قد لا يعرف العابر الجديد للمنطقة التجارية "الراقية" شمال العاصمة السعودية الرياض ماذا يفعل الشاب "المراهق" بتسع ورقات من ورق اللعب الكوتشينة يقوم بترتيبها على زجاج السيارة حيث يراها الآخرون من دون ان يراها هو؟ وهو قد لا يعرف ماذا يفعل شاب آخر بجهاز كومبيوتر محمول يقوم بتشغيله على برنامج "باور بوينت" ويعرض في الشاشة الزرق المتلألأة تسعة ارقام باللون الابيض او الفضي ثم يقوم بعرضها امام سيارة مجاورة ذات زجاج قاتم لا يعرف العابرون من يقبع خلفه. مظاهر جديدة وأساليب مبتكرة يقوم بها الشباب، وخصوصاً المراهقون في ليلتي الاجازة الاسبوعية لايصال ارقام هواتفهم "الجوالة" الى الفتيات في السيارات الاخرى وربما بعد تبادل نظرات القبول والايجاب، او حتى تطفلاً ومضايقة للفتيات، خصوصاً عندما تكون برفقة السائق الآسيوي الذي علمته التجارب ألا ينظر حوله او يتدخل طالما حدود السيارة التي يقودها "آمنة" وطالما لم يجرؤ احد على محاذاته في شكل لافت او ملاحقته في شكل مزعج. وفي السيارات الاخرى قد لا ترى ورق اللعب او اجهزة الكومبيوتر لكنك تلحظ كتابات "غريبة" على مؤخر السيارات بعضها لألقاب شهيرة لأباطرة "التشات" و"الهاكرز" ليعلنوا عن انفسهم، والاخرى عناوين بريد الكتروني تقول لمن يقرأنها من الفتيات "هآنذا ذا وبالوسيلة العصرية اغازلكن او استجدي معرفتكن". يقول الشاب عبدالعزيز محمد "35 سنة" ل"الحياة": "ان دخول الانترنت "نفّس" كثيراً وقلص اكثر من مضايقات المراهقين او الشباب الصغار في السن للفتيات في الشارع، اذ اصبح من يريد اصطياد فتاة او التعرف على احداهن يدخل في مواقع الحب والدردشة ليجد ضالته حيناً او يستمر في البحث حتى الملل". ويشارك عبدالعزيز الرأي صاحب متجر لزينة السيارات في المنطقة العليا الصاخبة تجارياً وبشرياً ويقول: "كنت ترى في الماضي مواكب من سيارات الشباب تلاحق سيارة عائلية هنا، او تضايق فتاة عابرة هناك، لكن كل ذلك اندثر وكاد يتلاشى، الا من حالات شاذة، بعد دخول الانترنت والفضائيات للبلاد". ويزيد صاحب المحل الذي يطلب عدم ذكر اسمه انهم يتلقون طلبات غريبة للكتابة على خلفية السيارة او على جوانبها تتراوح بين الاسماء "الحركية" التي يأتي معظمها من الانترنت، وبين العناوين البريدية الالكترونية، وبين جمل يقصد بها لفت الانتباه تضم احياناً خطوطاً وخربشات اضافية فقط للفت الانتباه. ايضاً باتت المنطقة التجارية "الفاخرة" محطة لأساليب جديدة يفرغ بها الشباب والمراهقون طاقاتهم لكنهم يفضلون فعل ذلك امام الفتيات والعائلات في حركات استعراضية جديدة على الشارع السعودي، فبعد موضة الدراجات النارية والمشي في مجموعات تشبه مجموعات "الهيبيز" في الولاياتالمتحدة الاميركية وأوروبا، مع فارق مستويات اللبس والعطور، جاءت موضة التزلج على الاحذية المزودة بعجلات، خصوصاً بين السيارات وفي مجموعات كبيرة بين 4 الى سبعة اشخاص، وأيضاً يتم التزلج على الأرصفة وأمام بوابات المراكز التجارية الراقية التي استحدتث اخيراً قراراً استنكره الشباب يمنع العزاب من دخولها في ليلتي الخميس والجمعة الاجازة الاسبوعية في السعودية، فقط ليغيظوا حراس الأمن، وسائقي السيارات العابرين في مشهد يوحي ببعض التذمر من عزلهم اجتماعياً وترفيهياً، ويوحي ببعض التنفيس، خصوصاً مع قلة وسائل الترفيه المتوافرة لدى الشباب، خصوصاً المراهقين في البلاد. لن يستغرب العابر للمنطقة ذاتها تماسك شابين صغيرين يخفيان وجهيهما وقيامهما بالرقص الشعبي او حتى الرقص "الناعم" الشبيه برقص النساء في وسط الشارع فهذا اصبح امراً مألوفاً الى حد ما وان كان لا يزال مستنكراً. ويرفض معظم الشباب الصغار الحديث معك او الاجابة على اسئلتك لكن احدهم ومن على حذائه المتزلج قال ل"الحياة" ما معناه انه يريد فقط التسلية عن نفسه، وانه ناجح في دراسته، لكن عائلته لها برامج "عائلية" في اماكن لا تسمح بدخولهم مع العائلة، فلا يجد سبيلاً إلا الانضمام لأبناء عمومته وفعل ما يفعلون مهما كان من دون المساس بأحد او ارتكاب "الحماقات". يحمل المشي في ساعات الليل الاولى في المنطقة التجارية في الرياض على شارع العليا العام او على شارع التحلية الكثير من الصور والمفارقات، خصوصاً في ايام الاجازات الاسبوعية، وهي مفارقات استجدت على مجتمع الشباب السعودي، وهي ايضاً لم تعد حكراً على الفتيان والشباب الذكور، اذ يلحظ المراقب للشارع ان تغيرات كثيرة ايضاً طرأت على سلوكيات الفتيات المراهقات مثل لبس نوعيات "معينة" ومغايرة للسائد من العباءات التي تحمل ألقاباً مثل "الفرنسية"، و"المجنحة"، و"الرومانسية"، و"الجبارة" وغيرها، او تحمل جملاً تثير التحدي مثل "اتحداك تلمسني" او باللغة الانكليزية ما معناه "فولو مي"، "دونت تتش مي"، "ذي فاير"، "شاكيرا" وغيره من الجمل التي تثير الشباب وتجعلهم يشاكسون الفتاة لفترة من الوقت قبل الهروب بحركات استعراضية وخطرة بالسيارة. ويفضل الشباب التحرك في مجموعات بين ثلاثة الى خمسة اشخاص، بينما تفضل الفتيات التحرك في مجموعات اصغر لا تزيد على ثلاث فتيات، وتلمح في وجوه المارة من الآباء والامهات امتعاضاً وحيرة، فهم لا يقرون ما يفعله هؤلاء البعض ويخشون ان تنتشر الظواهر من القلة الى الكثرة او ان تصبح الامور التي تحدث امام اعينهم وأمام ابنائهم وبناتهم المرافقون لهم اموراً "اعتيادية" لا يستنكرها احد في الشارع، اما الحيرة فمردها معرفتهم ان هؤلاء الشباب يملكون طاقات كثيرة وكبيرة لا متنفس لها، او هي لا تجد الا متنفسات قليلة ليس بالضرورة ان يحبها الجميع ويمارسها مثل الخروج للصحراء، او لعب كرة القدم في مجموعات، وفي الإجمال هم يرون كل ذلك افضل وأرحم من سفر الشباب الى دول مجاورة في العطلة الاسبوعية لفعل "المنكرات" او التجمع في اماكن مستترة قد تقودهم الى تعاطي الكحول او المخدرات او إلى أي فكرة مجنونة. ويزيد من تفاقم ظواهر الشارع الشبابية ان التركيبة السكانية للبلاد في معظمها شابة فنحو 60 في المئة من السعوديين هم دون سن العشرين عاماً، ومجموعة لا بأس بها منهم من دون دراسة او عمل، او منتظرون لفرص تلوح هنا او هناك من حين لآخر. المظهر لا يتركز في العاصمة الرياض وحدها ففي مدينة جدة تتكرر المناظر نفسها على كورنيش البحر الاحمر، وفي المنطقة الشرقية ايضاً يتم ذلك ودائماً ما تكون المراكز التجارية الراقية ومواقف سياراتها وأرصفتها هي الساحات المفضلة لاظهار المواهب، او ابتكار وسيلة جديدة وغريبة لايصال رقم الهاتف للفتاة "المستهدفة"، وكأنما هي ضريبة تدفعها هذه المحلات، او ربما هي وسيلة احتجاج على ان القطاع التجاري الذي يضم نصف الوافدين للعمل في السعودية هو اقل القطاعات توظيفاً للشباب السعودي قياساً بالقطاعات الاخرى، او ربما تكون الارصفة اللامعة، والاضاءات الباهرة، ومظاهر الجمال والمنافسة بين هذه المحلات جاذبة للشباب الباحثين دوماً عن البريق حتى لو كان سرباً يسرق منهم سنوات العمر في مرحلة كان يفترض بها ان تكون للعمل والانتاج او التعلم والتدرب. والى حين ظهور "تقليعات" جديدة في الشارع السعودي من قبل هؤلاء الشباب والمراهقون يبقى على اسرهم عدم الاكتفاء بالتأمل والسؤال، وعدم انتظار ما لا يجيء من النضج المنتظر في عالم يموج بالمتغيرات ووسط مجتمع هو من اكثر المجتمعات العربية نمواً سكانياً، وتغيراً اجتماعياً، وتذبذباً اقتصادياً يكفي لاشغال الباحثين والدارسين عقوداً من الزمن.