لم يعد رجوع منصور الرحباني الى التاريخ يستدعي القلق. بل باتت عودته مدعمة بخبرة الكشّاف الذي يعرف كيف يختار موضوعه، وكيف يصل به الى بر الأمان... على رغم ان لا أمان في الجدل الطبيعي ان يحدث إعلامياً عندما يقرر مسرحي كبير كالرحباني ان يأخذ الجمهور اللبناني والعربي في رحلة معرفة وحنين وأسى في وقت واحد الى ماض سياسي واجتماعي كان العرب يعيشونه انتصاراً ولكن الى حين... اشتدت النوازع السلطوية في اول الأمر فأغرقوا انفسهم والناس في التجربة المأسوية. الى الأندلس "يلجأ" منصور الرحباني ليصرخ في وجه العرب انهم ضيّعوا القضية. والقضية الأساس هي الاختلاف الذي افسد للودّ كل قضية، وما زال يفسد، عكس تلك الحكمة المأثورة التي استقالت من دورها لمصلحة "احكام" او "حِكَم" اخرى ليس اقلها تمجيد الاختلاف وجعله باباً الى إثبات الذات" في ما يهزّ حاضر العرب ويضع مستقبلهم على كف قوى قررت انهم اي العرب في حاجة الى وصاية. بهذه الحدة والجدية يكسر منصور الرحباني في مسرحيته الجديدة "ملوك الطوائف" الكلام العام الذي يلقي اللوم على الشيطان ويكتفي. فعند الرحباني ان الشيطان لا يدخل إلا إذا رأى فينا وهناً أورغبة في الانتصار به على بعضنا من بعضنا الآخر، ويقول: "ان "ملوك الطوائف" كتعبير، تعني زعامات بعض الجماعات البشرية، وليس لها اي بعد ديني لا في كلمة ملوك ولا في كلمة الطوائف. والحقبة التاريخية المعروفة باسم "ملوك الطوائف" في الأندلس موثقة في التاريخ، وموشّاة بالخيبة القومية". ويضيف منصور الرحباني: "تجري احداث المسرحية في فترة حكم المعتمد بن عبّاد وقصة حبه للجارية الحسناء التي كانت تغسل ثيابه في القصر ثم تزوجها وجعلها اميرة. انها اعتماد الرميكية التي كان لها دور كبير في حكم المعتمد. ففي تلك الفترة ضعفت الخلافة في الدولة العربية التي وحّدها "صقر قريش" عبدالرحمن الداخل، وتحديداً بعد وفاته وتسلّم ابنائه وأحفاده السلطة حيث استقل كل امير بمساحة جغرافية راح يتصرف فيها وبشعبها تصرف المالك بملكه حتى وُصفوا ب"ملوك الطوائف" الذين كانوا في العلن اشقاء يدافعون عن مصالح بعضهم بعضاً، بينما كانوا في السر اعداء تماماً يتواطؤون ويتآمرون بعضهم ضد البعض الآخر، وكل ذلك لنيل رضى ملك قشتالة الفونسو السادس عشر الذي "احسن" استعمالهم جيداً في مواجهة كل من كان يرفض آراءه منهم الى درجة انه دفعهم الى دفع "خوات" مالية له لحمايتهم...". ويتابع منصور الرحباني: "ولعل الذروة في المسرحية ذلك المؤتمر الذي يتداعى "ملوك الطوائف" لعقده من اجل نصرة قرطبة التي كان يحاصرها ملك طليطلة ابن زنون، وتكون النتيجة بيانات مساعدات مالية وأغذية وفشل". ويكمل الرحباني استعراض ما اعد في "ملوك الطوائف" مسرحياً: "المطرب غسان صليبا هو المعتمد بن عباد، وكارول سماحة هي اعتماد الرميكية، والاثنان يقدمان في المسرحية افضل القدرات الصوتية والتمثيلية، اضافة الى الممثلين زياد سعيد، وثرية يوسف وبول سليمان وأسعد حداد، وفرقة مسرحية يقترب عدد افرادها من المئة". وعن الموسيقى يوضح الرحباني: "كالمعتاد، معنا في موسيقى المسرحية اخي الياس الرحباني، كما يشارك غدي وأسامة ومروان في التلحين والتوزيع، اما الإخراج فهو لمروان الرحباني في تجربة جديدة ذات وزن فني وإبداعي، لا سيما في ما تستدعيه المسرحية من تغيير في الأسلوب والتجدد في الطرح، ومروان صاحب خبرة مثالية...". وعلى رغم ان الرحباني لا يتحدث في الأرقام، فقد اعلن ان تكلفة المسرحية تصل الى اكثر من نصف مليون دولار، والعرض يبدأ في الرابع من شباط على خشبة مسرح كازينو لبنان. "ملوك الطوائف" حوار بين ذات الفنان الذي لا يرضى بما يفعل، وذات الناس الذين لا يرضون بما يُفعل بهم ولهم. إنه حوار قابل للاشتعال في كل لحظة.