يردد عدد من المسؤولين الإسرائيليين منذ مدة تهديدات بتطوير الحرب المعلنة ضد الشعب الفلسطيني وسلطته في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين الى حرب اشد ضراوة وشراسة إذا لم يوقف الفلسطينيون انتفاضتهم ومقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي، مؤكدين عزمهم على جعل هذه الحرب بمثابة استكمال لحرب عام 1948، التي استولوا خلالها على 78 في المئة من اراضي فلسطين وطردوا غالبية الشعب الفلسطيني خارجها، وذلك عبر ما يوصف بإعادة احتلال اراضي الضفة والقطاع المحتلة منذ عام 1967 لإجبار مواطنيها على الهجرة واللجوء الى الدول العربية المجاورة خصوصاً الأردن تحت ضغط المجازر والأهوال التي تستعد القوات الإسرائيلية لارتكابها. وكشفت مصادر إسرائيلية في هذا السياق عن ان قادة الجيش الإسرائيلي يعكفون على دراسة المجازر والسياسات التي اتبعها النازيون ضد اليهود لتطبيقها ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع. بداية، يمكن الادعاء ان تصريحات المسؤولين الإسرائيليين هذه هي مجرد تهديدات تعكس فشل حكومة شارون ومنهجه الدموي في قمع الانتفاضة وإسكات المقاومة الفلسطينية، وفشله بالتالي في جلب الأمن الذي وعد الإسرائيليين به. فالمسؤولون الإسرائيليون، وبدل ان يعترفوا بفشلهم ويقروا به وبدل ان يتراجعوا عن حربهم الحالية وبدل ان يقبلوا بالعودة الى طاولة المفاوضات السلمية مع السلطة الفلسطينية، يهربون الى الأمام مهددين بالمجازر البشعة وباستكمال حرب 1948 لجهة طرد الفلسطينيين من اراضي الضفة والقطاع تمهيداً لإعلان ضمها من اجل اخافة الفلسطينيين ودفعهم الى الرضوخ والتسليم بالشروط الشارونية المقيتة، إلا ان هذا الادعاء، على رغم ما فيه من ملامح صدق يبقى مجرد ادعاء، إذ ان تتالي تصريحات المسؤولين الإسرائيليين من سياسيين وعسكريين ومجمل سياسات الحكومة الإسرائيلية منذ 1948 وحتى الآن تدفع بأن حكومة إسرائيل الراهنة بزعامة آرييل شارون المعروف بحقده على الفلسطينيين والعرب وبجنون العظمة المسيطر عليه ليصبح ملك اسرائيل، قد تندفع فعلاً الى وضع هذه التهديدات موضع التنفيذ. على الصعيد الإسرائيلي فإن الدعوة لاستكمال حرب 1948 نجد جذورها وأبرز تجلياتها في: اولاً - المشروع الذي قدمته حكومة إسرائيل برئاسة ديفيد بن غوريون الى لجنة التوفيق الدولية في ايار مايو 1949 حين ادعت: 1- ان الحدود الدولية لفلسطين ايام الانتداب البريطاني تعتبر حدوداً طبيعية لدولة اسرائيل. 2- تكون المنطقة الوسطى لفلسطينالضفة الغربية استثناء موقتاً تحت السلطة العسكرية الأردنية الى حين التسوية. ثانياً - تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن بين عامي 1977 و1983 و سياساته القائلة إن اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة اراضٍ اسرائيلية حررتها القوات الإسرائيلية عام 1967، ورفضه القاطع في اثناء المفاوضات مع مصر آنذاك مبدأ منح المواطنين الفلسطينيين في الضفة والقطاع حكماً ذاتياً كاملاً يشمل الأرض والسكان وإصراره على منحهم حكماً ذاتياً يشمل السكان فقط بزعم ان الأرض ملك للإسرائيليين وأن الفلسطينيين مجرد مقيمين طارئين عليها. ثالثاً - رفض حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ 1967 وحتى الآن اعتبار اراضي الضفة والقطاع اراضي فلسطينية محتلة ورفضها الاعتراف بأن إسرائيل قوة احتلال. رابعاً - اصرار إسرائيل منذ 1967 وحتى الآن على متابعة السياسات الهادفة الى ضم القدسالشرقية وجعلها مع القدس الغربية عاصمة موحدة لها، وعلى متابعة السياسات الهادفة الى التوسع الاستيطاني الدائم في الضفة والقطاع. خامساً - اصرار حكومة اسرائيل منذ 1993 وحتى الآن على وصف انسحاب القوات الإسرائيلية من مدن وبلدات الضفة والقطاع بموجب اتفاقات اوسلو بأنه اعادة انتشار وليس انسحاباً من تلك الأراضي. قد يركب شارون رأسه ورأس جيشه ويمضي قدماً نحو محاولة تحقيق الحلم الإسرائيلي باستكمال حرب 1948 لجعل حدود اسرائيل هي حدود فلسطين في زمن الانتداب. وقد هدد هو نفسه بذلك، وتبعه آخرون، بينهم موشيه يعلون نائب رئيس الأركان الإسرائيلي الذي ابلغ صحيفة هاآرتس ان اسرائيل مشتكبة في حملتها الأشد منذ عام 1948 ضد الفلسطينيين بمن فيهم السكان العرب في اسرائيل، وأن الحملة الراهنة هي النصف الثاني لحرب عام 1948. لقد مضى على احتلال إسرائيل للضفة والقطاع نحو 35 سنة، وعلى رغم ما قامت به خلالها من اجراءات تهويد وضم واستيطان واسع النطاق، وعلى رغم ما ادعته في شأن اعتبار الضفة والقطاع اراضي اسرائيلية محررة، لم تستطع ان تقنع احداً في العالم بما في ذلك الأميركيون بأن الضفة والقطاع اراض اسرائيلية، ولم تستطع ان تحول دون استمرارية النضال الفلسطيني وتطور هذا النضال من اجل التخلص من الاحتلال الإسرائيلي وبناء الدولة الفلسطينية. وإذا ما ركب شارون رأسه لاستكمال حرب 1948 اليوم فإنه بقدر ما يهدد الفلسطينيين يهدد الإسرائيليين ايضاً. فالمواجهات في الضفة الغربية والقطاع بين القوات الإسرائيلية وجموع الشعب الفلسطيني، وما يمكن ان تتطور إليه لا توحي بإمكان انتصار إسرائيلي ساحق او كبير. فاستكمال حرب 1948 من وجهة النظر الإسرائيلية او العودة الى تلك الحرب من وجهة النظر الفلسطينية قد تخدم الفلسطينيين بإعادة طرح كامل لقضيتهم استناداً الى قرار التقسيم عام 1947 بدل ان تبقى مطروحة كما هي الآن استناداً الى القرار 242. فقد تعلم الشعب الفلسطيني من تجربته التاريخية ان الصمود في الأرض والدفاع عنها والتضحية في سبيلها هي الأساس والمنطلق لوجوده اليوم وانتصاره غداً، الأمر الذي يعني إلغاء أو شطب الرهان الإسرائيلي على إمكان دفع فلسطينيي الضفة والقطاع الى الهجرة واللجوء، كما في عام 1948. * كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.