ان كل من وعى تجربة الحكم في العراق في ظل حزب البعث عموماً، وعند استلام صدام السلطة خصوصاً، يدرك ان مبدأ "إرهاب الدولة" أخذ يصعّد من وتائر ضرباته واغتيالاته لمعارضيه من رموز وطنية تعارض، بكل طاقتها، خط سير النظام العراقي، لا سيما في مجال مصادرة حقوق الانسان العراقي واتباع سياسة البطش والتنكيل بكل من يتخذ موقفاً معارضاً للنظام. ومن أبرز الرموز الوطنية العراقية المعارضة: الشيخ طالب السهيل وآية الله السيد مهدي الحكيم، وكانا من اهداف "ماكينة" الاغتيال من نظام صدام. فقد اغتال الشيخ طالب السهيل، في بيروت، المقدم عماد الجبوري، الملقب "ابو محمد"، وهو أحد ضباط الاستخبارات العراقية العاملين في سفارة النظام. وقد اعتقلته السلطات اللبنانية، وطردته من لبنان. وفور عودته الى بغداد تمّت تصفيته في وضح النهار، أمام الناس، في الباب الشرقي في بغداد، حيث قتل برصاص الاستخبارات العراقية التي اعتبرته عبئاً عليها. وهذا هو المصير المحتوم لكل عملاء الاستخبارات الذين يتساقطون مثل أوراق الخريف بعد انتهاء مهماتهم. كما اغتيل آية الله السيد مهدي الحكيم، في السودان، أثناء تلبيته لدعوة من حسن الترابي، وكان الجناة من أزلام النظام في السفارة العراقية في الخرطوم. والشيخ طالب السهيل هو أحد مشايخ عشيرة بني تميم، وهي وصفت بأنها كثير عددها شديد بأسها. وكان لهذه العشيرة ثقل سياسي كبير ومؤثر، منذ ايام العهد الملكي. فكان منهم نواب، في البرلمان، عن منطقة الكاظمية، واعضاء في مجلس الأعيان. وقد كان لي الشرف ان أكون مستشاراً قانونياً للشيخ طالب السهيل الذي كان يعمد، في معظم قراراته، على مشورة ذوي الاختصاص. و كان لقائي به آخر مرة في لندن، في مجلس الشريف علي بن الحسين، قبل أيام من اغتياله. وكان الرجل صادقاً واضحاً وصريحاً في أفكاره. وعلى رغم ارتباط عائلته بالنظام الملكي، وتأييد عشيرته المطلق للملك الراحل فيصل الأول، الا انه قال بوضوح ان المملكة لا يمكن ان تعود الى العراق، إلا عن طريق حزب سياسي يمهد الطريق لها، بعد اثبات قناعة وخيار الشعب العراقي. وكنت، في تلك الجلسة الحميمة، ألمح بعينيه بريق الأمل والاصرار على تغيير النظام. ولا أخفي سراً إن قلت أنني، في تلك الجلسة العائلية مع هذا الانسان المفعم رجولة وشهامة ونبلاً، رأيت مناضلاً يخطو بحزم في طريق الشهادة من أجل وطنه العراقي، ومن أجل شعبه. وأفضى لي الشهيد، حينها، بأن الملك حسين نصحه، في آخر لقاء له معه، بأن يغادر الأردن، حفاظاً على سلامته التي باتت عبئاً كبيراً على الحكومة الهاشمية. وقد أسفت، بداخلي، أشد الأسف ان لا يتمكن الأردن الشقيق من تأمين حماية هذا الرجل النبيل الذي كان همه الأكبر، وشغله الشاغل، إزالة هذا الكابوس الجاثم على صدر العراق منذ ثلاثة عقود، وايجاد البديل الديموقراطي الذي يؤمن للعراقيين حياة حرّة كريمة. لقد ضحّى الشهيد طالب السهيل وعانى كثيراً وتغرّب، ودفع حياته ثمناً لهذا الهدف النبيل. لندن - خالد عيسى طه مستشار قانوني