كما قال شارون بعد انتخابه رئيساً للوزراء الاسرائيلي فإن حرب 1948 لم تنته، لكنها هذه المرة لن تحسم لمصلحته او لمصلحة النازيين الجدد الذين يحيطون به في الحكومة والجيش الاسرائيليين. دار الزمان بالشعب الفلسطيني ليمسك بقضيته بأسنانه ويدافع عن نفسه، على رغم ضعف الامكانات وشحّ الموارد والحصار الذي يفرضه عليه الأشقاء قبل الأعداء، وهو ما شجع شارون على المضي في خطته المجنونة لحرق الشعب الفلسطيني في هولوكوست جديدة لا نعرف كم سيكون عدد ضحاياها والجروح العميقة التي ستتركها في نفوس الفلسطينيين والعرب. لعل شارون، بحربه التي يستخدم فيها آلته العسكرية الجبارة ودعم الإدارة الأميركية رضاها التام عن المجزرة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، يزرع عميقاً بذور الحقد والكراهية والثارات. ففي كل بيت فلسطيني وعربي ينمو الثأر والرغبة في الانتقام، وفي كل بيت غضب يشبّ في الصدور على أميركا وتحيّزها السافر الوقح الى عتاة اليمين والعنصرية في اسرائيل. فماذا ينتظرون غير الكراهية بعدما بلغت بهم العنجهية والاستكبار حد تنفيذ هجومهم، بترسانة الأسلحة الضخمة المتطورة المصنّعة في أميركا، على شعب أعزل إلا من رغبته في المقاومة وتطلعه الى حرية غير منقوصة ودولة مستقلة كاملة السيادة وحق في العودة الى وطنه الذي شرّد منه؟ فلسطين تُقصف الآن: مدنها ومخيماتها وقراها وبيوتها تدمّر، وشوارعها تُنبش بحثاً عن زهرة المقاومة، ويُعدم أبناؤها بدم بارد وفاشية عزّ نظيرها، وتُقطع عن منازلها المياه والكهرباء، ويُفرض عليها منع التجول، ويجوع أطفالها. لكنها تقاوم وترفض الاستسلام لجنازير دبابات الميركافا وطائرات الأباتشي. أبناؤها يُقادون الى معسكرات الاعتقال النازية الجديدة، بطبعتها الاسرائيلية، وتُطلق عليهم النار بوحشية لا أدري من أين أتى بها هؤلاء الجنود المدججون بالحقد والكراهية. صبي فلسطيني، من رام الله، مصاب بسرطان الدماغ عذّبوه حتى الموت ونبشوا جسده وطعنوا رأسه بحراب بنادقهم ثم أفرغوا كل رصاص بنادقهم في قلبه ثم رموه في الشارع. ستة أطفال صغار من بيت لحم قتلت قوات التتار الاسرائيلية الزاحفة جدتهم وعمهم ومنعوهم من الخروج مع أمهم وظلوا ينظرون الى جثتي الجدة والعم فيما أمهم تحشرهم في الحمام حتى لا تتمزق قلوبهم من هذا المشهد الوحشي الذي لن ينسوه ما ظلوا أحياء على وجه البسيطة. فهل هناك ما هو اكثر نازية مما يفعله الاسرائيليون؟ يسأل المرء نفسه من أين يجيء كل هذا الحقد فلا يحير جواباً. عرفت البشرية هذه الوحشية من قبل، في هجمات التتار المتوالية على المنطقة، وفي الحملات الصليبية، وفي الغزو النازي والفاشي للعالم، لكن شارون تفوق على الجميع في جنونه ودمويته. يريد ان يستأصل شعب فلسطين ويواصل مجازر قبية وبيروت. مدّ له الفلسطينيون أيديهم بالسلام فأطلق عليهم النار معتقداً ان على الشعب الفلسطيني ان يرحل عن ارضه لأن هذه هي شروط السلام من منظور شارون، ف"العربي الميت خير من العربي الحي" كما هو الخطاب الصهيوني التقليدي. لكن شعب فلسطين باق في أرضه. 1948 لم تنته أيضاً بالنسبة للفلسطينيين لكنها ستكلل بالصمود والنصر في نهاية الليل الذي طال حتى لم نعد متيقنين ان الفجر سيبزغ في لحظة من اللحظات. ان التاريخ يعلمنا ان المستعمر يرحل في النهاية مخلفاً وراءه خراباً كبيراً.