دخلت "حرب الارادات" بين الفلسطينيين والحكومة والجيش الإسرائيليين مرحلة جديدة مع تكثيف الحملة العسكرية الإسرائيلية على مدينتي جنين ونابلس اللتين وصفتهما الأجهزة العسكرية الإسرائيلية بأنهما تشكلان "قمة الإرهاب الفلسطيني"، في حين تحاول إسرائيل تطويع لقاء المبعوث الاميركي الجنرال المتقاعد انتوني زيني مع الرئيس ياسر عرفات لفرض شروطها على الفلسطينيين شعبا وقيادة بالنار والقتل لاستباق تداعيات زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول للمنطقة الأسبوع المقبل. وعلمت "الحياة" من مصادر مطلعة ان الحكومة الاسرائيلية تسعى، وبدعم اميركي، الى تحويل عرفات الى "رئيس فخري" وتجريده من صفته الشرعية العملية كرئيس للشعب الفلسطيني، وذلك وفقا لمخططات اعلنت قبل اسابيع. بعد اجتماع استمر نحو 90 دقيقة بين المبعوث الاميركي الجنرال المتقاعد انتوني زيني والرئيس ياسر عرفات في مقر الاخير المحاصر في رام الله، اعلن كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات ان اجتماعا "موسعا" بين اعضاء في القيادة الفلسطينية وزيني سيجري لاحقا الجمعة بناء على توجهيات عرفات للبحث في آليات تنفيذ قرار مجلس الامن الاخير الرقم 1402 بعد ان رحب الفلسطينيون بما ورد في خطاب الرئيس جورج بوش ووافقوا علىه "من دون شروط". واكد امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس ابو مازن ل"الحياة" ان اللقاء سيجري في القدس من دون مشاركة الاسرائيليين. ومن المرجح ان يشارك عريقات وعدد من رؤساء الاجهزة الامنية الفلسطينية في هذا اللقاء، في حين اعلنت مصادر اسرائيلية ان شارون ابلغ زيني رفضه عقد اجتماع بين مسؤولين فلسطينيين والجنرال الاميركي في القدس. ومنع الجنود الاسرائيليون الذين يحاصرون مقر عرفات عددا كبيرا من الطواقم الصحافية العالمية من الوصول الى المقر وتغطية لقاء زيني - عرفات الذي مُنع مسؤولون فلسطينيون من المشاركة فيه. واطلق الجنود القنابل الصوتية والعيارات النارية باتجاه المصورين والصحافيين بمن فيهم طاقم شبكة التلفزة الاميركية "سي ان ان" وارغموهم على مغادرة الموقع فيما اقتيد افراد طواقم اخرى بعد احتجازهم الى مستوطنة "بيت ايل" المجاورة تمهيدا لابعادهم عن رام الله. وجاء الاجراء تمشيا مع سياسة شارون ضد عرفات المتمثلة بعزله ومنع المصورين من التقاط صور له اثناء اجتماعه مع زيني والذي كسر فيه ولو بشكل جزء قرار "العزل التام". وعلمت "الحياة" ان عرفات ابلغ زيني استعداده لتنفيذ خطة "تينيت" الامنية بحذافيرها من دون اضافات او تعديلات، وانه اصدر توجيهاته الى المفاوضين الفلسطينيين في هذا الخصوص. وقالت مصادر فلسطينية ان زيني تعهد السماح لعرفات لاحقا بالاتصال هاتفيا مع اعضاء القيادة الفلسطينية الموجودين خارج المقر المحاصر. وكان وزير الخارجية الاميركي كولن باول هاتف عرفات فجر امس "بصعوبة" بعد ان رفعت سلطات الاحتلال الاسرائيلي التشويش المسلط على الهواتف النقالة في مقر عرفات. وقالت مصادر اسرائيلية ان زيني نقل "مطلبا" اسرائيليا لعرفات يتضمن تهديدا مفاده انه ما لم يسلم افراد الخلية الفلسطينية المتهمين باغتيال وزير السياحة الاسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي ومدير الشؤون المالية في السلطة فؤاد الشوبكي لاسرائيل، فان الحكومة "ستتخذ الاجراءات المناسبة لاعتقالهم". وتقول اسرائيل ان هؤلاء موجودون مع الرئيس الفلسطيني في مقره المحاصر، فيما بنفي الفلسطينيون ذلك. واعتبر الوزير الفلسطيني نبيل عمرو اجتماع زيني مع عرفات "كسرا جزئيا" للحظر الذي يفرضه شارون على نشاط عرفات، مضيفا انه "خطوة بسيطة من جانب الاميركيين"، فيما شجب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون بشدة أمس ما ورد على لسان مسؤول أميركي كبير من دعوة الى التعامل مع مسؤولين فلسطينيين آخرين، إضافة الى عرفات. واعتبر الزعنون في تصريح صحافي في عمان نقلته وكالة "فرانس برس" ان ما دعا اليه بوش "تدخلا غير مشروع في الشؤون الداخلية للشعب الفلسطيني"، مشددا على "الشرعية التاريخية لعرفات". وحذر من ان اي "تفكير في قيادة بديلة يعتبر استسلاما للسفاح شارون وحلفائه يرقى الى درجة الخيانة العظمى ولن يوجد داخل شعبنا من يتجاوب معها". وفي سباق مع الزمن وبعد ان المح قادة عسكريون اسرائيليون الى انه لم يتبق للحملة العسكرية واسعة النطاق ضد الاراضي الفلسطينية في ضوء التطورات الديبلوماسية، امر رئيس اركان الجيش الاسرائيلي شاؤول موفاز ضباط جيشه بانهاء "مهمتهم" في اسرع وقت ممكن بما في ذلك اقتحام مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين والبلدة القديمة في نابلس، وهما منطقتان تصفهما اسرائيل بانهما تشكلان "قمة الارهاب". ونقلت مصادر اسرائيلية عن موفاز قوله للجنود قبل بدء هجومهم على نابلس ان ما يجري هو "حرب الدفاع عن البيت". 20 شهيدا ... وحرق دبابة وتلاحقت في ضوء هذه الاوامر العسكرية عمليات قتل الفلسطينيين، اذ اشارت الاحصاءات الاولية الى استشهاد 12 فلسطينيا في نابلس وثمانية في بلدة طوباس القريبة من جنين بينهم طفلة وامراة وستة من المطلوبين الفلسطينيين تم تفجير المنزل الذي كانوا فيه على ما يبدو. كذلك قتل ما لا يقل عن خمسة جنود اسرائيليين واصيب خمسة اخرون بجروح مختلفة وصفت جراح احدهم بانها بالغة في المعارك الضارية التي شهدها مخيم جنين وحي القصبة في نابلس. واكد شهود انه تم تفجير دبابة اسرائيلية على مدخل القصبة وان النيران شوهدت تتصاعد منها فيما لم يتمكن الجنود من اخلاء من فيها بسبب كثافة النيران الفلسطينية. ودفن موظفو المستشفى في جنين جثث سبعة من الشهداء في ساحة المستشفى بعدما تعذر وضعهم في ثلاجات الموتى التي لا تتسع الى الى اربعة شهداء. وتعذر احصاء الشهداء والجرحى بسبب الحصار الصارم والاوامر المشددة بمنع طواقم الاسعاف من التحرك، اضافة الى القصف الذي تعرض له مستشفيان في المدينة، في حين اكد شهود وجود ثلاثة شهداء على الاقل في الشوارع. محاولة اغتيال ونجا احد قادة حركة "الجهاد الاسلامي" في مدينة الخليل بأعجوبة من محاولة اغتيال نفذتها مروحية حربية اسرائيلية، فيما اصيب خمسة فلسطينيين من بينهم امراة وطفل بجروح وثالث اعلن انه في حالة موت سريري جراء القصف الذي طاول سيارتين مدنيتين وسط المدينة المكتظة بالسكان. وفي بيت لحم، ما يزال 300 فلسطيني من بينهم رجال دين ومقاتلون وافراد شرطة مدنية محاصرين داخل كنيسة المهد حيث بات الموت جوعا وعطشا يتهددهم. وقال احد الموجودين في الكنيسة ان الجميع يهدد باضراب مفتوح عن الطعام الى ان يتم فك الحصار، مؤكدين انهم لن يسلموا انفسهم. كذلك افادت مصادر في الامن الفلسطيني ان الجيش الاسرائيلي اعتقل 70 فلسطينيا في بيت لحم خلال الايام الثلاثة الماضية تم وضعهم قيد الحبس في مقر قيادة عرفات في المدينة. فتح معتقل "كتسعوت" واعلنت مصادر عسكرية اسرائيلية اعادة فتح معسكر اعتقال جماعي لنحو 1300 معتقل فلسطيني في صحراء النقب في معتقل "كتسعوت" الذي ضم معتقلي الانتفاضة الاولى قبل 11 عاما. وقالت انه تم تجميع 1300 بندقية من الفلسطينيين وعبوات ناسفة واحزمة ناسفة كما اكتشف مصنع للعبوات الناسفة في نابلس. وفي غزة أ ف ب، شارك الاف الفلسطينيين في مسيرات وتظاهرات انطلقت بعد ظهر امس تضامنا مع عرفات وتعبيرا عن رفض "العدوان" والاحتلال الاسرائيلي، وذلك تلبية لدعوة من لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والاسلامية في قطاع غزة. ورفع المشاركون اعلاما فلسطينية ورايات القوى الفلسطينية خصوصا حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" وحركة "فتح". كذلك نظمت حركة "حماس" مسيرة شارك فيها اكثر من ثلاثة الاف شخص في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة تقدمها مؤسس الحركة الشيخ احمد ياسين وجابت شوارع المخيم. وقال الشيخ ياسين في كلمة القاها امام المشاركين "ان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية جورج تينيت يريد ان يوقف المقاومة ورفع الرايات البيضاء ويبقي الاحتلال على ارضنا ويبقي 5 ملايين لاجئ في الشتات"، مضيفا: "لا يمكن ان نقبل هذه الخيارات الظالمة وسنستمر في جهادنا ونؤكد اننا اقوى من العدو ودباباته وصواريخه". كما شارك اكثر من الف فلسطيني في مسيرة مماثلة نظمتها حركة "حماس" في رفح جابت شوارع المخيم والمدينة وتمركزت في ميدان العودة وسط رفح وسط هتافات تندد ب"الاحتلال الاسرائيلي وعمليات التوغل والقتل المستمرة ضد الشعب". وشارك في هذه المسيرة عشرات الملثمين والمسلحين.