ربما كان متوقعاً ان يسفر اجتماع فصائل المعارضة العراقية في لندن عن خلاف بينها على توزيع الحصص في عراق ما بعد صدام حسين، اذ ان بعض هذه الفصائل لم تتفق يوماً على رؤية واضحة حول تعاطيها الداخلي حتى عندما كانت احتمالات سقوط النظام في بغداد بعيدة المنال. واذا كان "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" يعتبر الاطار الجامع الاوسع للاحزاب والتوجهات الاسلامية في هذه المعارضة، فان حزب "الدعوة" هو الجناح الاكثر حضوراً داخل المجلس، ويتمتع بحضور سياسي كبير في صفوف العراقيين. وجاءت مقاطعته مؤتمر لندن على رغم توجيه الدعوة اليه، احتجاجاً على "اميركية الاجتماع" ومنحه واشنطن حق تقرير المستقبل السياسي ومشاركة القوى العراقية في تركيبة الدولة المقبلة، في سياق الالتزام بتاريخه النضالي وطابعه المعارض للهيمنة الاميركية. ولكن يبدو ان قرار المقاطعة ازعج عدداً من قياديي هذا الحزب الذين فضلوا عدم البقاء بعيداً من اجواء المؤتمر، لذلك تسربوا الى أروقته تحت عناوين مختلفة ابرزها العنوان المستقل. والموقف الراديكالي لحزب الدعوة من اجتماع لندن والدور الاميركي فيه، قابله سعي المجلس الاعلى ليكون القطب الأكثر وزناً بين الآخرين، وللاستئثار بمخاطبة الادارة الاميركية باسم الاسلاميين، مستفيداً من الدينامية التي تعامل بها السيد محمد باقر الحكيم مع التطورات السياسية، اضافة الى امتلاكه جناحاً عسكرياً فيلق بدر الذي يشكل القوة الاكبر بين قوات الاحزاب الاخرى يمكن ان تشكل الارضية لأي تغيير على رغم تأكيدات المجلس وقيادة الفيلق على رفض تكرار دور تحالف الشمال في افغانستان، اضافة الى ما لرئيس المجلس من امتداد بين عشائر العراق، خصوصاً في الجنوب، تعود جذوره الى مرجعية والده آية الله السيد محسن الحكيم. من هنا يمكن قراءة المشهد العراقي الذي استضافته طهران قبل اجتماع لندن، والذي تمحور حول الحكيم مع تنويع ايراني كان لا بد منه، شكل اعترافاً واضحاً بالدور الايراني الفاعل والاساس في أي تغيير قد يشهده العراق. فالأجواء التي شهدتها طهران أثناء زيارة رئيس المؤتمر الوطني العراقي احمد الجلبي وزعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود بارزاني قبيل اجتماع لندن والتصريحات التي أدليا بها عبرت في شكل واضح عن المفردات التي ستكون عليها التركيبة العراقية ومواقف الدولة الجديدة من ازمة الشرق الاوسط والقضية الفلسطينية، اذ حملت كلاماً اميركياً بحروف عربية ولكنة كردية، خصوصاً عندما أكد الجلبي ان زيارته لطهران جاءت تلبية لدعوة الحكيم، للبحث في آخر مستجدات الوضع العراقي ومستقبله السياسي وطبيعة الحكم والدولة بعد رحيل صدام والنظام البعثي. وحمل العنوان الرئيسي الذي طرحه الجلبي القريب من الادارة الاميركية، ومن دون ان يغيب عن ذهنه انه يتحدث من طهران، قراءة المعارضة العراقية، او المطلوب منها في المرحلة المقبلة، فتحدث عن آفاق العلاقات العراقية المستقبلية مع دول الجوار، مؤكداً انها ستكون على مستوى عال من التنسيق والتعاون، خصوصاً مع ايران الجارة الأكثر قرباً من تركيبة العراق الداخلية. أما النقطة الاهم في كلامه فهي الموقف من القضية الفلسطينية وأزمة الشرق الاوسط، عندما دعا الى تطبيق قراري الاممالمتحدة 242 و338، وأيد انشاء دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيلية لحل ازمة الشرق الاوسط واحلال السلام الدائم، خصوصاً ان هذا المشروع يحظى باجماع عربي، لافتاً الى ان العراق لن يكون اكثر فلسطينية من الفلسطينيين. وتنبع اهمية هذا الكلام من انه جاء من العاصمة الايرانية التي طالما اكدت معارضتها أي سلام لا يعترف بسيادة الشعب الفلسطيني على كامل ارضه وازالة الكيان الصهيوني، وهو الاتجاه الذي يمثله مرشد الثورة علي خامنئي، فيما صدرت مواقف أكثر ليونة عن الخارجية الايرانية تؤكد عدم معارضة طهران أي اتفاق يتوصل اليه الفلسطينيون حتى ولو كان يتعارض مع الموقف الايراني وتوجهاته. ويحمل كلام الجلبي جرأة لم تتوافر حتى لممثلي الاتحاد الاوروبي او وزير الخارجية البريطاني جاك سترو في الزيارات المتكررة الى ايران. اما اجواء بارزاني فكانت اكثر تركيزاً على الوضع في العراق ومستقبله السياسي والدور الايراني في هذا الاطار. وبعد استبعاد اقامة حكومة عسكرية في العراق، ارتفعت وتيرة الحديث عن فيديرالية تضم ولايات متعددة في اطار حكومة مركزية، ما يعني ان طهران ضمنت عدم استبعاد حلفائها من التركيبة المقبلة. وعليه آتت البراغماتية الايرانية ثماراً ايجابية، بعدما التقت مع التوجه الأميركي بعدم استبعاد جناح المجلس الاعلى من اجتماعات المعارضة، وبالتالي فتح ذلك الباب واسعاً امام حضور ايران في مؤتمر لندن كطرف فاعل ومؤثر تحت رعاية الولاياتالمتحدة، وفي اطار ايراني واضح للحفاظ على المصالح القومية والوطنية، من دون اكتراث كبير بمواقف الدول العربية المعارضة للهجوم على العراق.