صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية ليس هناك قضية شائكة مثل قضية العلاقة بين الرجل والمرأة، فهذه العلاقة الإنسانية التي من الطبيعي أن يكون بعضٌ من أطرافها غير راضٍ عن الطرف الآخر، تشهد تضخيماً وتعميماً يتراوح بين الإفراط والتفريط، بين مَن يجعل الرجل منزهاً عن الأخطاء، وبين مَن يعتبره شيطانا، وبين مَن يعتبر المرأة جنساً مغلوباً على أمره، وبين مَن يجعلها سبب كل مشاكل العالم، وغالبا ما يكون التعميم هو السائد، لا أن ينظر إلى كل قضية على أنها حالة فردية لا يجوز تعميمها على الجنس كله. والغريب أن البعض لا يكتفي بالتعميم في قضية هذه العلاقة، بل أصبح ينبش في كتب التراث لسوق قصة يسحب أحداثها على جنس الرجال، أو جنس النساء، وبالمقابل أصبح البعض يشكك في أية قصة تروى في كتب التراث، ويتهم مَن يتداولونها بالعداء للمرأة أو للرجل، وكأن الجنس الذي يدافع عنه جنس منزه عن الخطأ، والجنس الآخر وحش كاسر. من قصص التراث التي تساق في هذا الجانب، قصة صاحب أشبيلية وقرطبة المعتمد بن عباد (431-488ه) مع زوجته اعتماد الرميكية، فهل تلك القصة على الرغم من أن بعض الباحثين شكك في أحداثها، تحط من أمر المرأة "الرميكية" بعد أن ذكرها المعتمد بن عباد بيوم الطين، أم ترفع من شأنها بعد أن شاركته عذاب السجن والفقر، مثلما شاركته عز المكان والمكانة. وكان المعتمد بن عباد، وهو أحد ملوك الطوائف في الأندلس، قد تولى أشبيلية بعد وفاة أبيه سنة 461ه، واتسع ملكه وأصبح مقصد الأمراء والعلماء والشعراء، ثم ضعف حكمه وأنهكته الفتن، وانتهى به المآل سنة 488ه أسيراً عند يوسف بن تاشفين، فأرسله إلى بلدة أغمات في المغرب ليعيش فيها مع زوجته وأطفاله في حالة من الفقر والعوز. وجاء في تفاصيل قصة يوم الطين، كما رواها عديد من المؤرخين والأدباء، أن الرميكية وهي جارية أعجب المعتمد بن عباد بحُسن منطقها وملاحة نوادرها فتزوجها، رأت ذات يوم في أشبيلية مجموعة من النساء يبعن اللبن في القرب وهن يخضن في الطين، فقالت له: أشتهي أن أفعل أنا وجواريّ مثل هؤلاء النساء، فأمر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد، وصيّر الجميع طيناً في القصر، وجعل لها قرباً وحبالاً من إبريسم، وخرجت هي وجواريها تخوض في ذلك الطين، ويقال: إنّه لمّا خُلع المعتمد جرى بينه وبين الرميكية ما يجري بين الزوجين، فقالت له: والله ما رأيتُ منك خيراً، فقال لها: ولا يوم الطين؟ تذكيراً لها بذلك اليوم، فاستحيت وسكتت. والغريب أن يلتقي مَن يريد الإساءة إلى المرأة مع مَن يدافع عنها على هدف واحد، وهو إبراز قصة يوم الطين وتناسي ما بعد تلك القصة من مشاركة الرميكية لابن عباد في ما كان ينتظره من مصير مؤلم، وبقائها معه حتى توفيت قبله بأيام قليلة سنة 488ه.