مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة يحصد 4 جوائز للتميز في الارتقاء بتجربة المريض من مؤتمر تجربة المريض وورشة عمل مجلس الضمان الصحي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    وزير الصناعة من قلب هيئة الصحفيين بمكة : لدينا استراتيجيات واعدة ترتقي بالاستثمار وتخلق فرصا وظيفية لشباب وشابات الوطن    السعودية الأولى عالميًا في رأس المال البشري الرقمي    استقرار أسعار الذهب عند 2625.48 دولارًا للأوقية    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    سجن سعد الصغير 3 سنوات    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    حرفية سعودية    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    فصل التوائم.. أطفال سفراء    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    ألوان الطيف    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    القتال على عدة جبهات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    كلنا يا سيادة الرئيس!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهوني: انتظرنا ان يعلن القذافي استقالته ففاجأنا بإعلان الثورة الشعبية (4/4)
نشر في الحياة يوم 26 - 02 - 2011

هذا ما تفعله السلطة المطلقة بمن يلتهمها بالقوة ثم يمارسها في غياب الضوابط والمؤسسات ويقع في عبادة صورته ويتفرغ لمخاطبة التاريخ بدل الاستماع الى شعبه. السياسيون العراقيون الذين عرفوا شاباً اسمه صدام حسين قالوا انه كان خجولاً ومنضبطاً ومتحمساً وشجاعاً مع ميل الى القسوة. وعبدالمنعم الهوني الذي عرف معمر القذافي باكراً قبل ان يلتقيا على مقاعد مجلس قيادة الثورة يقول ان الاخير كان شاباً مثالياً شديد التأدب ويكره البهرجة.
انها قصة عادية في منطقتنا المنكوبة. ينقض فريق على السلطة ثم تفوح الشهوات. يبرع واحد في المناورة او التآمر او الاستقطاب فيلتهم الحزب او الثورة او الانقلاب ودائماً يلتهم رفاقه.
كان العمل مع القذافي صعباً في الداخل والخارج. يريد ان يكون القائد بلا شريك. وأن يرصد حركات رفاقه. وإذا رفضوا الانصياع سارع الى اتهامهم بالعمالة. وفي الزيارات الخارجية لم يكن يتردد في قول ما يحرج مضيفيه. تساعد رواية الهوني على قراءة الرجل الذي يعاند العاصفة الآن ويدمي بلاده.
وهنا نص الحلقة الرابعة والاخيرة:
لم تسمحوا للاحزاب بالعمل؟
- اكذب اذا قلت لك ان اتجاهاً ظهر بين الاعضاء لاطلاق عملية الحياة الحزبية. الموقف البارز المؤيد لاعادة الحياة الديموقراطية والبرلمانية كان موقف محمد نجم.
هل كان داخل المجلس تيار مؤيد لذلك؟
- نعم.
ماذا كان موقف القذافي؟
- كان معارضاً وكان يقول عن البرلمان والحياة البرلمانية ما يقوله عنهما الآن. كان يعتبر ذلك هرطقة وان الساعين هم طلاب سلطة يظهرون كوطنيين ثم يتبدلون بعد وصولهم ويتحولون موظفين وانتهازيين همهم الفلوس.
كيف كان القذافي يدير اجتماعات مجلس قيادة الثورة؟
- الاجتماعات الدورية والعادية كانت تعقد في النهار. اما الاجتماعات المهمة التي تتخذ فيها القرارات فكانت تعقد بعد الثانية فجراً.
هل كانت تحصل خلافات؟
- نحن عندنا مثل يقول نبتدئ بلا وننتهي بنعم (يضحك).
أليست لكم ملاحظات على اسلوب العقيد؟
- لم تكن هناك ادارة بالمعنى المتعارف عليه، كان يلجأ دائماً الى مجموعة الضغط المؤيدة له. اسلوبه غريب في الضغط على الاعضاء. كان اول ما فعلناه - وهذه مسألة انهت مجلس قيادة الثورة بعد خلافات شديدة معه - اننا كنا متمسكين بأن يكون المجلس مجلساً بالفعل وان يمثل سيادة البلد وأن يأخذ اي موضوع يطرح حقه في الدراسة والنقاش والمشاورات مع الناس المعنيين بهذه القرارات وان لا تأتي هذه القرارات جاهزة. كان معمر يطرح فكرة مع وزارة معينة ثم يأتي القانون جاهزاً الى المجلس ولا نعرف نحن عنه شيئاً. كنا نرفض هذا الاسلوب ونقول انه عندما يتعلق الامر باصدار قوانين او اعداد قوانين او قرارات تمس مصلحة الناس ومصلحة المجلس لا بد من ان نعرف ونعطى فرصة للمشاركة في التشاور، وان نرجع الى من يعرف الموضوع قبل ان يبت. هذه الاقتراحات لم تكن تروق له. كان يحب المجيء بالاشياء جاهزة وقد حصلت في المجلس صدامات كثيرة.
هل تبلور وجود مجموعتين داخل مجلس قيادة الثورة؟ ومن كان يؤيد دائماً ومن كان يعارض دائماً؟
- الحقيقة ان مواقف الاعضاء كانت متقاربة، وكثيراً ما كان التأييد يأتي من اجل وحدة المجلس وتفادي الانقسامات والانشقاقات. لهذا، حرصاً على المجلس جاءت التنازلات في الغالب من جانبنا نحن. مرات كثيرة جوبه اسلوب القذافي بالرفض وحدث ان رفضت اقتراحات له.
ماذا كان يفعل في هذه الاحوال؟
- من ضمن القضايا التي شهدت خلافات موضوع الوحدة مع مصر ومع السودان ومع مالطا وتونس وغيرها. كان هناك اجماع في المجلس على ان الوحدة ليست قضية معمر القذافي وحده بل قضية كل الليبيين وانه لا بد من ان يتخذ بشأنها قرار شعبي وليس قراراً سيادياً. وحتى لو اتخذ قرار شعبي يجب ان تتم الوحدة وفق خطوات بطيئة وهادئة. وكان بعض الاعضاء يتحدث عن فترة عشرين سنة.
كان همّنا الاول بعد وصولنا الى السلطة تنفيذ افكارنا في ما يتعلق بتطوير ليبيا وبناء نهضة فيها واعتبرنا ان الاولوية يجب ان تعطى لهذا الهدف وهو تحسين وضع شعبنا اقتصاديا وانسانيا وثقافيا، وان يترافق ذلك مع بحث في وضع العلاقات مع الاشقاء للدخول في كونفيديرالية معهم. وكان هناك شبه اجماع على ان ليس هناك ما يدعو الى الدخول في وحدة تؤدي الى تذويب شخصية هذا البلد او ذاك فلكل بلد خصائص لا بد من المحافظة عليها، ومن شأن القفز فوقها تعريض اي وحدة للخطر. طبعاً كان هناك اتفاق كامل على عدم التأخر في الوحدة العسكرية، اي وضع القوات العسكرية في البلدان العربية في اعلى درجات التنسيق بينها دفاعاً عن المصلحة القومية اي الوحدة العسكرية ورفع درجة التنسيق السياسي على طريق وحدة القرارات. لم يكن هناك خلاف على الحسابات الاستراتيجية لجهة ضرورة الدفاع عن قضايا الامة العربية ومصالحها.
معمر يستقيل
هل حصلت صدامات بينك وبين القذافي؟
- نعم اول استقالة لمعمر كانت بسبب صدام بيني وبينه.
متى ظهر اول خلاف حاد في الرأي؟
- في اوائل السبعينات. استقال القذافي بسبب صدام حصل بيننا وتضامن الاعضاء معي. اختلفنا على اللباس العسكري. كان المطلوب ان يرتدي كل اعضاء مجلس قيادة الثورة الزي العسكري ومعه المسدس. رفضت وقلت ان علينا ان نكف عن التصرف كعسكريين وان نبدأ بالتحول الى الحياة المدنية، واعتبرت ان اللباس العسكري يخلق نوعاً من الحاجز مع المدنيين ونوعاً من الرهبة يمنعانهم من التحدث معك بحرية.
جئت الى اجتماع مجلس قيادة الثورة بالثياب المدنية فقال معمر: اما ان يخرج الهوني واما اخرج انا. لم اغادر انا فغادر هو وتعاطف الاعضاء معي. وقد اجتمعنا بعد اسبوع وعيّنا ابو بكر يونس رئيساً لمجلس قيادة الثورة بعدما ارسلنا مرات عدة نطلب من القذافي الحضور. ارسلنا اليه في النهاية انك اذا لم تأت فسنجتمع في غيابك، واقنعت الزملاء بأن البلاد يجب ان لا تتوقف لأن القذافي غائب في سرت. اجتمعنا واصدرنا اول قرار لخطة التنمية باسم ابو بكر يونس كرئيس لمجلس قيادة الثورة. وحين سمع القذافي وهو في سرت ان قراراً صدر عن رئيس مجلس قيادة الثورة في غيابه طلب السيارة وجاء بسرعة مذهلة وبعد ثلاث ساعات كان في طرابلس ودعا الى اجتماع. قال القذافي لأبو بكر يونس: لقد ضحكوا عليك وارادوا استخدامك ضدي. قال له كلاماً قاسياً. واعتقد ابو بكر، ويا للأسف، اننا خدعناه وعاتبنا. بعدها اجتمعنا واستثنيت انا من قصة الثياب العسكرية.
هل حصلت صدامات بين القذافي وجلود؟
- حصلت. ذات يوم قررنا ان يركب كل اعضاء مجلس قيادة الثورة سيارات فولكسفاغن وان يحصلوا على المرتب نفسه وان تكون لهم الامتيازات نفسها. كلف القذافي سرية الامن بأن ترافق سيارة منها سيارة كل عضو من اعضاء المجلس سواء في التحركات داخل ليبيا او خارجها. شعرنا نحن بأن هذه المرافقة هي لرصد تحركاتنا وليست لحمايتنا. كان جلود بين الذين اعتبروا ان سيارة المواكبة هذه مهمتها مراقبة الشخص. اجتمعنا وحصل خلاف مع معمر الذي قال: اذا كانت لديكم شكوك في أحد فالحل هو ان يختار كل واحد منكم حرسه. هكذا اخترنا حراساً من الجنود الذين كانوا معنا في السابق. لعب جلود دوراً في انتزاع هذه المسألة.
بعد بضعة اشهر قال القذافي: هؤلاء الذين يحرسونكم يجب ان يخضعوا لدورات تدريب وبالتالي لا بد من ان تكون هناك وحدة عسكرية تجمعهم فألحقوا بما كان يعرف بسرايا الامن. وهكذا عاد الحراس بيد الامن. وبصفتي مديراً للمخابرات اضطررت الى رصد مكتب القذافي ومكان اقامته والاستراحة وكشفت تلك التسجيلات وقائع كثيرة.
هل سحبت مسدسك ذات يوم؟
- لا، ولكن حصلت خلافات كثيرة بيننا. لم نكن نقبل بمرور الاشياء. في الفترة التي كان فيها المجلس موجودا كان البلد يسير في شكل منظم. في 1972زار القذافي مصر وكان مستقيلا بعدما اختلفنا معه على مسائل داخلية. اخذ اسرته وسافر. لم نعرف بذلك الا وهو في المطار. قال للرئيس السادات: انا جئت لاقيم عندكم كمواطن عادي. فتح له السادات باب الاتحاد الاشتراكي والوسط الثقافي وهيئة تحرير «الاهرام» و«الاخبار» و«روز اليوسف» ومختلف المنابر واجرى حوارات.
حاول القذافي ان يدرس اوضاع مصر وكان السادات يريد ان يدرس اوضاع القذافي كشخص. بعد 15 يوماً فوجئنا به يرجع وظلت العلاقة باردة. دعونا الى اجتماع موسع حضره كل الاعضاء بمن فيهم محمد نجم الذي كان قد ترك المجلس. قبلنا استقالة معمر فرد بالقول: للأسف انتم لستم منتخبين لأقدم استقالتي اليكم، انتم فرضتم انفسكم على الشعب بقوة الكلاشنيكوف. قلنا له انت ايضاً لست منتخباً فرد بالقول: انا املك تأييداً شعبياً واريد ان اقدم استقالتي الى الشعب. كانت هناك ورقة استقالة في يده فقلنا له اعطنا اياها ونحن نقرأها في الاذاعة او تقرأها بصوتك ان شئت فقال: انا سأقدمها مباشرة الى الشعب.
خطاب زواره
هكذا اتفقنا على ان يعقد مؤتمراً شعبياً في زواره لمناسبة ذكرى المولد وان يعلن فيه استقالته. لم يحضر احد من اعضاء المجلس باستثناء مصطفى الخروبي ووزير الصحة مفتاح الاسطى عمر. نحن كنا في القيادة باعتبار انه سيستقيل. الخروبي ذهب وربما كان اكثر ذكاء منا في فهم شخصية معمر.
وبدل ان يقدم استقالته قدم القذافي في زواره النقاط الخمس التي تعني الغاء الدستور والقوانين، اي الغاء السلطة التشريعية التي كان يمثلها مجلس قيادة الثورة. كنا نحن توزعنا المسؤوليات للسيطرة على الموقف في حال حصول مظاهرات اذا اعلن استقالته. وكان جلود معنا في هذا الموقف. اقول ذلك بأمانة. انتظرنا استقالته واذ به يعلن الثورة الشعبية الثقافية. وحضر من زواره الى مقر القيادة العسكرية وعقد اجتماع للمجلس. سألناه عن الاستقالة فبدأ باقناعنا بأهمية الثورة الشعبية لتحرير الشعب من مشاعر الذل والهوان التي رسختها الحكومات الاجنبية. وقال ان هدف الثورة هو تشجيع الشعب على مناقشة السلطة وانتقادها.
قبلنا الفكرة، ووزع معمر المهمات وقال ان كل عضو سيتولى شؤون محافظة لعقد اجتماعات واعداد الكوادر والاشراف على برنامج التصعيد وعمل لجان التوعية الشعبية. في تلك المرحلة كانت تجرى انتخابات بلدية واخرى على مستوى المحافظة واذكر ان الفائز في محافظة الزاوية التي كلفت بها كان عنصراً قيادياً في حزب البعث وقد دعمناه كسلطة وكان شخصاً جيداً.
دمشق اوصت بجبريل
هل شعرتم في تلك المرحلة ببدء علاقات بين النظام والحركات المتهمة بممارسة الارهاب؟
- في تلك الايام لم نكن نعتبر هذه الحركات ارهابية بل كنا نعتبرها حركات ثورية. انا شخصياً وعلى رغم انني توليت رئاسة المخابرات لم اعرف كارلوس او ابو نضال. انا تعرفت الى ياسر عرفات وابو اياد واحمد جبريل ونايف حواتمة وجورج حبش. بعد حركة الفاتح كان النظام يعترف بمنظمة فلسطينية وحيدة هي منظمة «فتح» وهذا يرجع في جزء كبير منه الى نشاط ممثلها في طرابلس سليمان الشرفه (ابو طارق) الذي كان نشيطاً الى ابعد الحدود. كنا نراه في اي وقت وفي كل مكان. اقنع الشرفه مجلس قيادة الثورة بأن المنظمة الوحيدة التي تقاتل وتكافح هي حركة «فتح». في الايام الاولى ارسلنا مجموعة من الضباط وتطوعوا في صفوف «فتح». وشارك هؤلاء في عمليات ولكن خارج الاراضي المحتلة، اي في جنوب لبنان.
عندما رجع هؤلاء الضباط الى ليبيا قالوا ان الثقل العسكري محصور ب «فتح» وتأتي بعدها «القيادة العامة» التي يتزعمها جبريل ثم «الجبهة الشعبية». من هنا جاءت فكرة دعوة جبريل الى ليبيا لتقديم الدعم والعون اليه. وللامانة اقول ان الاخوة السوريين اوصوا خيراً به ونحن اخذنا رأيهم في الاعتبار. قدمت الى جبريل مساعدات عسكرية ولم يكن يحصل في تلك المرحلة على اموال. وكانت حركة «فتح» تحصل على مساعدات عسكرية ومالية.
كان هذا القرار من مجلس قيادة الثورة. وهنا حصلت حادثة: جاء جورج حبش واطلق الفلسطينيون حملة للتبرع ل «الجبهة الشعبية» وعندما علم القذافي امر بطرد الذين تبرعوا. واعتقد بأن اكثر من مئتي فلسطيني طردوا بعضهم نقل بثياب النوم الى المطار. في تلك المرحلة كانت لدى القذافي حساسية تجاه الماركسيين.
كيف كانت علاقة القذافي بعرفات؟
- كانت سلسة. الصدامات كانت مع ابو اياد. كان القذافي يحب ان يأخذ الآخرون برأيه سواء كان رأيه سياسياً ام عسكرياً. ابو اياد كان صدامياً ويعارض. ابو عمار سياسي وديبلوماسي يسمع ثم ينفذ لاحقاً ما يعتقده لمصلحة شعبه لا ما سمعه. ابو اياد كان يعترض على آراء معمر في بعض الفلسطينيين وعلى تقويمه لبعض التنظيمات الفلسطينية. لم يكن القذافي مثلاً معجباً بجورج حبش ونايف حواتمه. كان يقول لأبو اياد ان حواتمه اردني وليس فلسطينياً وان حبش وحواتمه من الملحدين. ولم يكن ابو اياد يسكت. كان يسارع الى الحديث عن وطنية الرجلين ويقول نحن الفلسطينيين ادرى بأوضاعنا.
ما هي اهم الزيارات التي رافقت القذافي فيها؟
- في تلك المرحلة رافقته في معظم زياراته. في 1975، وقبل اجتماع قمة منظمة الوحدة الافريقية في كمبالا، طلب ان ارافقه انا وعمر المحيشي وعمر الحريري وبشير هواري، اي كل الذين يشك في احتمال قيامهم بحركة ما. انا كنت مريضاً ولست متمارضاً. رفضت بشدة فشكا امام اعضاء مجلس قيادة الثورة وقال كيف امشي الى مؤتمر من دون وزير خارجيتي. كنت حددت موعداً لدخول المستشفى خارج ليبيا. بعد الحاحي وافق وقال تستطيع البقاء في البيت ولكن لا تدخل المستشفى قبل عودتي.
حتى في كمبالا كان يراقب الذين رافقوه وحصل على تسجيل لحديث بين المحيشي والحريري وهو حديث عادي وطبيعي ان يتناول الحديث بينهما الشؤون الليبية. اعتبر القذافي الكلام دليلا على التنسيق بينهما. انا لم اعرف انني مراقب الا حين اصرّ على اصطحابنا الى كمبالا. من الملاحظ حالياً انه يصطحب معه مصطفى الخروبي وليس غيره، ربما لأن معمر يصطحب دائماً من يخاف انهم قد يقومون بشيء ضده في غيابه.
ألم تكن هناك حركة ما من قبلكم؟
- كانت هناك حركة رفض عسكرية لاساليب القذافي وهي تشمل معظم ضباط الجيش. من ضمن الصدامات مع القذافي كانت مسألة التسليح، خصوصاً الاتفاقات التي ابرمها مع الاتحاد السوفياتي وفرنسا.
اعود الى قصة العلاج. جلست في طرابلس في البيت، وبعد يومين من عودة القذافي من كمبالا سافرت الى ايطاليا ودخلت المستشفى. وخلال وجودي فيه اتصل بي وقال لي هناك مؤامرة ويجب ان تأتي الى البلاد وقد ارسلت اليك طائرة. اتصلت باعضاء آخرين وعرفت أن عشرات الضباط اعتقلوا (نحو 60)، وان المحيشي وصل الى تونس وان الحريري معتقل.
والحقيقة انني كنت افكر في العودة الى ليبيا ليس بناء على طلبه، وعلى الفور، بل لدى انتهاء العلاج، اصررت على ان اتابع برنامج العلاج كما هو مقرر. وبما انني كنت وزيراً للخارجية ابلغني بعض السفراء - ولا داعي لذكر اسمائهم - انهم سمعوا عن اتهامات موجهة اليّ مفادها انني متورط في مؤامرة ضد النظام. شعر السفراء بالحرج فقد كان مقرراً ان امر على بعضهم فهل يستقبلونني وبأي صفة.
حسب البرنامج كان يجب ان اغادر ايطاليا الى المانيا فبريطانيا ثم المانيا واستقل طائرة «لوفتهانزا» الى بيرو حيث كان يعقد مؤتمر عدم الانحياز. رجعت الطائرة التي ارسلها القذافي الى طرابلس. خرجت من المستشفى واتصلت بعبدالسلام جلود وقلت له انني سأستمر في برنامجي المقرر سابقاً ولن اعود الآن الى طرابلس. اتصل بي عدد من الضباط الذين كانوا قيد العلاج في الخارج وراحوا يستفسرون مني عن الوضع في ليبيا فحدثتهم بأمانة عما اعرفه. رجع هؤلاء باستثناء واحد منهم. وحكى الذين رجعوا انني اخبرتهم عن حصول اعتقالات واشاعات.
ذهبت الى بيرو ثم الى نيويورك حيث حضرت افتتاح دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة. كان منصور الكيخيا مندوبنا هناك فطلبت منه ان ينظم لي برنامجا للتعرف الى اميركا فزرت ولايات عدة وقمت بجولة بعدما ابلغت منصور بطريقة غير مباشرة أنني قد لا اعود الى ليبيا. وعندما رجعت الى ايطاليا بدت الصورة اكثر وضوحاً.
اعود لاقول كان هناك رأي عام رافض لاساليب القذافي لكن احداً لم يتحدث عن مسؤولية محددة في خطة سواء بالنسبة الي او بالنسبة الى عوض حمزة وبشير هواري والمحيشي والحريري الذي كان اميناً لرئاسة مجلس الوزراء.
هناك نقطة لا بد من الاشارة اليها: حصلت بيننا وبين معمر صدامات كثيرة وكان هو الوحيد الذي ينقل الى الضباط ما يجري في مجلس قيادة الثورة وكان ينقل وفق روايته ويصفنا بأننا بمثابة عصي في الدواليب. وبعد الاجتماع الذي اخترنا فيه ابو بكر يونس رئيساً لمجلس قيادة الثورة بدأنا نحن بنقل اجواء مجلس قيادة الثورة الى الضباط. نقلنا الى الضباط الخلاف في وجهات النظر على صفقات التسلح. اشترينا من فرنسا اكثر من مئة طائرة ولم تكن لدينا القدرة على استيعابها واضطررنا الى الاتيان بطيارين غير ليبيين.
كان هناك داخل المجلس اعتراض على عدد الطائرات وكنا نصر على ان لا تزيد الصفقة على سربين اي 24 طائرة وفي الحد الاقصى 30 طائرة على ان نستعد لاستيعاب المزيد من الطائرات. كان القذافي ينقل هذا الموقف كأننا ضد المعركة القومية. الصفقة الاخرى كانت مع الاتحاد السوفياتي وهي اكبر بكثير من قدرة الجيش الليبي على الاستيعاب. وعقدت ايضاً اتفاقات مع تشيكوسلوفاكيا وبولندا.
موعد مع السادات
نريد ان نعرف متى توقفت علاقاتك مع السلطات في ليبيا؟
- كما، قلت رجعت الى ايطاليا وبقيت فيها حتى 18 سبتمبر (ايلول) وسافرت الى مصر. في اليوم الثالث التقيت الرئيس انور السادات وشرحت له الموقف كما وصلني، وطلبت منه ان لا يلبي اي طلب من معمر للتدخل من اجل اقناعي بالعودة الى ليبيا، والطلب الثاني ان اعامل كأي مصري من دون اي ميزة. والحقيقة ان الرئيس السادات كان في غاية الشهامة. كان دستور الاتحاد الثلاثي ينص على معاملة الليبي كالمصري والسوري. وعدني ان لا يتدخل احد في قراري وقال تستطيع ان تعتبر نفسك ابناً لي. وهكذا جلست في مصر.
لقاءان مع القذافي
كم مرة التقيت القذافي بعد اقامتك في مصر؟
- التقيت القذافي مرتين بعد مغادرتي ليبيا واحدة في الجزائر واخرى في مصر. في 1987 في الجزائر وفي 1990 في مصر.
لماذا التقيته؟
- في 1987 كانت حساباتي خاطئة في الواقع. لقد تصورت ان معمر لا بد بعد الهزيمة في تشاد، ان يعيد حساباته وترتيب اوراقه وان يعيد النظر في كل شيء. كانت تشاد هزة كبيرة. ارسل اكثر من شخص يطلب عقد لقاء ويطلب الرجوع الى ليبيا. طبعا رفضت فكرة الرجوع ما لم يسبقها اتفاق على نقاط محددة. لم اكن ضد اللقاء وان لم اعلق عليه آمالاً كبيرة. تدخل الرئيس الشاذلي بن جديد ووجه الي دعوة وقال انه لم يلمس ان القذافي يسعى الى اللقاء من اجل ايقاعي في شرك. وأكد لي انه سيسعى لدى معمر لتوفير ضمانات في حال قررت العودة الى ليبيا. وقال: الاكيد انه لن يتعرض لك على الاقل في الشهور الاولى. تمسكت بموقفي وهو ان العودة يجب ان يسبقها اتفاق.
التقينا في قصر الرئاسة في الجزائر ودام اللقاء نحو 3 ساعات. كنا لوحدنا وكان مدير المخابرات الجزائرية العقيد الاكحل المجذوب في المكتب الملاصق للصالون. بدأ القذافي اللقاء بدعابة وبعتاب اخوي قال: انت عبدالمنعم، مش ممكن، تعال كي اشوفك كويس». فرددت: انت معمر مش ممكن تعال كي اشوفك اذا كنت مسلحا. وضحكنا. تكلمنا في كل المطالب. قال لي: الاعلام الغربي شوش افكارك وغسل دماغك. كان اقترح عليّ العودة وفي اي موقع اختار من دون ان يحدد. فقلت له انني سأرجع واعمل في السياسة اذا اعدت الديموقراطية والانتخابات. انا ارجع الى السياسة من خلال البرلمان واعارضك. فقال: لو سمع الشعب الليبي افكارك هذه لضاع اهلك.
بعد ذلك هاجم القذافي الاحزاب والحزبية. اصر على ان اذهب معه الى ليبيا وان احمل من هناك رسالة الى الرئيس حسني مبارك. رفضت الذهاب الى ليبيا وقلت له» حتى ان كنت انت لا تبيت شيئاً ضدي فأنا لا اثق بالذين حولك، قد اتعرض، وانا خارج من عندك، لحادث في الطريق. ولنفترض انك اصدرت قراراً بمنع خروج الليبيين فأين هي المؤسسات التي يمكن اللجوء اليها؟ وأي محكمة يمكن ان تنصف الليبي؟ قال: انا موجود وأنا احميك. فأجبت: وحين لا تكون موجوداً. تناقشنا طويلاً في هذه النقطة وقلت له ان الحماية تأتي من القانون ومن القضاء.
استوقفتني في اللقاء في الجزائر مسألة اذ قال لي القذافي: اريد ان اسألك عن علاقتك بأحداث 1975 وعمر المحيشي. اجبته: هذه الاحداث وقعت قبل فترة طويلة ثم انت الذي يجب ان تقول لي ما هو هذا الموضوع وما هي علاقتي به فأنت اطلعت على التحقيقات وانا ليست لدي فكرة عن الموضوع وقد نسيته تماماً.
وفي القاهرة؟
- كان اللقاء محدوداً واستغرق نحو 40 دقيقة كان طلبه الوحيد ان اعود الى ليبيا. وقال لي صراحة: لو كنت عاوزك لاخذتك. ويقصد انه قادر على احضاري بالقوة. وقال لي: الاتيان بعمر المحيشي كلف 200 مليون دولار وانت حتروح فين لو كنت انا اريدك. اجبت: انت تستطيع ان تأخذني كما اخذت عزت المقريف وجاب الله مطر (اختفيا في القاهرة في بداية التسعينات) فقال: لا عزت وجاب الله ما فيش انا طلبتهم من السلطات المصرية ورفضت ان تسلمهم.
خلال اللقاء حمل بعنف على محمد المقريف (الامين العام للجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا) وقال ليس بيني وبين المقريف وسأل عن اشخاص من دون ان يلفظ كلمة معارضة في وصفهم. قال: بشير الرابطي ماذا فعلنا له. كان رئيساً للمجلس الاتحادي وعاش معززاً مكرماً. طلب الذهاب سائحاً الى ايطاليا وهرب منها الى مصر.
وقال القذافي ان ليس لديه مانع من اللقاء مع هؤلاء كأشخاص ليبيين، اي انه يرفض اعطاء اللقاء معهم طابع الاجتماع مع المعارضة. ونحن كنا نريد ان نلتقيه كمعارضة، اي لماذا لا يسمع افكار المقريف او احد العناصر المؤيدة له؟ هاجم هذه التنظيمات بعنف واتهمها ب «العمالة» و«الجاسوسية».
لمح القذافي الى معلومات يملكها عن علاقة قال انها بيني وبين وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (السي.آي.إي). وقال لي ما معناه انهم سيستخدمونني ثم يرمونني كورق التواليت. وقال لي: الحوار والكلام معك في ليبيا ويجب ان تأتي الى طرابلس.
لنعد الى الرحلات التي رافقته فيها؟
- في 1971 كان صالح بويصير قد ترك الخارجية وتوليت انا الاشراف عليها قبل تعييني رسمياً. خلال تلك الفترة حضر الى طرابلس وزير المال الكويتي العتيقي حاملاً رسالة الى معمر من امير الكويت. دخل الوزير وصافح معمر فبادره الاخير بالقول: «ميزانية امير الكويت 14 مليون دينار. هذا المال للشعب الكويتي». صدم العتيقي ورد: «سيادة الرئيس ان امير الكويت يأخذ 14 مليون دينار بقرار من مجلس الامة الكويتي لكن هناك رؤساء يأخذون ميزانيات الشعوب من دون ان يحاسبهم احد». والآن من يستطيع ان يعرف اين تذهب ميزانية ليبيا ومن يعرف الكمية التي يتصرف بها معمر؟
زار معمر المملكة العربية السعودية في مارس (آذار) 1974. وخلافاً للأعراف التي تقضي بأن تعد وزارة الخارجية بالاتفاق مع البلد المعني جدول اعمال المحادثات ومشاريع الاتفاقات اتصل وقال انا سأذهب غداً الى السعودية فأبلغوهم. ذهبنا الى جدة واعتمرنا وعلى رغم اننا كنا في مناسك دينية فانه كان يطوف ويسعى مهتماً بالتفاف الناس حوله.
ذهبنا الى قصر الضيافة وجلسنا في صالون وشن معمر هجوماً عنيفاً جداً على مصر والفراعنة وقال انهم تاريخياً يتجهون الى الشرق حين يشعرون بالقوة. وتحدث عن ابراهيم باشا ومحمد علي باشا والحملات القديمة. وتحدث ايضاً عن الفراعنة. وقال ان جمال عبدالناصر اخذ اليمن وكان يريد ان يأخذ غيرها وكرر تعابير قاسية نقلت عن عبدالناصر.
فوجئنا بالملك فيصل ينهض ويعتذر بلباقة قائلاً: «انا رجل كبير السن وأتناول ادوية ولا استطيع احتمال اجتماعات طويلة، سنتركك مع الشباب امثالك»?
ذهبنا ايضاً الى بغداد. تحدث معمر محرضاً الرئيس احمد حسن البكر على نائبه صدام حسين كما حرض الثاني على الاول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.