لا ندري، هل نفرح ام نأسف لمغادرة المفكر محمد الرميحي المجلس الوطني للثقافة والفنون في الكويت؟ سنفرح طبعاً لأن الرميحي سيتفرغ اكثر فأكثر للكتابة وسيزيد من اطلالاته كاتباً وباحثاً، على القراء الذين دأبوا على متابعته في اكثر من منبر عربي! ولكن سنأسف ايضاً لتركه منصبه اميناً عاماً للمجلس الذي شهد خلال عهده حالاً من التجدد والتقدم والانفتاح، على رغم الصعاب التي واجهها في مرحلة هي من اصعب المراحل العربية سياسياً واجتماعياً. منذ ان حل محمد الرميحي في منصب الامانة العامة للمجلس سعى الى احياء هذا المجلس بعد النكسة التي اصابته من جراء غزو الكويت، ووضع له اهدافاً جديدة انطلاقاً من ثوابته. وأحدث تغييراً في طبيعة المنشورات التي تصدر عنه، شكلاً ومضموناً، محاولاً تحديثها وفتح صفحاتها امام الاسئلة التي يطرحها العصر، بجرأة وعمق. وكان لا بد من ان يواجه محمد الرميحي بعض العثرات وفي مقدمها المحظور الفكري والسياسي، لكنه عرف كيف يجتاز تلك العثرات، منتصراً للانسان والابداع في الكويت والعالم العربي. ونجح الرميحي في التوفيق بين خلفيته الاكاديمية وثقافته الطليعية وموقعه الرسمي، فكان ذلك الدكتور والمثقف المنفتح والحريص كل الحرص على الامانة التي ألقيت على عاتقه. وراح يصوغ، من خلال كتاباته والاصدارات والنشاطات التي اضطلع بها المجلس، صورة اخرى للمثقف الكويتي اولاً ثم الخليجي والعربي. انها صورة المثقف الملتزم والقلق والذي يطرح الاسئلة لا ليطرحها فقط وانما ليجد لها الاجوبة الشافية. وبدا مشروع الرميحي واحداً من المشاريع النهضوية التي برزت في بعض الدول الخليجية والعربية وغايتها النقد البنّاء والنظر المتجدد في القضايا العالقة والازمات التي ارهقت وترهق الكائن العربي والمجتمع العربي. المثقفون الكويتيون سيفتقدون محمد الرميحي في ذلك المنصب الذي حرره من بيروقراطيته جاعلاً منه مركزاً ابداعياً اولاً وأخيراً. وسيفتقد المثقفون العرب الذين يزورون الكويت جلساته الجميلة في المجلس حيث كانت تدور الاحاديث والحوارات. وكم كان يبدو سعيداً في ما انجز خلال توليه منصبه، بل كم كان شغوفاً في صورة الكويت وطناً عربياً بامتياز يلتقي عبر منابرها وفي صفحات مجلاتها وكتبها المفكرون والكتّاب الذين غالباً ما تفرقهم النزاعات المختلفة، السياسية والفكرية والعقائدية. وطوال السنة التي احتفلت بها الكويت عاصمة للثقافة العربية بدا محمد الرميحي اكثر المتحمسين لهذه التظاهرة، فبذل الكثير من الجهد لانجاحها ثقافياً وإعلامياً. وكان مصيباً جداً في التخطيط المسبق للنشاطات والبرامج المتنوعة، المحلية والعربية. فالسنة الثقافية الكويتية كانت من افضل الظواهر التي شهدتها البلدان العربية، سواء في التنوع والمثابرة والحماسة والجدية ام في الانفتاح والحوار والمواقف النقدية. سيفتقد المثقفون الكويتيون والعرب محمد الرميحي كثيراً في المجلس الوطني، لكن الانجازات الكثيرة التي حققها والتي سيحققها ايضاً ستظل من الاعمال الحقيقية والأصيلة. فعندما اصدر الرميحي إبان الغزو العراقي "صوت الكويت" في لندن كانت تلك الصحيفة صوت الكويتيين في "المنفى". اما مقالاته التي واظب على كتابتها في "العربي" خلال ترؤسه تحريرها فكانت حافلة بالمواقف النقدية والمقاربات السياسية والاجتماعية. وكذلك افتتاحياته الشهرية في المجلات التي كان وراء اصدارها في المجلس. علاوة طبعاً على كتبه الكثيرة التي تناول فيها، برصانة الباحث الاكاديمي ومراس الكاتب الدؤوب، قضايا كويتية وخليجية وعربية. وكتابه الشهير "الخليج ليس نفطاً" ما برح من المراجع المهمة في ميدانه التنموي والسوسيولوجي. الخوف الآن ان يصبح المجلس الوطني بعد محمد الرميحي مجرد ادارة رسمية على غرار بعض المديريات الثقافية في العالم العربي. والخوف كل الخوف، ان تسيطر عليه ظاهرة البيروقراطية فتعيق عمله النهضوي ورسالته الثقافية. ترى اي صورة سيأخذ المجلس الوطني للثقافة في الكويت في مرحلة ما بعد محمد الرميحي؟ هذا السؤال لا تجيب عليه إلا الأيام المقبلة! عبده وازن