شهدت لغة الاعلام السوداني الرسمي والمستقل تغييراً مفاجئاً تجاه "الحركة الشعبية لتحرير السودان" وزعيمها جون قرنق، بعدما كان محظوراً عليها ذكر اسمه من دون ان تسبقه صفة "متمرد" او "خارج" أو "خائن". وجاء هذا التغيير بعد ايام من توقيع الحكومة بروتوكول مكاكوس مع حركة قرنق الشهر الماضي. وفوجئ المستمعون الى الاذاعة والتلفزيون الرسميين والصحف المستقلة بان اوصاف قرنق الجديدة هي "العقيد الدكتور" او "الدكتور العقيد". وبات مباحاً نشر صورته وبثها بعدما كان ذلك محظوراً إلا في حالات محددة وفي الصفحات الداخلية للصحف وليس في صفحاتها الأولى. وحاورت وسائل الاعلام الرسمية قادة "الحركة الشعبية" عبر الهاتف، من نيروبي واسمرا، مثل دينغ الور وسامسون كواجي وياسر عرمان. وتسابقت الصحف الى اسمرا لحضور اجتماعات "التجمع" المعارض واجراء احايث مطولة مع جون قرنق، كما فعلت صحف "الأيام" و"الرأي العام" و"أخبار اليوم". وحرص قرنق في هذه الاحاديث على توجيه رسالة الى الرأي العام الداخلي يؤكد فيها انه وحدوي وان الرئيس عمر البشير منحه شهادة "رجل وحدوي" خلال لقائهما التاريخي في كمبالا اخيراً. وأعطى قرنق اشارات قوية بأنه ليس براغماتياً يريد اقتسام السلطة مع البشير ولا يكره العرب ولا يميز بين ابناء الوطن جهوياً وعرقياً. وكان لافتاً حديثه عن تطبيق الشريعة الاسلامية، اذ قال انها لن تطبق في الجنوب "شلناها برّه ابعدناها تماماً من الجنوب واذا اردتم ان نساعدكم في شيلها ابعادها من الشمال فلا مانع. وكذلك شلناها ابعدناها من الحكومة المركزية"، مؤكداً انها لن تطبق في الخرطوم اذا ظلت عاصمة للسودان. وتابع: "اقصد ان الدستور الاتحادي لن يكون اسلامياً". وأوضح ان "لجنة تعديل الدستور" ستشكل قبل الدخول في الفترة الانتقالية و"لكن لن تحسم بين طرفي النزاع فقط لأنه أمر يهم الشعب كله". ووجه قرنق انتقادات حادة الى زعيم حزب الامة الصادق المهدي واعتبره عدواً لحركته، واكد التزامه اتفاقه مع حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي. وعندما سئل عن تصريح النائب الاول للرئيس علي عثمان محمد طه الذي اكد فيه استعداده للتخلي عن منصبه اذا كان ذلك سيكون ثمناً للسلام، في اشارة الى امكان تنازله عن المنصب ل"الحركة الشعبية" رد باقتضاب بعد ضحكة "منو قال انا عايز شغلض" وسعى الى طرح نفسه كزعيم سياسي وليس قائداً عسكرياً. وكشف ان 60 في المئة من قادته الميدانيين يؤيدون الاتفاق ولن يرفضوا اي قرار تتخذه القيادة السياسية للحركة لكنه لم يحدد موقف البقية. ورأى مراقبون ان خطاب قرنق السياسي تبدل بصورة كبيرة وتجنب اثارة أي قضايا ذات طابع حساس مثل التركيبة السكانية، والعلاقة بين العناصر العربية والزنجية، ومن هم الغالبية ومن هم الاقلية، ومعاملة الشماليين الجنوبيين كمواطنين من الدرجة الثانية. وفي الوقت ذاته قدم زعيم "الحركة الشعبية" تأكيدات قوية لإمكان التعايش السلمي وعدم ترجيح الانفصال على الوحدة.