باريس، برلين، مدريد، كوبنهاغن، مونتريال - "الحياة"، أ ف ب، رويترز - رفض الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمس الأعمال العسكرية الوقائية والتدخل لتغيير الأنظمة، لأنها "تبدأ ولا نعرف أين تتوقف"، وقال ان العمل العسكري ضد العراق ممكن إذا ثبت ان النظام العراقي خطر على محيطه وإذا تبنى مجلس الأمن قراراً بذلك، لكنه أشار الى انه يسمع عن أدلة حول خطورة هذا النظام وانما لم يرها، وهذا "لا يعني انها غير موجودة". وجددت المانياوكندا أمس موقفهما الرافض للتحالف مع الولاياتالمتحدة في توجيه ضربة عسكرية للعراق، فيما اعتبرت اسبانيا انه يجب استنفاد كل وسائل الضغط الديبلوماسي ضد العراق قبل استخدام القوة ضده. وأعلنت الدنمارك، التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، الى الابقاء على الحد الأقصى من الضغوط على الرئيس العراقي صدام حسين. وانتقد شيراك، في مقابلة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" أمس الأعمال العسكرية الوقائية المنفردة وتساءل "ماذا اذا قررت الصين القيام بعمل وقائي ضد تايوان باعتبارها تهديداً لها؟ ماذا ستكون رد فعل الأميركيين والأوروبيين؟ وإذا اعتمدت الهند عملاً وقائياً ضد باكستان أو العكس، أو روسيا ضد الشيشان؟". واعتبر ان نظرية الوقاية التي تعتمدها ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش منذ 11 أيلول سبتمبر الماضي "شديدة الخطورة" ويمكن أن تؤدي الى "نتائج دراماتيكية"، وان اللجوء الى العمل الوقائي "ممكن إذا بدا ضرورياً" شرط أن يتم من خلال المجتمع الممثل بمجلس الأمن. وقال شيراك "لست في حاجة الى القول انني ادين النظام العراقي لمختلف الأسباب التي نعرفها"، سواء بالنسبة الى المخاطر التي يمثلها على صعيد محيطه الاقليمي أو بالنسبة الى المآسي التي يسببها للشعب العراقي"، وانه يتمنى قيام نظام عراقي "ديموقراطي وانساني وحريص على العلاقات الجيدة مع الدول المجاورة". لكنه أضاف: "ثمة أحاديث مستمرة عن أدلة ضده العراق، لكنني لم أر هذه الأدلة، فأنا اسمع عنها لكنها ليست لدي"، موضحاً ان هذا لا يعني ان الأدلة "غير موجودة، لكنني لم أرها". وعبر عن رفضه التام للأحادية في العالم المعاصر وأكد ان هذا العالم ينبغي ان يكون "متجانساً" وانه إذا كان "لا بد من عمل عسكري فإنه ينبغي أن يتم بناء لقرار من مجلس الأمن، وان المجلس قرر إزالة أسلحة الدمار الشامل من العراق و"لم يقرر تغيير النظام العراقي". ومضى يقول اذا كان الهدف منع العراق من حيازة أسلحة دمار شامل، فعندها ينبغي مواصلة عمل الأممالمتحدة لفرض عودة المفتشين الدوليين بلا قيد أو شرط، وإذا وافق الجانب العراقي على ذلك سيكون جيداً. وعما إذا كان يعتقد بأن الرئيس صدام حسين يدعم الارهاب الدولي، قال شيراك انه حتى الآن لم تعثر ولم تكشف رسمياً أدلة عن "علاقة بين العراق والارهاب الدولي وتحديداً تنظيم القاعدة". ورفض شيراك القول ان أوروبا تشهد انقساماً بين محورين، يضم الأول الرئيس جورج بوش ورئيس الحكومة البريطاني توني بلير، والثاني يضمه الى المستشار الألماني غيرهارد شرودر. وقال ان الاتحاد الأوروبي اتخذ موقفاً واضحاً ضد أي عمل احادي، وانطلاقاً من ذلك يمكن لكل دولة أن تحدد موقفها. وأشار الى انه تحدث مع بلير قبل توجه الأخير الى الولاياتالمتحدة، وانهما عرضا إمكان تبني مجلس الأمن قراراً عن عودة المفتشين، مضيفاً انه في حال تعذر هذه العودة فلا بد من قرار ثاني لتحديد ما إذا كان ينبغي التدخل أم لا، وان فرنسا ستحدد موقفها بناء على هذا القرار الثاني. وذكر ان قرار مجلس الأمن عن عودة المفتشين الى العراق سينص على مهلة زمنية محددة، وأن هذه المهلة ستكون قصيرة وتراوح مدتها بين اسبوع أو اثنين أو ثلاثة. وعن تصريح نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني عن ان عودة المفتشين عديمة الأهمية، قال شيراك: "ان ما يقوله تشيني لا يهمني وانما ما يقوله بوش يهمني لأنني اسمع من السيد تشيني والسيد باول أقوالاً مختلفة". وعما إذا كانت فرنسا والعالم قادرين على التعايش مع صدام حسين، قال شيراك انه لم ير الرئيس العراقي منذ سنة 1975، وان كليهما تغير، وان الموضوع الأساسي هو ما إذا كان صدام حسين ونظامه خطرين على الخارج، وعندها ينبغي التحرك، ولكن قبل ذلك ينبغي التحقق من خطورته. وأضاف، إذا تبين انه ليس خطراً فعندها تصبح مشكلة العراق "وليست مشكلتنا"، لأن "توني بلير يقول لي الشيء نفسه عن موغابي في زيمبابوي وإذا بدأ كل منا بالقول انه لا يقبل هذا وذاك ستجد نصف دول العالم يقاتل ضد النصف الآخر". وأكد ان التدخل من أجل تغيير الأنظمة السياسية يمثل نهجاً "شديد الخطورة لأنه يبدأ ولا نعرف أين يتوقف". شرودر وحدد شرودر أمس موقف بلاده وقال ان المانيا لن تتبع الولاياتالمتحدة في الحرب ضد العراق، لكنه نفى أن معارضته للعمل العسكري تتسبب في توتر العلاقات مع واشنطن. وقال شرودر في مؤتمر صحافي في برلين ان جوهر الصداقة يسمح بمناقشة كل الأمور "لا أن يذكر طرف رغبته في شيء وأن يوافقه الطرف الآخر". وفي مناظرة تلفزيونية جرت أول من أمس بين شرودر ومنافسه المحافظ ادموند شتويبر الذي أكد ان "المانيا تحت قيادتي لن تشارك في أي تدخل عسكري". وفي مدريد، اعتبرت وزيرة الخارجية الاسبانية آنا بالاسيو أمس انه يجب "استنفاد كل وسائل الضغط الديبلوماسي" في النزاع القائم بين المجتمع الدولي والعراق في شأن مسألة نزع اسلحته. وأضافت في حديث لتلفزيون "تيليتشينكو" الاسباني، "لكن اذا اردنا ان تكون الاممالمتحدة فاعلة، فلا بد من العمل على فرض احترام قراراتها". وقالت الوزيرة الاسبانية التي ستتوجه الى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة "ان الحكومة الاسبانية لا تشاطر الحكومة الالمانية موقفها بعدم استخدام القوة في اي حال من الاحوال ضد العراق ... من الواضح ان هناك مؤشرات تؤكد رغبة العراق في انتاج السلاح النووي وهذه العملية تتقدم بسرعة". الاتحاد الأوروبي الى ذلك، دعا رئيس الوزراء الدنماركي اندرس فوغ راسموسن الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الاوروبي، أمس الى "الابقاء على الحد الاقصى من الضغوط على صدام حسين والنظام العراقي". وحض رئيس الوزراء الدنماركي "الاسرة الدولية على الاتحاد لدفع العراق الى الموافقة على عودة المفتشين الدوليين لنزع الاسلحة" الى هذا البلد. وقال: "يجب ان يتمكن المفتشون الدوليون من القيام بأعمال التفتيش بحرية تامة لتحديد ما لدى صدام حسين من قدرات على انتاج اسلحة دمار شامل". وأضاف ان "صدام حسين يشكل تهديداً للمنطقة، لكنه من الواضح، وهذه وجهة نظر الدنمارك والاتحاد الاوروبي، ان اي عمل سيحصل، واتحدث اليوم عن مسألة افتراضية، يجب ان يتفق مع القانون الدولي". لكن رئيس الوزراء الدنماركي رفض كشف ما اذا كان اطلع على أدلة تثبت وجود هذه الاسلحة حاليا، وقال انه "بنى رأيه على الخبرة التي تملكها الاسرة الدولية، اي ان صدام حسين استخدم مثل هذه الاسلحة في حروب ضد ايران وداخل بلاده بالذات اثناء تمرد الاكراد العراقيين". وفي مونتريال، أعلن نائب رئيس الوزراء الكندي جون مانلي في مقابلة بثها تلفزيون "كي تي في" الاحد ان كندا لن تشارك في عمل عسكري ضد العراق اذا اقتصر على اطاحة الرئيس العراقي.