توجيهات محددة فردت عليه بعبارات عامة. قالت له ان سياسة الولايات المتحدة تقوم على عدم التدخل في الخلافات بين الدول العربية ولا تعتبر نفسها معنية بها لانها يمكن ان تحل بينكم. فسّر كلامه على انه ضوء اخضر. تصور انه اعتبر بداية الحرب نوعاً من الغدر وقال: "لقد غدر الغادرون".
تصور ان المسألة تصل الى شفير الحرب ثم تحصل تسوية؟
- نعم. عندما طلب وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر الاجتماع بطارق عزيز لم يفهم ان هذا الانذار ستتبعه الحرب. اعتبر اميركا ضعيفة وبدأت ترضخ وان الوقت مناسب للتشدد وتحسين الشروط. اعطى تعليماته الى طارق عزيز بالتصلب. بيكر لم يخف نوايا بلاده قال لعزيز ان العراق سيدمر وسنعيدكم الى عصر سابق.
ما قصة تنقله بين الملاجئ؟
- هذا اسلوبه. لا احد يعرف مكانه.
وفوجئ بموقف السوفيات؟
- نعم، قال له السوفيات كيف تريدنا ان نجازف بحدوث حرب عالمية وانت لم تستشرنا حتى في عملك هذا.
ما هي قصة انتفاضة الجنوب والشمال بعد حرب الكويت؟
- كان القدر مضغوطاً جداً وحين رفع الغطاء حدث ما حدث. حتى الشعور الوطني لا بد من توجيه التعبير عنه وضبطه كي لا يذهب في مسارات مخالفة لما هو مقصود. للاسف استهدف المنتفضون في الجنوب الجيش والمؤسسات. وبدلاً من ان ينضم الجيش الى الانتفاضة تم التعرض له فاشتبك مع الناس. استهدف الجيش للاعتقاد بانه على ولائه لصدام في حين انه كان مهيئاً للانتفاض. معلوماتي ان قادة وآمرين قرروا الزحف على بغداد لاسقاط صدام رداً على مشاعر الذل وممارسات الخداع لكن حدوث الانتفاضة وتأخر التنفيذ فضحا الخطة.
من قاد عملية قمع انتفاضة الجنوب بعد حرب الكويت؟
- تولى قمع الانتفاضة في الجنوب الحرس الجمهوري وقوى امنية وقسم من قطعات الجيش. في تلك المرحلة وزع صدام حسين اعضاء مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب على المناطق واعطاهم صلاحيات. وبين هؤلاء عزة الدوري وطه ياسين رمضان وحسين كامل. الى الجنوب ذهب محمد الزبيدي الذي تولى لاحقاً رئاسة الحكومة. الى الشمال ذهب عزة الدوري، الى كربلاء والنجف طه ياسين رمضان وحسين كامل. وزع صدام اعضاء القيادة في اتجاهات عدة. ووقعت صدامات في مدينة صدام في بغداد ادت الى خسائر في صفوف الطرفين لكنها قمعت في النهاية.
غداً حلقة رابعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.