الحاجة إلى خادمة، ضرورة كانت أم ترفًا، تتسبّب في مشكلات تختلف باختلاف الطباع البشرية والنفسيات. امرأة تترك منزلها وبيئتها لتحل محل ربّة منزل في تنفيذ أعماله، منها أحيانًا تربية الأولاد. وتخرج ربّة المنزل إما لتنفيذ أعمال آلاخرين أو شؤونها الخاصة. وفي كل الأحوال، تحصل مواقف متناقضة ومتشابكة تستدعي النظر فيها وفصل بعضها عن بعض بتأنٍ ومسؤولية. حين يفتح موضوع الخادمات في المجالس، يطول الحديث وفي صدر كل جليس حكاية قد تكون مضحكة أو بائسة. ولا بد من التذكير بأن المجتمع العُماني لم يعرف في الماضي كثيراً من ابناء الجنسيات التي توافدت بالآلاف عليه في الفترة الأخيرة. وبعدما كان وجود شخص في المنزل من غير أهله أمراً غريباً ومستبعداً، يلتحق بالأسر الآن أفراد من جنسيات مختلفة. ينامون ويأكلون ويعملون في البيت الذي صار سكناً للوافدين الجدد أكثر مما هو لأصحابه، يعرفون أسراره وتفاصيله وخصوصاً كل فرد من أفراده. قديماً، كانت المرأة العمانية، "عمود البيت" كما يقولون، لا عمل لها إلا في "مملكتها". وعلى حبل الغسيل كانت تغطي ملابسها بألحفة أخرى لئلا يراها غريب، وإن حدث ذلك فستكون فضيحة تتناقلها المجالس والدواوين. في العقود الثلاثة الأخيرة ، بدأت المرأة مغادرة البيت لأسباب يتعلق معظمها بالوظيفة، فهي أصبحت تعمل في المصارف والشركات والوزارات. ودخلت أكثرية النساء مجال التعليم، حيث لا اختلاط، ولا تبعد المدرسة أكثر من مسافة بسيطة عن البيت. ولهذا يفضل الشاب العماني الزوجة معلمة، لأنها "لا تبتعد من البيت وتتقاضى راتباً!" ومن هنا، لا بد من "ضيف" جديد يحلّ محلّ الزوجة أثناء خروجها في أعمال المنزل. ولم تعد الأخيرة أصلاً تمتلك الرغبة في أعمال التنظيف والطبخ لأنها تعود مرهقة من عملها وباتت لها حياة اجتماعية متشعّبة. ولديها صديقات كثيرات. ومع تشعب العلاقات الاجتماعية، ازدادت أهمية الخادمة الشغالة في الحياة العصرية، فهي كما يقال، أصبحت "الكل في الكل داخل المنزل". يضرب علي سالم صحافي وزوجته معلمة،كفاً بكف ويقول: "أجارك الله من همّ الشغالات. للمرة الثالثة اذهب هذا الشهر إلى مكتب الاستخدام ولا أستطيع أن أجد الشغالة المناسبة التي ترضي زوجتي، ومن مواصفاتها ألاّ تكون جميلة وأن تكون جادة وتتحمل الشغل بلا تذمر". ويروي "إحدى الشغالات أقامت لنا عزاء في البيت. ظلّت ثلاثة أيام لا تعمل شيئاً إلا البكاء ليل نهار. كانت حزينة لفراق أهلها. وما ذنبي أنا الذي أريدها عاملة مقابل راتب؟ صبرنا عليها ثم أخذتها إلى المكتب، حيث حاولوا إفهامها أن الشغل يحتاج إلى صبر حتى تتعود الحياة بعيداً من عائلتها. لكن الأمور بقيت على حالها، بل ساءت واضطرت زوجتي إلى أن تأخذ إجازة لمواجهة الوضع". ويقول خالد محمد: "مسألة الشغالة ليست ترفاً، فاذا كنت وزوجتي خارج المنزل للعمل معظم أوقات النهار، فعلى من نترك البيت والاولاد؟ مشكلات الشغالات لا تنتهي. وقد نجد لمن يستأن منهن المبررات بسبب الحال النفسية التي تصيبهن نتيجة البعد عن عائلاتهن. ونفضل الكبيرات في السن لمقدرتهن على التأقلم". وعن رواتبهن قال: "معظم الشغالات يتقاضين نحو 150 دولاراً شهرياً اضافة الى السكن والأكل والملبس وبعض الحاجات الضرورية. وهذا يعتمد أحياناً على تعاونهن وكسبهن لرضا الاسرة. ويختلف الوضع بين الفيليبينيات الأعلى أجراً والسيريلانكيات والهنديات والبنغاليات". وما الفارق؟ أجاب علي الصحافي: "الفيلبينيات مدركات ونشيطات، لكنّهن متطلّبات، لا بد من يوم إجازة. ونرى بعضهن يخرجن فيه مع بعض الشبان. وفي الأمر مشكلة لا يقبل بها كثر. أما الأخريات ففقيرات، لكنهن يخدمن بإخلاص ومشكلاتهن أقل". مشكلات الأسر مع الخادمات تقابلها مشكلات الخادمات مع البيوت. فبعض النساء لا يتورعن عن صفع الخادمة وضربها لأسباب تافهة. ولا تستطيع الأخيرة الشكوى لأحد محافظة على عملها. على مقعد الطائرة، سألت المرأة الجالسة في جواري، وهي إندونيسية: "كم ستبقين في إندونيسيا؟". أجابت: "العمر كله، غادرت مسقط باتجاه واحد". ولماذا؟ أجابت بعربيتها المتكسرة: "أرباب ما فيه زين". فهمت من حكايتها أن رب المنزل تقرّب منها فهددته بإبلاغ الزوجة إذا لم يتوقف. هي لم تشأ إخبارها فعلاً تفادياً لوقوع مشكلة كبيرة، فربّة المنزل طيبة جداً معها. ولهذا، فضلت الرحيل إلى زوجها وابنها في جاكرتا، بعد غياب دام ثلاث سنوات. ومن الخادمات الآسيويات من أشهرن إسلامهن ويخشين إذا عدن إلى بلادهن أن يواجهن مشكلات تثنيهن عن الدين الذي اخترنه. إندونيسية فضلت البقاء في كنف عائلة عُمانية، وعندما همّت الأخيرة بالاستغناء عنها، استطاعت إقناعها بأنها ستكون فرداً من أفرادها من دون أجر. احترمت العائلة المتدينة هذا القرار ولم تعد تكلفها بعمل غير الذي ترغب فيه. انتشرت "موضة" الخادمة أكثر مما ينبغي وفي بعض البيوت فاق عددهن الحاجة إليهن. وانسحب الأمر على المناطق البعيدة، فهناك أيضاً نساء عاملات، وفي إحدى القرى استخدمت عائلة خادمة في السابعة عشرة من عمرها وجميلة. لم يرق الأمر للزوجة لكنّها خافت أن تعترض لئلا يغير الزوج رأيه في المسألة برمّتها ويحرمها منها، فلازمت البيت. ثم استعارت كتباً عن المراهقة والمراهقين لتتعرّف الى مشكلاتهم وتتدارك مع القادمة الجديدة أي أمر خطير قد يحصل لها بسبب طيشها المفترض. ولا يخلو انتشار الخادمات بهذا الشكل الواسع من مشكلات يتم الحديث عنها في الصالونات على سبيل التندر أحياناً وعلى صعيد جدّي أحياناً أخرى. كما ان بعض الحوادث وصل إلى محاضر الشرطة وبعضها الآخر دفن تحت التراب، "لا من سمع ولا من دري".