فيصل بن بندر يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان.. الأحد المقبل    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف الشريف    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    لمحات من حروب الإسلام    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفيقه القريب في "المجلس الثوري" وعدوه بعد انشقاقه يروي ل"الحياة" قصة من كان المطلوب الرقم واحد في العالم . عاطف ابو بكر : مهاجمو الطائرة الاميركية في كراتشي تدربوا في لبنان حاول "ابو نضال" اغتيال خدام مرتين ... وتلخص من منفذ تفجيرات الكويت الحلقة السادسة
نشر في الحياة يوم 25 - 08 - 2002

في الاول من تشرين الاول اكتوبر الماضي، وفي غمرة تداعيات هجمات 11 ايلول سبتمبر. تعمّد الرئيس جورج بوش ان يعلن شخصياً ان زيد السفاريني الذي شارك في احتجاز طائرة ركاب اميركية في كراتشي في 1986 بات في ايدي القضاة الاميركيين. واضاف ان السفاريني كان لدى تنفيذ العملية عضواً في جماعة "ابو نضال" التي تتحمل مسؤولية الهجوم الذي قتل فيه 19 شخصاً بينهم اميركيان.
وكان السفاريني اعتقل في باكستان وسجن 15 عاماً لكن الإفراج عنه تم عملياً في صورة تسليم الى الاميركيين.
في حلقة اليوم يتحدث عاطف ابو بكر رفيق صبري البنا ابو نضال وعدوه عن حادث كراتشي ومحاولات لاغتيال السيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري. كما يروي رحلة التيه التي بدأت مع خروجه من ليبيا اثر الطلاق مع "ابو نضال". وهنا نص الحلقة السادسة:
ماذا بعد خروجك من ليبيا؟
- خرجت الى تونس ثم الى الجزائر. عرفت جماعة "ابو نضال" بخروجي لكنهم لم يعرفوا الى اين. اتصلت من الجزائر بشخص منهم احبه هو شوقي محمد يوسف عضو مكتب سياسي وقد خرج الآن. قلت له انا في الجزائر فقال كيف خرجت. قلت انا تركتكم فهذا لم يعد شأنكم".
المشكلة ان الزوجة لا تستطيع ان تخرج الاّ بموافقة الليبيين. قلت لشوقي ان الزوجة حجزت الى الجزائر فاخرجوها من المطار. كلّمت زوجتي بالتشيكية وطلبت منها ان تخرج معها جارتين ليبيتين وان تخرج البنت في سيارة اخرى وليكن فلان مندوب التنظيم الفلاني مع البنت، أما انت فاخرجي جمهرة معك لأنني أخشى من خطفك. نفّذي من دون نقاش.
جاءت جماعة "ابو نضال" وكانوا خططوا لخطف الزوجة والبنت على طريق المطار، لكنهم فوجئوا بوجود الناس. وصلت العائلة الى المطار فتحركوا هناك. ثلاث ساعات ولم يأت ضابط الاتصال الليبي الذي لا بد من موافقته فغادرت الطائرة الى الجزائر. وشَاهَدت زوجتي خلف أعمدة المطار مجموعة منهم كانت تعرفهم. امسكت بطاقات السفر ورمتها في وجوههم وقالت لهم: "من يريد إظهار المراجل فليُظهرها على الاسرائيليين والاميركيين وليس على زوجة وطفلة".
اعتقدوا بأنها ستعود الى البيت. أعادوا اليها مفاتيح البيت، وقالوا لها اذن تغادرين في الطائرة المقبلة. رَفضت ان تأخذ المفتاح ورَفضت ان تعود وطلبت من مندوب الفصيل الآخر الجبهة الشعبية القيادة العامة ان تذهب الى بيته فذهبت ومعها جمهرة المرافقين. أنا لم اتوجه الى مطار الجزائر لاستقبالها لأنني خشيت ان يعتبرها "ابو نضال" ساعة مناسبة لقتلي. ذهب آخرون ومعهم رجال من الامن الجزائري. أتت الطائرة ولم تصلا واخبرت بالأمر. اتصلت ببيت مندوب ذلك الفصيل فردّ عليّ بالقول ان زوجتك كانت شجاعة. طلبتُ ان أتحدث اليها وبالفعل تحدّثت معها بالتشيكية. قلت لها حاولتِ الخروج بالجواز الجزائري لكن المحاولة لم تنجح. في حوزتكِ جواز ديبلوماسي يمني جنوبي ووضعتُ لكِ عليه سابقاً تأشيرة الى تونس، استخدمي هذا الجواز وغادري الليلة الى تونس واخرجي معك عائلة ليبية. وقلت لها انني سأتصل بجماعة "ابو نضال" لاعاتبهم على هذا التأخير من دون ان ابدي امتعاضاً ثم سأطلب منهم ان يحجزوا لك بعد ثلاثة او اربعة ايام. انتبهي انني سأطمئنهم انك باقية وسأطلب منهم ان يلتقوا بك غداً ليعتذروا وليسلموك التذاكر. المهم ان تغادري الليلة.
اتصلتُ بالشخص المعني من الجماعة فشكا من عصبيتها فقلت له ان يحجزوا لها مرة ثانية وابلغته انها ستتصل به في اليوم التالي لتراه.
في الليل استقلت السيارة مع البنت وعائلة ليبية وساروا 12 ساعة حتى وصلوا الى تونس من دون علم أحد. رحلة برية طويلة. اتصلت بالشخص الذي كنت أنام في بيته لدى وصولي الى تونس فجاء واصطحبها. وجاء "ابو اياد" الى ذلك البيت وقال لها انا اشهد انك وعاطف صممتما طرقاً في الخروج بالغة الدقة. وبعدها انتقلت الى الجزائر.
لقاء في الجزائر
وجاء لاحقاً وفد من جماعة "ابو نضال" يضم عبدالرحمن عيسى وشوقي محمد يوسف وحمدان ابو عصبة المسمى عزمي حسين، وهو كان في السابق ضابط الاتصال مع الليبيين، وذلك بهدف لقاء الامن الجزائري وطلب شوقي محمد يوسف من الجزائريين ان يراني ليحاورني باسم "ابو نضال" التقينا في فيلا تابعة للامن وعلمت لاحقاً ان حوارنا قد سجّل. قال لي شوقي: "المجريون يريدون ان يعالجوا عينيك والرفيق "ابو نضال" يقول لك تفضل الى ليبيا لتذهب من هناك". أجبته: "لن اذهب الى المسلخ. فهذه وسيلة جديدة للاستدراج". قال: "كلّفني الرفيق ابو نضال بإجراء حوار مفتوح معك". أجبت: "الإشكال معه وليس مع قيادة التنظيم". قال: "من الأفضل الا تركز على اسمه حتى يقبل الآخرون الاستماع الى وجهة نظرك". فأجبت: "الآخرون كثيرون منهم ادوات. أقبل فقط بأن تُشكل لجنة من اربعة اعضاء من المكتب السياسي، اثنان من لبنان واثنان من ليبيا، وانت أحدهم. وان نتحاور أنا وإياه عبر هذه اللجنة، شرط ان ننبش ماضي الجرائم في مرحلة العراق".
قال: "انت لم تكن في تلك المرحلة". قلت: "لكنها جزء من تاريخ الجماعة… وان تنبش الجرائم في سورية ولبنان وليبيا وممتلكات الحاشية… ثم تصدر اللجنة حكمها. انا بريء من اي نقطة دم. وكثيرون منكم ابرياء لكنكم تحملون أوزار ممارساته".
حوار طويل وهو يستطيع الآن ان يتحدث لأنه خرج بعدما نجا من خطة لقتله في ليبيا.
موعد سري
من جهة أخرى، اتصلت بعبدالرحمن عيسى في الفندق وطلبت مقابلته. تخوف أن يعرف الآخرون، فاتفقنا على أن يغادر بعد الغداء ونوم الآخرين، ونلتقي خارج الفندق. التقينا فقلت له: "هل تريد أن تأكل خبزاً مغمساً بدم رفاقنا؟"، فقال: "لا". لكنه أضاف: "أنت تعرف "فتح" ولك احترام فيها. وتعرف دول أوروبا الشرقية. وأهلك موسرون". قلت: "أنا على استعداد لأن نتقاسم الرغيف. اتخذ موقفاً وأنا أرتب خروجك وعائلتك من ليبيا من دون متاعب". ورتبنا مع جهة جوازات داخل ليبيا ونقلت اغراضه من دون تعب وخرج من ليبيا كمسافر عادي براً عبر الحدود الجزائرية.
جاء عبدالرحمن عيسى إلى الجزائر وكنا وصلنا إلى نهاية الشهر العاشر، فقررنا اصدار بيان وتشكيل قيادة طوارئ ل"فتح - المجلس الثوري".
أوردنا أسباب الخلاف بالتفاصيل ثم بدأنا ندعو رفاقنا في الجماعة إلى التمرد والانسحاب، فحصلت انهيارات كبرى فيها. كنا نحصل على موازنة من "فتح"، وكان "أبو اياد" هو الجهة التي نتصل بها. أقمنا في الجزائر في منطقة اسمها "نادي الصنوبر".
الخروج إلى تونس
في تلك الفترة عانيت من أساليب غير محببة اتبعها أحد ضباط الأمن الجزائري ولا أقول الجهاز كله. الحقيقة أن الضابط رشته جماعة "أبو نضال" للتضييق علينا. شكوته لرؤسائه، لكن الرجل نجح في التضييق علينا. كان يعمل في مكتب محمد بتشين مدير الأمن العسكري، وهو بصراحة النقيب ه. ع. وقد غادر الجزائر الآن. اختلفت معه كثيراً لأنه كان في منتهى الرخص وكان مسؤولاً عن الملف الفلسطيني. واستطاع أن يحرض محمد بتشين عليّ، وكانت النتيجة أن طلب مني الخروج من البلد. قالت زوجتي - رحمها الله - لهذا الضابط إذا استمرت هذه الأساليب غير المحببة سأذهب إلى إمام مسجد القصبة لأقول له ماذا تعملون بنا. وقلت أنا لضابط كبير جداً: "أنا لا أعمل مخبراً ولست عميلاً وإذا قررت ذات يوم أن أنحني فلن أفعل ذلك للشاذلي بن جديد بل لياسر عرفات أو لجورج حبش أو لأحمد جبريل أو لنايف حواتمة، يستحيل أن أنحني لنظام عربي". قال: "إذاً أنت قررت الخروج بنفسك".
خرجتُ إلى تونس ثم خرجت أسرتي ومعها ضباط من الأمن الجزائري إلى المطار، وكانوا يبكون ويقولون لها زوجك رجل خلوق ومناضل. قال لها أحدهم: اخرج زوجك لأنه رفض أن يكون سمساراً لنا. عقلية أجهزة تريد ان تحصي انفاسك وأن تستأذنها في كل خطوة.
وماذا حدث في تونس؟
- حصل "أبو اياد" لي من جهات عليا في تونس على إذن بالإقامة. أقمت في فيلا وزودت حراسة من "الأمن الموحد". وللانصاف لم يدخر "أبو اياد" جهداً للاهتمام بي. علاقتنا شخصية وقديمة. لم أعمل معه في أي جهاز ولم يكن مسؤولاً عني يوماً، لكنه رجل شهم ووفي.
لكنك أعطيته المعلومات التي في حوزتك؟
- للتاريخ أقول أن "أبو اياد" رجل لا يسأل. لم يطلب مني كتابة أي شيء، فهو يعرفني جيداً. لم يطلب أحد مني ذلك. كنا نجلس ونتحدث عن "أبو نضال" وماذا فعل، لكنها كانت كلها دردشات. لم يدّون "أبو اياد" يوماً ما قلته. وباستطاعتك سؤال من ورثوا أرشيفه هل هناك ورقة باسمي تحمل معلومات من هذا النوع. مرة كنا نتحدث أنا و"أبو اياد" و"أبو الهول" عن "أبو نضال" وما ارتكبه. قال "أبو اياد" ل"أبو الهول": "كم ظلمنا أبو عمار، نختلف معه لكنه لم يفكر يوماً باستخدام القوة ضدنا. إنه امام ديموقراطية".
مرة أخرى كنت مع "أبو اياد" و"أبو اللطف". سألني "أبو اللطف": "هل فكّر في قتلي؟". فأجبت: "لا". سأل: "هل فكّر في قتل أبو أياد؟"، أجبت: "في السابق نعم". لم تكن العلاقة مع "أبو اياد" علاقة تابع ومتبوع. في السابق تعاونا كثيراً. أنا فتحت له أبواب براغ وتدربت هناك معظم كادرات "الأمن الموحد".
جلست في تونس. لم تكن الموازنة التي أعطتنا إياها "فتح" كافية لكنها كانت تسد الحاجات الأساسية. حصلت انهيارات في جماعة "أبو نضال" ولم يكن لدينا الكثير مما نقدمه. لم نستطع تقديم جوازات السفر والاقامات. بدأت أطراف عربية تقدم مثل هذه الخدمات. ولم أكن أعارض توجههم الى الأردن.
وقع في الفخ
عبدالرحمن عيسى بقي في الجزائر وحاولت جماعة "أبو نضال" ان تتحاور معه فوقع في الفخ. وحين اطمأن الى أن حواراً سيجري هاجمه ثلاثة أشخاص أمام منزله وحاولوا خطفه لكنه قاوم بضراوة فأطلقوا النار عليه مما أفقده إحدى كليتيه كما ضربوه بالسكاكين. اعتقل الأمن الجزائري الفاعلين لكن القضية سُويت وسُجلت ضد مجهول فقد كانت ل"أبو نضال" علاقات مع الجزائر.
بقيت في تونس وكانت شخصيات وفصائل تشيد بجهودنا لإنهاء ظاهرة "أبو نضال" الدموية. ولجأ بعض الاخوان في حركة "فتح" للأسف الى الحرتقات ووضعوا العراقيل. استمرت القصة حتى استشهاد "أبو اياد". حصل عندها ارتباك جديد، وثمة من أشاع ان التونسيين حققوا معي وهذا غير صحيح. صار وجودي في تونس متعباً ويشكل إرباكاً خصوصاً ان "أبو نضال" كان وراء اغتيال "أبو اياد". انا حتى قبل استشهاد "أبو اياد" كنت قد يئست من امكان استمرار العمل الجدي ضد "أبو نضال" بسبب مواقف بعضهم في "فتح" وقلت ل"أبو اياد" انني سأجلس في البيت. بعد استشهاده قررت أن انسحب نهائياً من تلك المسألة. هنا انتقلت الى الجزائر وعادت الأسرة الى هناك. لم يكن أمامي أي خيار على رغم تجربتي السابقة مع بعض ضباط الأمن في هذا البلد. دخلت من تونس الى الجزائر من دون علم الأمن الجزائري وأقمت في فندق لمدة أسابيع ثم اتصلت ببعض من احترمهم في الأمن العسكري لأنني لا استطيع الخروج من دون موافقة. دخلت الجزائر بجواز ليبي وكنت أريد الخروج بجواز ديبلوماسي يمني جنوبي. كان لا بد من الاتصال بمن تثق به وهم من غير قماشة الضابط الذي ذكرت والذي هرب الى أوروبا وراح يشتم معلميه على أن الجميع يعرفون حقيقته. استمرت علاقاتي الواسعة في أوروبا الشرقية فأقمت مع العائلة بضعة أشهر حتى ضقت ذرعاً. فالبنت تحتاج الى مدرسة وأنا حائر. هنا اتصلت مجدداً بالسيد ياسر عرفات للعودة الى أي مكان ممكن وكان مطروحاً آنذاك السودان واليمن والجزائر. الواقع انني طلبت ان أذهب الى بلد يلتزم الأمن فيها كلمته. قلت أريد الاعتزال نهائياً. في الحقيقة ان بين البلدان التي طلبتها مصر. لكن السرعة كانت مهمة. أول بلد طلب منه ولم يقل لا هو الجزائر. في العام 1992 ذهبت مع الأسرة الى الجزائر وأقمت فيها من دون علم أحد باستثناء مسؤول مكتب منظمة التحرير الذي لم يعرف حتى بيتي. أقمت خمس سنوات ولم التق أي مسؤول جزائري في أي جهاز أمني. أقمت هناك حتى آخر 1996 وعشت أياماً صعبة.
من الأحداث الصعبة التي عشتها وكشفت وجودي اصابة زوجتي بالسرطان ثم وفاتها في الجزائر ودفنها هناك. كان هناك ممثل للمنظمة في الدفن وجاء آخرون. هكذا كشف الوجود وكشف البيت. وكانت ظروف الجزائر صعبة.
هنا أريد أن أقول ان الصحف تناولت مرات عدة موضوع "أبو نضال" وورد اسمي. صحافيون أكدوا انني أقيم في الأردن منذ 1991. آخرون قالوا في المغرب والجزائر ومصر. تعددت الأقاويل حتى أن بعضهم قال انني سنة 1973 لجأت بمساعدة "أبو اياد" الى القاهرة وأقمت حتى 1978 بإذن من الرئيس السادات، وأنا كنت سنة 1974 ممثلاً للمنظمة في بلغراد. وقالوا ان السادات أخرجني في 1978 عندما غضب على المنظمة وانني ذهبت منذ ذلك التاريخ الى الولايات المتحدة وتزوجت هناك وأقمت. تصور مقدار الدقة! الحقيقة انني من 1971 - 1974 كنت في قيادة الشبيبة والطلبة الفلسطينيين بين بيروت والقاهرة. بين 1974 ونهاية 1976 كنت ممثلاً لمنظمة التحرير في بلغراد من 1976 حتى نهاية 1983 كنت ممثل منظمة التحرير وسفيرها في براغ. 1983 - 1984 كنت ممثلاً للمنظمة في بودابست، في أواخر 1984 انسحبت من المنظمة وذهبت الى دمشق وعملت لفترة قصيرة مع "فتح الانتفاضة" ثم عملت بين 1985 و1989 مع جماعة "أبو نضال".
هجوم كراتشي
ما هي قصة الهجوم على الطائرة الأميركية في كراتشي في 5 أيلول سبتمبر 1986 والتي أسفرت عن سقوط 19 قتيلاً و127 جريحاً؟
- كنت في القيادة في تلك الفترة، لكن "أبو نضال" لم يكن يطرح في اجتماعات المكتب السياسي هذا النوع من العمليات متذرعاً بضرورة إحاطتها بأكبر قدر من السرية وتفادياً لظهور معارضة لبعض الأهداف التي كان يختارها. في الأيام الأولى التي أعقبت عملية كراتشي علمت من مصطفى مراد "أبو نزار" نائب "أبو نضال"، وكانت علاقتهما تمر بأزمة حادة، ان العملية هذه كانت موجهة أصلاً ضد طائرة سعودية، وان الفريق المنفّذ تدرب في لبنان على مجسّمات لطائرات سعودية. ولم يستبعد "أبو نزار" ان يكون المشرف على التنفيذ سميح خضر غيّر الهدف ربما بناء على طلب "أبو نضال" نفسه. كان هدف العملية الأصلية الابتزاز المالي لكن تغيير هدفها دفعها في اتجاه آخر.
بعد أيام تصاعدت ردود الفعل وبدأنا نلمس غضباً سورياً. أذكر انني كنت و"أبو نضال" في بيت أحد رفاقنا وكنت أتحدث عن ان العمل في كراتشي يعتبر عودة الى أساليب الماضي، خصوصاً أن مخيماتنا في لبنان محاصرة. وقلت أيضاً ان الحادث سيزيد الضغوط على سورية. سألته هل صحيح ان العملية كانت موجهة أصلاً ضد طائرة سعودية؟ استشاط غضباً وراح يقول انه سيعدم فلاناً وفلاناً إذا كانا وراء إفشاء السر.
الواقع ان سميح خضر رتب شراء الأسلحة في باكستان وحصل على ملابس للشرطة الباكستانية وقدّم رشاوى الى ضباط في المطار لتسهيل مرور المنفذين. اقتحم المنفذون الطائرة الاميركية وسيطروا عليها. وقالت المعلومات داخل الجماعة ان قائد المجموعة زيد السفاريني، اعتقل في باكستان 15 عاماً ونقل الى الولايات المتحدة قبل شهور، ساهم في عدم إنجاح العملية التي كانت تهدف الى خطف الطائرة والطواف بها بين عواصم عدة. ولعل مساهمته الأولى هي ما اعتبر في الجماعة تغاضيه عن هروب قبطان الطائرة فور السيطرة عليها وعدم استخدامه الحزام الناسف وهو كان الوحيد في المجموعة الذي يحمل مثل هذا الحزام. وقد اقتحم الباكستانيون الطائرة وسقط عدد كبير من القتلى والجرحى.
أدت العملية الى ضغوط أميركية متزايدة على سورية التي لم تكن على علم بالأمر، على رغم ان المنفذين سافروا من مطار دمشق لأنهم لا يحملون أسلحة. جرت اتصالات اميركية مع دمشق عبر قنوات عدة أبرزها من الرئيس جيمي كارتر مع الرئيس حافظ الأسد انتهت بقرار سوري بإخراج الجماعة من أراضيها في آذار مارس ونيسان ابريل 1987.
ومعروف ان المشرف على عملية كراتشي سميح خضر أصبح بعدها مطلوباً على الصعيد الدولي فكان "ابو نضال" يرد ان الرجل استشهد قبل وقوع العملية. والغريب انه في عملية "سيتي اوف بوروس" وهي سفينة سياحية يونانية للنزهة البحرية والتي صعد اليها مسلحون من "المجلس الثوري" وأطلقوا النار عشوائياً على السيّاح. وقال "ابو نضال" في حضوري انه كان مخططاً "ان يدخل سميح خضر الى السفينة بسيارة مفخخة لتفجيرها كاملة لكن السيارة انفجرت في الطريق". ومنذ تلك اللحظة ساورتني شكوك في ان جزءاً من اهداف العملية كان التخلص من سميح خضر الذي انفجرت به السيارة في الطريق الى الميناء على رغم خبرته العالية. واعتقد بأنها فُجّرت به عن بعد.
وعندما طالبت "ابو نضال" بإصدار بيان نُعلن فيه ان سميح خضر استشهد، غضب لأن تحقيق الطلب يعني كشف لعبته السابقة. عندها قلت له لو أراد "الموساد" التخطيط لعملية تسيء الى شعبنا والانتفاضة لما وجد افضل من ذلك.
هل كان "ابو نضال" يقرّ احياناً بعمليات نفّذها سابقاً؟
- كانت المسائل تتكشف حتى وان انكرها فحين يعتقل شخص من الجماعة او يقتل تتسرب المعلومات. في الفترة التي كنت أعمل فيها معه كان ملف اي معتقل في الخارج يحوّل الى الدائرة السياسية التي كنت أرأسها لمتابعة قضاياه المالية والقضائية. عبر هذه الملفات تستطيع الإطلال على مسائل كثيرة مجهولة.
في احدى المرات كنت والمرحوم "ابو نزار" في مقابلة مع السيد عبدالحليم خدام، واعتقد بأن ذلك كان في 1986. خلال الجلسة ضحك خدام وقال "طوينا الماضي. لكنني اريد ان اسأل سؤالاً لاعرف الجهات التي حاولت اغتيالي مرات عدة". قلت له: "انا لم أكن في الجماعة في تلك المرحلة ولذلك "ابو نزار" قادر على الاجابة افضل مني". قال "ابو نزار: "جرت محاولات ثلاث لاغتيالك اثنتان من جانبنا اما الثالثة فلا علاقة لنا بها. الاثنتان هما: واحدة في مطار ابوظبي وقتل فيها وزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية سيف بن غباش في 25 تشرين الاول اكتوبر 1977. والاخرى داخل سورية. اما الثالثة فلا علاقة لنا بها".
ضحك خدام وقال: "شكراً، الآن صار باستطاعتي ان اعرف من كان وراء المحاولة الثالثة".
متفجرات في الكويت
ما هي قصة المتفجرات في مقاه شعبية كويتية؟
- باختصار القصة معروفة. انها تفجيرات استهدفت مقهى شعبياً كويتياً لايقاع اكبر عدد ممكن من الضحايا. بعد امتناع الكويت عن الاستمرار في دفع أتاوات مالية كان "ابو نضال" يفرضها عليها. سقط ضحايا.
لم أكن آنذاك في الجماعة لكنني اقول انه في العام 1986 سألني احد المسؤولين السوريين عن أحد كادرات التنظيم واسمه مجاهد البياري فوعدته بالإجابة لاحقاً. سألت "أبو نضال" عن الرجل فرد: "لتكن الإجابة أنه استشهد في إحدى العمليات". نقلنا إلى السوريين هذه الاجابة.
بعد شهور كنت اطالب داخل الجماعة بالمشاركة في العمليات ضد إسرائيل في جنوب لبنان بدلاً من موت رفاقنا في شوارع العالم مجهولين. قال لي "أبو نضال" في أحد الاجتماعات: "سنحقق قريباً رغبتك". وفي الاجتماع اللاحق، بعد الظهر، جاء شخص من لبنان على عجل ومعه رسالة تقول إن مجاهد البياري كان يقود سيارة مفخخة في صيدا لتسليمها إلى شخص من "المجلس الثوري" للتوجه بها إلى المناطق المحتلة في جنوب لبنان، لكنها انفجرت به وقتل. تألم الجميع، لكن "أبو نزار" راح يحدق طويلاً في الأرض ورحت أنا اتذكر سؤال السوريين عن الشخص قبل فترة. لدى انتهاء الاجتماع بقينا لوحدنا أنا و"أبو نزار". قلت له ان ثمة لغزاً في عملية القتل هذه. فقال نعم لقد قتلته. سألت عن السبب، فأجاب: "الكويتيون يضغطون على سورية لأن البياري نفذ عملية المقهى. والسوريون لديهم معلومات أن البياري شريك في اغتيال زهير محسن الأمين العام لمنظمة "الصاعقة" في مدينة "كان" جنوب فرنسا. لذلك طلب منك "أبو نضال" أن تقول للسوريين إنه استشهد وخطط لقتله ليتخلص من دليل الاتهام".
للأسف أرسل "أبو نضال" في ما بعد أحد مسؤولي التنظيم ليقترح على الأمن السوري اغتيال عبدالرحيم أحمد كان أميناً عاماً لجبهة التحرير العربية الموالية للعراق وعضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وبدا واضحاً من عرضه أنه يحاول تقديم خدمة تنسي سورية دوره في اغتيال زهير محسن في جنوب فرنسا في تموز يوليو 1979. ورفض السوريون عرض "ابو نضال".
حلقة سابعة غداً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.