قبل نحو عام، انطلقت في دمشق فرقة "اوركسترا زرياب" بقيادة عازف الكمان العراقي رعد خلف. والفرقة التي تتألف من 13 عازفاً وعازفة على الآلات الوترية، تهدف إلى إحياء الموسيقى الشرقية القديمة، إضافة إلى بعض المقطوعات الغربية الشهيرة. ولعل هذا التنوع في برنامج الفرقة، أضفى نكهة مميزة على أوركسترا زرياب التي أكدت حضوراً لافتاً في الحفلات التي أحيتها، خصوصاً لجهة العزف على آلات وترية قديمة، كانت تستعمل قبل آلاف السنين في حضارات بابل وآشور وأوغاريت. ويعكف رعد خلف هذه الأيام على إنجاز مشروع موسيقي جديد، يتعلق بترجمة "احتفالية عشتار" وهو مقطع غزلي، تم اكتشافه في أحد الرقم الأوغاريتية، اضافة إلى "حوارية بعل وعنات" التي تعتبر اول مدونة موسيقية في التاريخ. وهذا المشروع جعل الفنان العراقي يبحث في المراجع التاريخية عن أشكال الآلات الموسيقية الموجودة في تلك الحقبة، ومن ثم إعادة تصنيعها من جديد لاستعمالها في عزف هذه المدونات. ويقول رعد خلف: "بدأت بتصنيع قيثارة سومرية، بمساعدة صانع الآلات القديمة محمد فاضل، طبقاً للمواصفات الموجودة لتلك الآلة في المتحف العراقي. وبدأنا باستنطاق هذه الآلة، واعادة إحيائها، لجعلها تواكب تطور الآلات المرافقة في اوركسترا زرياب، وهي عائلة الآلات الوترية. ثم جربنا تصنيع آلة "الجوزة"، وهي آلة تقع في تطورها بين الربابة و الكمان، وتشبه في شكلها البزق، و أحضرنا آلة "السنطور"، وهي من مرحلة ما قبل آلة القانون". وفي المرحلة الثانية اتجه خلف إلى إحياء الآلات الإيقاعية القديمة، مثل الطبل والنقارة، وأخيراً آلة ال "ابان فلوت" وهي آلة هوائية، كانت موجودة في سورية في القرن الثاني قبل الميلاد. وهذا ما تؤكده الرسومات والتماثيل المكتشفة في الحضارة الآشورية. ويضيف خلف الذي درس الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى في دمشق، أنه بصدد "إحياء الناي العاجي، هذه الآلة القديمة التي وجدت في القرن الثالث قبل الميلاد في أوغاريت، وهي أقدم آلة في التاريخ، فقد رافقت الغناء القديم في اوغاريت وحضارة بلاد ما بين النهرين". ويلفت خلف إلى أنّ الصور والمخطوطات والدراسات القديمة المتوافرة في المتحف الوطني في دمشق، ومتحف اللاذقية ومتحف بغداد، تؤكد تشابه الثقافة الموسيقية بين حضارتي سومر وأوغاريت، على رغم بُعد المسافة بينهما. ويشير إلى أنّ هناك تطابقاً حرفياً بين الحضارة الآشورية في الشمال وحضارة "ماري" في الجزيرة السورية، الأمر الذي ساعد كلا الحضارتين على تطوير المادة الموسيقية وتنوع أشكال الآلات الموسيقية.