يتجاور شعار "الأردن أولاً" والنفي المتكرر في تصريحات المسؤولين الأردنيين الذين وجدوا أنفسهم في الأشهر الماضية مضطرين لمواجهة كم هائل من التقارير الصحافية الغربية التي تناولت الدور السياسي واللوجستي والجغرافي للأردن في الحرب الأميركية المحتملة على العراق. ورأى محللون ان اصرار الحكومة على النفي المتواصل للأنباء المتعلقة بالمشاركة الأردنية في الحرب، له ما يبرره لجهة امتصاص غضب الشارع والمعارضة السياسية، وتأجيل مجابهتهما الى مرحلة تسبق ساعة الصفر بقليل، مع تحضير الرأي العام للأسوأ بالتركيز على شعار "الأردن أولاً". هذا الشعار يعني ان الأردن سيعمل كل ما في امكانه للدفاع عن مصالحه وحماية حدوده، والانحياز في نهاية المطاف الى الولاياتالمتحدة التي يرتبط معها بعلاقة استراتيجية، تؤمّن له وضعاً آمناً واقتصاداً قادراً على التماسك في مرحلة انقطاع امدادات النفط العراقي. واعتبر مراقبون أن نفي الأخبار المتعلقة بالتعاون العسكري مع الولاياتالمتحدة، وبالدور الأردني في فترة ما بعد الرئيس صدام حسين، تكتيك سليم يجد تفهماً أميركياً حتى لدى الأوساط اليمينية في البيت الأبيض التي تعي جيداً ان الأردن حليف مهم لواشنطن من خارج حلف الأطلسي، وأن ظروفه الداخلية والاقليمية تملي عليه عدم استباق الأمور قبل اندلاع الحرب. في المقابل، اعتبر مسؤولون ان "النفي المتواصل لكثير من التسريبات الصحافية في الشأن العراقي يستقيم مع واقع الحال، إذ أن الولاياتالمتحدة لم تطلب من الأردن أن يكون جزءاً من الحرب المقبلة التي لا يستطيع في الوقت ذاته الوقوف ضدها". وزادوا ان هذا "الموقف يترك مساحة واسعة للتحرك سياسياً مع الدول العربية، لتجنيب العراق الضربة وتجنيب الأردن تبعاتها السياسية والاقتصادية والانسانية". ولم تجد عمان قبل أيام قليلة وسيلة أفضل من نفي خبر أوردته صحيفة "نيوز داي" الأميركية، عن "صفقة سرية" توصل اليها الأردن مع الولاياتالمتحدة، تقضي بالسماح لواشنطن باستخدام الصحراء الشرقيةالأردنية في عملياتها المحتملة ضد بغداد، في مقابل تعويض الأردن عن النفط العراقي، ما وصفه وزير الإعلام الأردني محمد العدوان بأنه "محض تشويش" على موقف بلاده. الى ذلك، أوضح المسؤولون ان شعار "الأردن أولاً" يتصل بمضامين "تمس مباشرة مصالح الأردن التي سيتم الانحياز اليها، وفي مقدمها أمنه الداخلي ووضعه الاقتصادي، وحدوده ككيان سياسي ناجز في المنطقة، وهذه اعتبارات لا يمكن تجاهلها أو التضحية بها بسهولة". وكان وزير الخارجية مروان المعشر أشار في حديث الى "الحياة" نشرته أول من أمس الى أن "الأردن خدم المنطقة، عندما ساهم في اقناع العراق بقبول عودة مفتشي أسلحة الدمار الشامل". وزاد: "إذا تطورت الأمور باتجاه ضربة عسكرية، سننطلق من شعار الأردن أولاً الذي يحمي مصالحنا". ولاحظ محللون ان الخيارات الأردنية في التعاطي مع الشأن العراقي لم تعد مثلما كانت عام 1990، عندما دفعت عمان كلفة باهظة لانحيازها الى بغداد. واعتبر المحلل الأردني جمال طاهات ان "الأردن أمام خيارين ليس ثالثهما الوقوف مع صدام. فإما ان يقف مع الولاياتالمتحدة، ويقلل خسائره الى الحد الأدنى، واما السعي في شكل جدي الى نزع فتيل الأزمة العراقية - الأميركية". ورأى ان "الدور الأردني في هذا الصعيد لا يجب النظر اليه من ناحية الامكانات، وانما من ناحية الوظيفة التي يمكن أن يؤديها، على أن يبقى حتى اللحظة الأخيرة متمسكاً بحل غير عسكري للصراع" وراء حدوده الشرقية.