تتخوف الاوساط المصرفية في مصر من استمرار المصرف المركزي في سياسته التحفظية تجاه تلبية حاجات المصارف من العملات الاجنبية وفي مقدمها الدولار، خصوصاً في ظل ارتفاع جديد للدولار أمام الجنيه في السوق الخفية. وبعد فترة من الاستقرار ومع تزايد الالتزامات المترتبة على المستوردين المصريين مع حلول الربع الثاني من السنة الجارية، بدأ الطلب على الدولار يميل الى الارتفاع في السوق غير الرسمية في مصر ليتجاوز حاجز الخمسة جنيهات ببضع عشرات من القروش. عزز مخاوف الاوساط المصرفية في الآونة الاخيرة حرص المصرف المركزي على ابراز عبر الصحافة المحلية ثناء صندوق النقد الدولي على السياسات التي تم انتهاجها منذ مطلع السنة في التعامل مع سوق الصرف. واتسمت هذه السياسات بتراجع دور السلطة النقدية في التدخل المباشر في السوق، اذ هبط الى حد كبير حجم ما يضخه المصرف المركزي من الدولارات الى البنوك. وعلى رغم ان ذلك الاتجاه كان مطلوباً من مؤسسات التمويل الدولية لتنفيذ وعودها تجاه مصر، الا انه ازعج المصارف التي اضطرت في كثير من الاحيان الى تدبير ما تحتاج اليه عن طريق السوق غير الرسمية أو اللجوء الى دور الوسيط المباشر بين عملائها لمقابلة العرض بالطلب عن طريق العمليات الجارية التي تقوم بها يومياً. وكان المؤشر الذي زاد من حدة هذه المخاوف الرقم الذي اظهره أحدث تقرير صادر عن البنك المركزي في جانب الاصول الاجنبية داخل الجهاز المصرفي المصري خلال الربع الاخير من عام 2001، الذي شهد زيادة على الربع السنوي السابق نفسه بنسبة 13 في المئة من اجمالي الاصول تمثل 5.2 بليون جنيه 543.7 مليون دولار، ما يعني ان حجم موجودات المصارف المصرية من القطع الاجنبي تزايد. وقال الخبير المصرفي محمود جمعة ان هذا يشير الى استمرار السياسة التي انتهجها البنك المركزي في التعامل مع حاجات المصارف من القطع الاجنبية وهي التحفظ طالما أن ارصدة الاصول الاجنبية لديها تشير الى نمو. وأضاف جمعة أن هذا الموقف لم يكن ليثير هذه المخاوف داخل الجهاز المصرفي لو أن النمو المحقق في جانب الاصول جرى رصده بالعملات الاجنبية المكونة نفسها لأرصدة تلك الاصول الاجنبية، مشيراً الى ان ما حدث كان اللجوء الى تقويم تلك الارصدة بالجنيه المصري الذي تعرض الى تراجع ملحوظ في سعر صرفه مقابل العملات الدولية الرئيسية، ما جعل الزيادة في جانب الاصول الاجنبية تفتقر الى الدقة المطلوبة. وأوضح انه يمكن لفروق اسعار الصرف ان تؤدي الى الزيادة السابقة المشار اليها دون نمو فعلي في ارقام تلك الاصول بالعملات المكونة لها، سواء كانت دولار او يورو او استرليني، بل ان هذه الفروق قد تغطي على تراجع محدود، وبالتالي فإن تقويم تلك الارصدة بالجنيه يمكن ان يلعب دوراً خادعاً. ولتفادي مثل هذا الوضع وحتى تتمكن وحدات الجهاز المصرفي المصري من مواجهة تحفظات البنك المركزي على تلبية حاجاتها الى القطع الاجنبي، دعا نائب المدير العام ل"المصرف العربي الافريقي" احمد سليم المصارف الى اتباع سياسات تنشيطية لتوزيع الطلب على عدد من العملات الاجنبية وعدم تركيز الطلب على الدولار. وأشار الى ان التوسع في إصدار أوعية ادخارية بالعملات الاجنبية ذات عائد مميز، كما لجأ بعض المصارف أخيراً الى إصدار أوعية ادخارية باليورو، يمكن أن يحقق نمواً في حجم موجودات الارصدة الاجنبية لدى المصارف، كما يمكن ان يعمل في الوقت نفسه على تخفيف حدة الطلب على العملات الاجنبية التي باتت تتحمل المصارف العبء الاكبر في تأمينها في ظل استمرار البنك المركزي في تحفظه على ضخ الدولار الى السوق.