ينزل السعودي اسماعيل العجلان على سلم حديد الى بحر البلطيق المتجمد الذي يلف العاصمة السويدية استوكهولم، التي شهدت في الاسابيع الاخيرة موجة برد قارسة وصلت درجة الحرارة فيها الى ثلاثين تحت الصفر. قبل أن يتسلم العجلان عمله كسكرتير أول في السفارة السعودية في استوكهولم قبل سنتين، سمع ان هذه البقعة من الارض باردة في الشتاء ولكنه لم يتوقع ان يتجمد البحر الى درجة تمكن المرء من المشي عليه. "فأنا عندما أتيت الى هنا شتاء 2001 شاهدت الناس تتمشى على البحر وتركب دراجات هوائية وتمارس هوايات رياضية تتناسب مع فصل الشتاء. كان منظراً مفاجئاً لم أشاهده ولم أتوقعه من قبل. وهذه المرة الأولى أمشي فيها على بحر متجمد، انه شيء لا يصدقه الانسان الا بعد ان يجربه". تجمد جزء من بحر البلطيق يدل الى قسوة البرد في هذه البلاد، وعلى رغم البرد القارس يمارس سكان السويد حياتهم وأعمالهم في شكل طبيعي في فصل الشتاء. ويعني ذلك أن الشتاء لا يؤثر في نفسياتهم. يقول البروفسور في علم النفس البيولوجي في جامعة استوكهولم، أولف لوندبرغ أن الانسان خلق ليعيش في المناطق الاستوائية وليس في المناطق الباردة، ولكن مع مرور الزمن وتطور أساليب العيش امتد الزحف البشري الى هذه المناطق من الكرة الارضية وأصبح في الامكان العيش هنا. ويشرح قائلاً: "الشتاء يؤثر في الانسان سلباً وايجاباً، فعندما يحل البرد يفضل البشر البقاء داخل البيوت، ما يجعلهم يفضلون الأسرة. لو قارنا انفسنا بالحيوانات نجد ان البشر يبحثون مثلهم عن الدفء في فصل الشتاء، فالحيوانات تحشر نفسها في مكان ضيق يجمعها وتكسب الدفء من حرارة اجسادها، اما الانسان فلا يحتاج الى ذلك لأنه تمكن من تصنيع أشياء تحميه من البرد. يمتد فصل الشتاء في دول اسكندينافيا من مطلع تشرين الثاني نوفمبر حتى مطلع نيسان ابريل، ولكن ابرد فترة تمر بها البلاد تمتد من كانون الاول ديسمبر حتى نهاية كانون الثاني يناير فتصل درجة الحرارة، في بعض المناطق، الى ثلاثين او اربعين درجة تحت الصفر، وتتعرض بعض الخدمات الحيوية للضرر بسبب البرد فتتجمد المياه في القساطل وتتأخر القطارات عن مواعيدها بسبب الجليد على السكك. ولكن بفضل الخدمات العامة التي تقدمها سلطات الدول الاسكندينافيا تستمر الحياة في شكل شبه طبيعي. وتعتمد السويد وجيرانها الطاقة النووية لتأمين طاقة الكهرباء التي تعتبر احدى اهم مقومات الحياة في الشتاء. وتتمتع كل الاماكن المغلقة في السويد بأنظمة تدفئة عالية. وعلى رغم هذه الخدمات فإن أهل البلاد، بحسب تعبير البروفسور لوندبرغ، يفضلون الصيف على الشتاء. ذلك ان فصل الشتاء يولد نوعاً من الكآبة بسبب العتمة التي تغرق البلاد بها لفترة طويلة. والسويد ليست كبقية دول العالم فهي تمر في وقت لا يشاهد الانسان الشمس الا ساعات قليلة في خلال النهار. يقول العجلان: "تمر أسابيع من دون ان نشاهد الشمس. نستيقظ الى العمل في العتمة. ويدفع الوضع هذا بالانسان للجوء الى البيت اكثر من ايام الصيف. فنحن الآتون من بلاد دافئة نحب العلاقات الاجتماعية ولكن فصل الشتاء هنا يجعل المرء يتكاسل. فقبل ان يفكر في الخروج من المنزل لزيارة ما يشغل باله حاجته الى ارتداء الملابس المناسبة، ويجبر على الاطلاع على النشرات الجوية لمعرفة درجة البرودة. ومن سيئات فصل الشتاء أيضاً ان الانسان يصاب بزكام وأمراض معدية". ويعوض فصل الصيف عن قساوة الشتاء بليال صيفية طويلة وجميلة مفاجئة. ويقول اسماعيل العجلان: "تشرق الشمس في فصل الصيف في الثانية صباحاً وتغيب بعد الثانية عشرة ليلاً ولكن يبقى نورها مشعاً على مدى السماء. هذه الليالي خلابة اذ انها تدفع الانسان لاكتشاف السويد وجزرها الجميلة كما انها تعطي الرغبة بالسهر ولقاء الاصدقاء". تلجأ الشابة اديلي تريسكوف وصديقتها استريد تروللي الى داخل المقاهي الدافئة في فصل الشتاء هرباً من البرد القارس، وتقول اديلي: "انا لا احب فصل الشتاء وخصوصاً اشهر البرد القارس لذلك اسافر في فترة عيد الميلاد ورأس السنة الى دولة دافئة هرباً من البرد والعتمة. ولكن بما اننا نعيش هنا نتكيف مع طقس هذه البلاد ونحاول استغلال فصل الشتاء لممارسة رياضات ثلجية"، ولكن الرياضات الثلجية تتوقف عندما تنخفض درجة الحرارة الى تحت العشرين. كثير من السويديين يفضلون أخذ اجازاتهم السنوية في شهر كانون الثاني هرباً من البرد القارس، كما ان عدداً كبيراً من المتقاعدين يشترون بيوتاً في دول مثل اسبانيا او جنوب افريقيا يسافرون اليها في فصل الشتاء ويعودون الى السويد في الصيف. المقبل حديثاً الى السويد ودول الشمال الاوروبي يصبح كالطفل الذي يحتاج الى تعلم المشي من جديد. وهذا ما حصل لاسماعيل العجلان الذي يقول: "لم اكن اعرف اسلوب المشي في فترة الشتاء، كما انني لم اعرف ان الانسان في حاجة لأن تكون عنده احذية خاصة لفصل الشتاء، ولا اقصد احذية دافئة فقط بل احذية يمكن المشي فيها على الجليد. فتزحلقت ووقعت". ويتطلب المشي على الجليد من الانسان التيقظ طوال الوقت. وتقوم البلديات في الشتاء برش تراب وبحص على الاماكن المتجمدة لمساعدة المشاة على التنقل بسهولة. واستراتيجية التعايش مع الشتاء في السويد دفعت اسماعيل العجلان الى اتباع اسلوب حياة جديداً فهو يقول: "إن البرد يدفعك الى البقاء في المنزل وهذا يرغبك في القراءة ومشاهدة برامج التلفزة، وتميل الى الجلوس مع عائلتك. كما ان طريقة ارتداء الملابس اصبحت جديدة بالنسبة إليّ. فنحن في السعودية نرتدي ما يسمى بالثوب وهو لا يزن اكثر من نصف كيلوغرام. بينما هنا الجاكيت والكنزة الصوف وتحت الكنزة القميص والشال وفوق كل ذلك قبعة دافئة وسروالان تحت البنطلون وعدد من الجوارب. كل هذه الاشياء يصل وزنها الى اكثر من 15 كيلوغراماً. وكثرة الملابس تتعب الجسد فعندما يمشي الانسان على الطرقات المكسوة في الثلج يصبح كمن يمشي في حقل رمال. ولكن هذا لا يعني انني منزعج من البلد، لا بل على العكس فهي بلاد جميلة وشعبها مسالم، ما يجعلني احبها كثيراً وأرغب في العيش فيها". في وسع القادم من بلاد حارة كاسماعيل العجلان التكيف مع هذه البلاد الباردة. ولكن وفقاً للبروفسور لوندبرغ فإن معظم الناس يمكنهم التكيف مع البرد والحرّ، ويشرح قائلاً: "جسد الانسان يعرف متى يفترض منه إفراز مواد تعطي الدفء الى الاعضاء الداخلية التي يجب ان تكون دافئة باستمرار. ان الدماغ حساس للغاية ولكنه لا يتأثر بالبرودة الخارجية الشديدة لانه يحصل باستمرار على كميات دم كبيرة تساعده على العمل. لذلك ليس هنالك اختلاف بين شخص قادم من السعودية وشخص من الاسكيمو، من ناحية تكيف الجسد مع البرد". ويلاحظ القادم للمرة الأولى الى السويد ان شعب هذا البلد لا يعطي اهمية كبيرة للموضة وقد يكون البرد عاملاً مهماً في هذا. تشرح الشابة اديلي ان "الطقس البارد يجبرنا على ارتداء ملابس دافئة، وبما ان الموضة مرتبطة بالجسد، وبخاصة جسد المرأة، فمن الصعب على المرأة ان تظهر الكثير من جسدها فيشاهد المرء الناس يمشون في الشتاء كخزانة ملابس غير أنيقة. ولكن في الصيف نتحرر من الملابس الثقيلة ونرتدي الشفاف والقصير".