الجبير: الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر تعزز الاستفادة منه كوجهة ترفيهية ومورد اقتصادي    جولة في قطار الرياض    «الداخلية» تشارك في المعرض المصاحب لأعمال مؤتمر الزكاة والضريبة والجمارك    أمير حائل يدشن النسخة الأولى من مؤتمر البطاطس    لجنة المراقبة تجتمع الجمعة.. واشنطن تشدد على تثبيت هدنة لبنان    دوري ابطال آسيا 2: التعاون يعود من أرض القوة الجوية بهدف نظيف    دوري روشن: كلاسيكو مشتعل بين الاتحاد والنصر والهلال في اختبار الرائد    "DAZN" تحصل على حقوق بث كأس العالم للأندية 2025    الجبير يلتقي المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة    اختتام ملتقى جودة الحياة الجامعية والمهنية لذوي الإعاقة بجامعة الأميرة نورة    24 جائزة ذهبية وفضية لتعليم جازان    خدمات متكاملة لذوي الإعاقة    الرئيس الفرنسي يغادر المملكة من العُلا    في ختام زيارته للمملكة.. الرئيس الفرنسي يغادر العلا    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان "اللحمة الوطنية أعظم معروف"    تسجيل السمسمية في «اليونسكو»    بلينكن: على أوكرانيا إشراك شبان في القتال ضد روسيا    الهيئة الملكية لمحافظة العُلا تحتفي بولادة ثلاثة توائم من هراميس للنمر العربي    المملكة توزع 1.404 قسائم شرائية في عدة مناطق لبنانية    توقعات الأسهم لشهر ديسمبر تتأثر بمزيج من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية    تشيلسي تجاوز التوقعات لكن ماريسكا يريد المزيد    الرئيس الفرنسي يزور حي الطريف التاريخي في الدرعية    تدشين المرحلة الثانية من المساعدات السعودية إلى لبنان    تركي بن محمد يزور محمية الملك خالد الملكية.. ويدشن عددًا من المشروعات    المديرية العامة للجوازات تصدر 20,996 قرارًا إداريًا بحق مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    المؤتمر الدولي لمدن التعلم 2024 في الجبيل الصناعية يستعرض التحديات والفرص في التعليم المستدام والعمل المناخي    معركة حماة.. الجيش السوري يجبر «المسلحين» على التراجع 20 كم    إيقاف مواطن بتهمة الاحتيال والاستيلاء على أموال قيمتها 69 مليون ريال وعددٍ من العقارات    استشهاد فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة    ولي العهد يطلق الإستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر    التمويل الأخضر في صدارة مؤتمر الأطراف كوب 16    «ميتا» تعترف: وقعنا في خطأ «حذف المحتوى»    .. ويطلع على خطط «تنامي»    أمير القصيم يتفقد النبهانية ويلتقي الأهالي    الرئيس الكازاخي: «أمن المياه» مرتكز أساسي للتنمية المستدامة    أمير جازان يدشّن مبادرة «اللحمة الوطنية دين ومسؤولية»    أرشيف هيئة "مدن" من التقليدية إلى مركز محفوظات عالمي    أمير الشرقية يطلع على خطط السيول في حفر الباطن    ولي العهد يلتقي عدداً من رؤساء الدول والحكومات على هامش «قمة المياه»    مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف يستقبل طلاب البحرين    تحت رعاية خادم الحرمين.. هيئة التخصصات الصحية تحتفي بأكثر من 13 ألف خريج وخريجة الأحد المقبل    في دوري أبطال الخليج الاتفاق والعربي.. «كلاكيت ثاني مرة»    حتى الذكاء الإصطناعي لم ينجُ    «واتساب» يودع بعض هواتف الآيفون في مايو    الرميان: «PIF» سيوطّن صناعات «المتجددة».. وينتج الهيدروجين النظيف    ولي العهد يفتتح قمة المياه الواحدة المنعقدة بالرياض    5 أعراض شائعة لمرض «كرون»    إجهاد العمل والدراسة والمسؤولية خطرٌ يهدد صحتك    «مجمع إرادة» يحذّر: بعض المضادات الحيوية لها تأثيرات نفسية    السُمنة لدي الأطفال    الإنترنت فائق السرعة يزيد السمنة    «الشؤون الإسلامية»: مقطع استغلال منارة جامع خالد بن الوليد بالرياض قديم    اختفاء التنوع الثقافي    فيلم «أنمي» يستجلب الواقع    آل جارالله يودّع حياة العزوبية    دغريري إلى ال 13 بأمانة جازان    الفن والطيران.. رحلة الإبداع والتحليق..!    الكلية التقنية تكرم فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بجازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يشارك الجمهور في صناعة اللوحة ؟ "ما بعد الحداثة" كما يرسمها الأميركي روشنبرغ
نشر في الحياة يوم 06 - 08 - 2002

ظاهرة جديدة تطرق عروض المتاحف التقليدية وهي انفتاحها على التجارب المعاصرة. فبعد معرض موندريان في "متحف أورسي"، ها هو "متحف ميول" - يستقبل أعمال السنوات العشر الأخيرة من تجربة أكبر رموز "ما بعد الحداثة" الأميركية وهو روبرت روشنبرغ حتى نهاية تشرين الأول أوكتوبر المقبل.
هو من مواليد 1925 تكساس، درس التصوير في "أكاديمية جوليان" في باريس، ناهيك باحتكاكه بالفرنسي مارسيل دوشان المهاجر الى نيويورك في الخمسينات متأثراً بأفكاره الثورية عن اعادة استخدام العناصر الاستهلاكية، واستخراج بعدها العبثي والميتافيزيقي. لذلك يعتبر روشنبرغ من مؤسسي تيار "البوب آرت" بعد عبوره تيار "الدادائية المحدثة. بل ويعتبر اليوم أهم فنان أميركي من الأحياء.
اشتهر محلياً بدءاً من العام 1953 عندما عرض صورة أحد رموز التعبيرية التجريدية في حينه وهو وليام كوونينغ، بعد اعادة محو أجزاء كبيرة منها، وبدت آثار الممحاة وكأنها مادة ابداعية أخرى تستحوذ على الرسم المعالج. وتحول لون المحو أو المحق الضوئي الأبيض مع الأيام الى واحدة من الخصائص المميزة لأرضية ملصقاته الفوتوغرافية.
واشتهر في أوروبا مع حصوله على الجائزة الكبرى في "بينالي فينيسيا" عام 1964. وعُرف بأصالة توليفه بين أنواع التعبير من تصوير الى حفر طباعة ونحت، وبين أنواع المواد من ملصقات من الوثائق الطباعية و"الفوتوغرافية" الى تعشيق الأخشاب والمواد المعدنية، معتمداً على المصادفة في الصور الاستهلاكية والصناعية اليومية. لذلك تعتبر تجربته كبرزخ متوسط بين الفن والحياة. وتشير المعروضات الى قدرته على اعادة تخييل المواد الاستهلاكية مثل الحقائب والأدوات الزراعية بطريقة دادائية محدثة في غاية العبث والإحكام في آن.
لكن المعرض تمحور حول اثني عشر عملاً من الملصقات الفوتوغرافية، وهي في الأساس صور من أسفاره الأخيرة، تحولت الى شظايا من الطباعة الحريرية السيريغرافي على سطح معدني ملوّن. وهي من المقتنيات الأخيرة "لمتحف وتني": نيويورك للفن الأميركي. عبارة عن 52 شريحة متوحدة الارتفاع قياس ثلاثة أمتار ولكنها غير ثابتة الامتداد عرضاً.
انتخب اثنا عشر شخصاً من الحاضرين في أمسية الافتتاح ووزعت عليهم مصفرات من هذه الوحدات الملصقة، من أجل أن يُرتب كل واحد منهم شرائحها من صيغة عفوية ومن دون أية رقابة عقلية أو جدل ذهني. وهكذا كانت المجموعات ثمرة شراكة متوازنة بين شخصية المبدع والجمهور بما يضمن عدم تكرار صيغة الملصقات في كل معرض.
ذروة المخاطرة
يصل روشنبرغ في هذا الطقس "الدادائي" الى "البرفورمانس" وذروة المخاطرة في تعويم التجربة الذاتية الى شراكة ابداعية جماعية. وتتناغم هذه الطريقة في الأداء مع صيرورة "التداعي" في مخزون صور "اللاوعي الجمعي" مع الحفاظ على المبادرة الأنوية في تفجيرها، انه التوازن الذي تبشّر به تجربة روشنبرغ بين المصادفة العبثية والنواظم الباطنة في ابداعات "ما بعد الحداثة"، هو ما يفسّر عنوان المجموعة النخبوي: "قران الصبغيات الجينية".
تبدو الصورة المعلقة في الفراغ العدمي الأبيض طازجة حرة، يتعامل مع طبيعتها البصرية على أساس تجريدي، وكأنها بقع انفعالية كما هي في "التعبيرية التجريدية" فيبدو عملاً غير منتهٍ، لأنه بحسب ما يصرّح: يرتبط تلفيق انهاء العمل الفني بوهم ضرورة فهمه، "كالأعمى الذي يبحث عن دلالة الصور التي لا يراها أصلاً. فالفن الأصلي هو الذي يعصي على الفهم". لذلك فهو يستخدم آلية التداعي الصوري التي بشّر بها أندريه بروتون عندما نظر للحركة السوريالية. ويستعيد روشنبرغ هذه العقيدة البسيكولوجية في بعدها العبثي الأشد صدفوية، تماماً مثل السؤال الذي طرحه مارسيل دوشان عن حدود الوحدة والانفصام في العناصر المجهزة أو المستهلكة، والحدود بين "الفوضى" و"الشعث" الذي يضمر نواظمه الحدسية الباطنة، والتي لا يمكن تحسسها الا بالتدرب على حدود الانشطار والتجمع في ملصقات أو تعشيقات "الدادائية المحدثة". انه التيار الذي ساعد روشنبرغ على الوصول الى "البوب الأميركي"، بما يشتمل عليه من الاستهانة المتدرجة بالقراءة العقلية لنسق الوحدة في المنتج التشكيلي.
وبرزت أهمية هذا الفنان منذ فترة قريبة بمشاركته في مركز المعرض "البانورامي" الذي أقامه "مركز بومبيدو" عن تأريخ "البوب الأميركي" قبل أشهر. واستقبلت باريس معرض روبرت روشنبرغ باحتفاء استثنائي يناسب دوره الأصيل في اتجاهات "ما بعد الحداثة" الأميركية والأوروبية. ولعل أبلغ ما يعكس حسن استقباله هو الانتشار المذهل للإعلان المثير في واجهات المقاهي وصالات العرض وسواها بطريقة طوعية، رفدت حضوره الإعلامي في أروقة المترو والساحات علاوة على المجلات والصحف والفضائيات.
ولعلّ من الضروري الاعتراف ان الإعلان كان فرصة "جماهيرية" للعبور الى عالمه التصويري الملغز، والذي لا يخلو من صعوبة خارج اطار النخبة. وهو ما حرّض الفضول لزيارة معرضه. وتمّ اختيار شريحتين من صور المعرض من الملصقات التوثيقية في طريقة بالغة الإثارة والدهشة وبخاصة الحميمية منها.
وبدت العناصر الملصقة: صورة البرميل والتمثال والديك والبيت الطيني المصوّر من احدى مدن العالم الثالث ثم الرياضي الموشوم من الخلف بالعلم الأميركي... انه القرار الحاسم ربما الذي يميز ملصقات روشنبرغ لئلا لا تقبل أي إزاحة أو تعديل، ولا أي تراكب أو تقاطع، على رغم امكانية احتمالاتها التي تقترحها "آلية التداعي" في شقيه الجمعي والذاتي الأنوي.
يعتبر المعرض واحداً من الفرص النادرة التي تجاوزت الهوة التي رمتها تيارات "ما بعد الحداثة" مع المتلقي العادي، هوة تبلغ في مساحة سياقها التاريخي أكثر من نصف قرن، وانتقلت فيها مختبرات أو محترفات الريادة من "مونوبول" باريس الى نيويورك، مرتبطة بانعطافات سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتغيير مواقع الفنانين كما هي حال مارسيل دوشان وهجرته مع أمثاله من باريس الى نيويورك أرنست وجياكوميتي وهارتونغ ودوبوفي الى آخر العقد، وكما هي حال ألعاب الورق واليانصيب في ملصقات روشنبرغ المذكورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.