يفضل بعضنا مكاناً هادئاً لتمضية إجازة، يستمتع بها وحيداً، والبعض الآخر يحرص على اصطحاب الأهل والأصدقاء، وآخرون يفضلون تمضية أوقات الفراغ على الشواطئ بصحبة الماء وحرارة الشمس. ومع تبدل الأذواق وتخصصها يسعى القيمون على المنشآت السياحية إلى تلبية الحاجات المختلفة. يلاحظ ازدياد عدد المسابح المخصصة للنساء وأطفالهن على طول الشاطئ اللبناني. من هذه المسابح ما يستقبل النساء طوال أيام الأسبوع، وغيرها تفتح أبوابه نهاية الأسبوع للعائلات فيتحول المسبح النسائي إلى مسبح مختلط. ومسابح أخرى تخصص يومين أو أكثر في الأسبوع للنساء فقط. وشروط المسبح المخصص للنساء فقط ليست مستحيلة. يكفي أن يكون منفصلاً عما يحيط به من مسابح وأن يكون شاطئه بعيداً إلى حد ما عن الأنظار. أما المسابح القريبة من الناس والطريق العام فمحاطة بسواتر تحجب الرؤية من جميع الجهات. هذا على الصعيد الجغرافي أما بشرياً فلا بد من استبدال فريق العمال في داخل المسبح بإناث إذ لا يسمح بالدخول لأي ذكر تعدى الثامنة من عمره. إتمام هذه الشروط يضفي على أي مسبح صفة شرعية وبالتالي يتحول شبه جزيرة ترتادها العشرات بل المئات من النسوة. "وجود مثل هذه المسابح أمر عظيم وإلا أين كنا سنذهب؟" قالت فاتن البالغة من العمر 27 عاماً، وأوضحت "أنا فتاة ملتزمة أضع الحجاب مذ كنت في العاشرة ومن حقي أن أذهب إلى البحر وأن أتشمس لأغير لون بشرتي مثل غيري من الفتيات". ولأم علي 45 عاماً رأي آخر معلل بأسباب منطقية بنظرها، قالت: "تجلسين هنا ولا تهتمين إذا وقفت ابنتك، أو نامت، أو سبحت، أو حتى رقصت. لا يوجد شبان ينظرون إليها أو يعاكسونها، كيف ما جلست لا مشكلة" بكلامها عن ابنتها هبة البالغة من العمر 21 عاماً. لكن هبة ترفض مقولة والدتها وقالت ممتعضة: "كأن الشباب يأكلون الفتيات، وجودي هنا بسبب ممانعة والدتي في السماح لي بالذهاب إلى بحر مختلط حيث يوجد شبان أيضاً، على الأقل لا أرى هناك أناساً من دون ثياب"، في إشارة منها إلى امرأة عارية الصدر ترتمي على كرسي وإلى عشرات غيرها يفترشن المقاعد ويعتمدن ال"سترينغ" لباس بحر دقيق جداً فقط كثوب للسباحة بدلاً من المايوه، مشهد قل ما تراه على شاطئ مختلط. وعلى جانب آخر من المسبح الواقع وسط العاصمة، تنهمك صباح امرأة أربعينية في تنظيف حواجب امرأة أخرى بواسطة الخيط، هي تأتي إلى المسبح بحسب الطلب، تتصل بها الزبونة فتعطيها موعداً يوم كذا، الساعة كذا "هذا رقمي عندما تتصلين بي أحضر". وفتاة أخرى تصبغ شعر صديقتها للافادة من الوقت "ما دام لا يوجد شيء آخر لعمله". وقريباً من المدخل الذي يفصل "البيسين" عن المكان المطل على البحر تجلس صبية عشرينية وراء طاولة وضعت عليها بعض الأكسسوارات تبيعها بأسعار مغرية أقل من تلك التي تجدينه في السوق خارجاً. إيناس ترتاد هذا المسبح تحديداً لأن كل شيء مسموح داخله "في المسبح الآخر تمنع المشروبات الروحية، كذلك البزر مكسرات حتى أن بعض الموظفين يعترضون على أزياء معينة لرواده. والحسنة الوحيدة فيه اتساع ساحة الرقص. كان المسبح ينظم لهذه الغاية مباريات في الرقص كل يوم خميس ليلة جمعة، والفائزة تنال بطاقة دخول مجانية ليوم الأحد وهو يوم مزدحم عادة". وتابعت إيناس بامتعاض أن إدارة المسبح هذا أوقفت المباراة من دون أن توضح الأسباب. أما المسؤولون عن مباراة الرقص فعزوا إلغاءها إلى مشكلات لم يحددوا طبيعتها. وهناك في المسبح الآخر الذي أشارت إليه إيناس جنوببيروت تستقبلك امرأة ثلاثينية بسلسلة من الممنوعات أولها البزر، والبيرة وآلات التصوير...". بعد تجاوز ممنوعات الثلاثينية تنزل ست درجات تفصل المدخل عن المسبح. أول ما يقابلك ورقة كتب عليها NO TOPLESS ممنوع الصدور العارية ما يوحي أن ما رأته هبة من نساء عاريات لن تراه هنا، إلا أن مفعول هذه الجملة لا يسري على الفتيات اللواتي يخترن السنسول مكاناً لهن وكأن بعده عن المدخل يحول دون وصول إشارة التنبيه إليه. وخارج الساتر الذي يحيط بالسنسول تجلس ثلاث فتيات إلى الماء مباشرة وبصورة مريبة، سألت لماذا اخترتن هذا المكان البعيد والخطر، فأجابت زهراء 23 عاماً "أهلي لا يسمحون لي بالنزول إلى بحر مختلط وهنا يمر شبان على الJET SKI دراجة مائية أو باللنش قارب سريع فيرونني". زهراء تحاول التمرد على محيطها فلا تجد في هذه المساحات الشرعية سوى الخروج إلى ما وراء الساتر وقوفاً في وجه طقوس المنع وشعار العيب وقلة الأخلاق "يقولون عيب أن يراني الشبان بالمايوه". وفي الجهة المقابلة للسنسول عاصفة ألوان متعددة وزركشات في مكان خصص للرقص، وما أن تصبح الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتى يعلو صوت الموسيقى وتبدأ معها معظم الفتيات بتحضير أنفسهن للرقص، وتبدأ كل منهن بالتحديق بنفسها مستطلعة أماكن الإثارة في جسدها وتحزم أكثرهن خصرها بشال من النسيج الشفاف عادة كي لا يحول دون وصول أشعة الشمس إلى الجزء المخبأ تحته. ويبدأن بالرقص "الحرارة والحركة تساعدان على اكتساب اللون البرونزي بسرعة أكبر" قالت إحداهن في محاولة منها لإقناع صديقتها مشاركتها الرقص. أما الأغاني المعتمدة فعادة ما تكون تلك التي صنعت خصيصاً للراقصات ك"بص أماني"... وغيرها التي تساهم بتفجير المواهب المخبأة، وإذا رأت واحدة الأخرى تقوم بحركة ما لا تجيدها هي تصرخ "علميني كيف أقوم بها"، وتختلف هذه الأغاني فتعتمد فجأة أغان لا إيقاع لها يساعد على الرقص وإنما تتكلم عن قوة المرأة في وجه الرجل الخائن ك"ما بقاش أنا" لأصالة، و"غرامك مزيف" للطيفة و"جيت أهني" لناديا مصطفى... وتبدأ عندها الفتيات بالتفاعل معها في شكل هيستيري، بعضهن يغمرن رفيقاتهن والبعض الآخر تتحولن إلى رقص الSLOW الهادئ مع صديقاتهن وقد تجد فتاة أجهشت بالبكاء إذ أنها تذكرت حبيبها للتو. وأخريات يطلبن إلى الرقص لأنهن أصبحن شهيرات بين رواد المسبح ومن اللافت أيضاً الكميات الهائلة من الأكسسوارات والرسومات التي تحل مكان الأوشام على أجسادهن. أما المايوهات الداكنة اللون كالأسود والبوردو النبيذي والكحلي فهي غالباً ثياب داخلية تم اعتمادها كثياب للسباحة إذ لا وجود لشبان ينظرون. وباتت السائحات الأجنبيات أيضاً يرتدن هذه المسابح وقالت جيسيكا ورفيقتاها الروسيتان WE ARE HERE BECAUSE WE LIKE WOMEN أي "إننا هنا لأن النساء يعجبننا". "بصراحة، أنا أخاف أن أجلس بين جميع تلك النسوة لكنني مجبرة لأن خطيبي يريد ذلك" قالت دارين وهي تنظر باتجاه فتاتين لا تترك إحداهن يد الأخرى كيفما اتجهت، وأضافت: "انظري جيداً سترين ملامح خارجة عن المألوف في عيونها". أكثر ما تفتقده داخل هذه المسابح فتاة تطالع كتاباً. لا أثر لكتاب أو صحيفة، فالرقص وإزالة الشعر الزائد هي الوسائل المتبعة لتمضية الوقت هناك. وعندما تتعدى الساعة الخامسة مساء تجد النساء يركضن يميناً ويساراً لارتداء ملابسهن فهذا المسبح يتحول مطعماً للعائلات ابتداء من السادسة مساء، ويدخل عندها الرجال. فتختفي البطون والنهود والأرداف وحتى بعض الوجوه، ويعود التعري إلى خلف حجاب التستر الذي خلع على المدخل، وما يولد داخل هذه الأماكن المغلقة يبقى مشروعاً بالنسبة الى الفتيات طالما أنه لا وجود لشبان يتربصون بهن.