«الإحصاء»: ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 19.7 % في نوفمبر 2024    «الأرصاد»: أمطار متفاوتة الغزارة على معظم مناطق السعودية من اليوم حتى الإثنين القادم    استشهاد فلسطينيين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنين    استراتيجية جديدة ونقلة نوعية قادمة لاتحاد التايكوندو    مغادرة الطائرة السعودية ال12 لإغاثة الشعب السوري    «أكاديمية الإعلام» تبحث تطوير الكفاءات الوطنية    «عكاظ» تكشف تفاصيل السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري    من «دافوس».. «الجبير» يبحث التعاون المشترك مع البيرو والأمم المتحدة    اتحاد بنزيما «شباب وعميد»    ولي العهد للرئيس الأمريكي: توسيع استثمارات السعودية مع الولايات المتحدة ب 600 مليار دولار    بين «الجوادي» و«الحاتمي».. أحلامُ خيطٍ رفيع    «ميناء القصيم الجاف» نقلة لوجستية إستراتيجية    السعودية تستعرض ثمار رؤيتها 2030    الفيصلي يستقبل الجبلين.. وجدة ضيفًا على الجندل    «كايو سيزار» يكمل أجانب الهلال    مهرجان الخرج للتمور    الزميل رابع سليمان يجري عملية جراحية    "بن مريخان" يحتفي بزواج حبيب    حرائق أمريكا.. هل من مُدَّكِر؟!    أمير الشرقية يستقبل الفائزين من "ثقافة وفنون" الدمام    مدير الأمن العام يستقبل نظيره الجزائري    1000 معتمر وزائر من 66 دولة هذا العام.. ضيوف» برنامج خادم الحرمين» يتوافدون إلى المدينة المنورة    رئاسة الحرمين تفعّل مبادرة «توعية قاصدينا شرف لمنسوبينا»    أمانة الشرقية تنجز مشروعات تطوير الطرق    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    البازعي ل«عكاظ»: الجيل الحالي نشأ في فضاء أكثر انفتاحاً ووعياً بأهمية الحوار    حائل تطلق برنامج «المراقبين المدربين»    «فيفا».. عروس الجبال والمطلات الساحرة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي ينهي معاناة مراجع مع مضاعفات عملية تحويل المسار بجراحة تصحيحية نادرة ومعقدة    3587 عملية قلب مفتوح وقسطرة في صحي جازان    مستشفى الرين يحقق قفزة نوعية في «2024»    مختل «يذبح» جاره في مصر.. مصدر أمني ل«عكاظ»: القاتل يهذي بكلمات غير مفهومة    أمير الرياض يطّلع على جهود مركز ذوي الإعاقة بالحمراء    هندسة الحروب بين الشعوب!    في نجاح الأعمال ليس للصمت مكان    سعود بن نايف يكرم الداعمين لسباق الشرقية الدولي للجري    قرعة كأس آسيا تحت 17 عاماً تسحب اليوم    شهقة ممصولة    وصية المؤسس لولي عهده    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    ندوة الإرجاف    المجتمع السعودي والقيم الإنسانية    ثقافة الابتسامة    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    مسؤولون: الجيش الأميركي يستعد لإرسال 1500 جندي إضافي إلى الحدود    وزير العدل يلتقي السفير الصيني    نموذج الرعاية الصحية.. الأثر والرعاية الشاملة !    مستشفى الملك فهد الجامعي يجدد اعتماد «CBAHI» للمرة الرابعة    اختتام المخيم الكشفي التخصصي على مستوى المملكة بتعليم جازان    فرنسا تبدي قلقا كبيرا إزاء «تصاعد» التوترات الأمنية في الضفة الغربية    "ملتقى القصة" يقدم تجربة إبداعية ويحتضن الكُتّاب    الفن التشكيلي السعودي في كتاب    "لسان الطير"    رابطة العالم الإسلامي تعزي تركيا في ضحايا الحريق بمنتجع بولاية بولو    حسام بن سعود: التطوير لمنظومة العمل يحقق التطلعات    بدء أعمال المرحلة الثانية من مشروع تطوير الواجهة البحرية لبحيرة الأربعين    الأمير محمد بن ناصر يدشن المجمع الأكاديمي الشرقي بجامعة جازان    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حال حرب دائمة
نشر في الحياة يوم 04 - 04 - 2002

لا داعي لمناشدة الإدارة الاميركية التدخل، فكلما كثرت "التوسلات" العربية كلما تلذذ جورج بوش بهذه اللعبة النيرونية. انه يعتبر حرب شارون فصلاً من ثأر اميركا ل11 ايلول سبتمبر، ولا يرى في تضحيات الشعب الفلسطيني سوى أنشطة ارهابية، لذا فهو يراهن على جرائم الحرب الاسرائيلية لتكون حرباً بالواسطة لا يلوث الاميركيون أيديهم فيها لكنهم يباركونها ويعطونها الوقت الكافي لارتكاب أكبر قدر من الفظاعات. فالأعمال القذرة تتطلب جنرالات قذرين مثل شارون وموفاز وبن اليعيزر، وتستعين بوجوه قذرة أمثال بيريز ونتانياهو وحتى... المدعو توماس فريدمان.
آخر "ابداعات" هذا الأخير انه يطالب الإدارة الاميركية باعتبار الزعماء العرب، الذين تسمي صحافتهم منفذي العمليات الاستشهادية "شهداء"، أشخاصاً غير مرغوب فيهم في الولايات المتحدة. هذا الصحافي والكاتب تحول، كعادته في الأوقات الاسرائيلية الصعبة، الى قاتل في "فرق الموت والاغتيال" الاسرائيلية، يضع قلمه وعقله في خدمة جرائم شارون مصفقاً لذبح الفلسطينيين، لمحاصرتهم وتجويعهم وإذلالهم، لقتل الأسرى منهم بدم بارد، لقصف الكنائس والمساجد، لإطلاق الرصاص على سيارات الاسعاف، لدهم المستشفيات وتصفية الجرحى، لمنع دفن الشهداء، لإهانة الصحافيين وترهيبهم واطلاق النار عليهم. وبعد ذلك سيكتب ان "أصدقاءه" من العرب هاتفوه أو راسلوه واتفقوا معه في معظم ما يقول. فإما انه كاذب، واما انه سادي لا يصادقه الا من يرغبون في جلد ذواتهم. ومرة عاتبه أحد هؤلاء الاصدقاء على تطرفه ولاموضوعيته، فأجابه: لا بد ان أكون مع "قبيلتي"!
ما يحدث أمام أبصار العالم واسماعهم ليس سوى تكرار مستهجن لوحشية اسرائيلية لا تنفك تنتج نفسها. لكن الفضيحة في ما يجري ان دولة عظمى تتنكر لالتزامات اخذتها على عاتقها وادعت دائماً ان السلام هو استراتيجيتها في الشرق الأوسط. دولة عظمى ارتضت وترتضي - بإلحاح يشابه المرض - ان يجرها حليفها الاسرائيلي الى خديعة للعرب، خديعة رسمية موثقة. فما يفعله شارون الآن كان يتردد في تصريحات الاسرائيليين على هامش "مؤتمر مدريد"، وظلوا يرددونه على الدوام. لقد صدّق الفلسطينيون وهم السلام واندفعوا اليه، وسعوا الى جعله حقيقة يعيشونها ويطمحون الى ان يعيشها الاسرائيليون معهم. لكن هؤلاء لم يفهموا السلام يوماً سوى إدامة للاحتلال، ولم يتوقعوا من الشريك الفلسطيني سوى الخضوع لهذه الرغبة وقبولها كأمر واقع وحتمية لا مفر منها.
خرج مجرم الحرب شارون يوم الأحد ليقول للعالم انه ماض في جريمته، متزيناً بشعارات استعارها مراراً من مصطلحات جورج بوش في حربه على الارهاب. قبل ذلك كان الرئيس الاميركي قد باركه وشجعه على إكمال المهمة، ولم يطلع بعدئذ أي صوت اميركي للتمايز عن شارون، فحتى كولن باول لم يتبرع بأي كلمة على سبيل التمويه، فهو اصبح شارونياً بدوره ولم يعد ليقنع أحداً بأنه مختلف. الصوت الأعلى في مجلس الأمن القومي الاميركي هو صوت شارون، وكل من في المجلس ينافس ليكون اكثر شارونية، يتساوى في ذلك ديك تشيني مع دونالد رامسفيلد وكوندوليزا رايس. وعذرهم في النهاية ان شارون يقوم بعمل تود الولايات المتحدة ان تؤديه بنفسها لكنها لا تتحمل تبعاته المعنوية الباهظة. انه "مقاتل ضد الارهاب"... وهذا هو المقياس الآني لل"قيم" الاميركية. في عهود سابقة كانت واشنطن تمجد أي عميل لها فتخلع عليه لقب "مقاتل من أجل الحرية"، وكان العملاء ممن يرتكبون أبشع أنواع الارهاب، ولكن لمصلحة اميركا، لذا كانوا موضع تبجيل ومؤازرة.
ينسى عباقرة الإدارة الاميركية، او يتناسون، ان مجرمهم المفضل يتحرك ضمن برنامجه هو وليس برنامجهم هم، اذا كان هناك فعلاً من فارق بين الاثنين. فهو يختبئ وراء شعار "محاربة الارهاب" ليجهز على "عملية سلام" لم يؤيدها يوماً. وما يجري الآن لن ينهي المقاومة الفلسطينية، سواء سماها حاخامات الادارة "ارهاباً" أو ارتضوا بتسميتها "مقاومة" أو انعشتهم الذاكرة ليروا فيها "كفاحاً من أجل الحرية" ايضاً. في حرب افغانستان، وعلى رغم طابعها الثأري البحت، حاول الاميركيون عدم التعرض للمدنيين وركزوا وحشيتهم على المقاتلين. في حرب شارون، انهم لا يبالون بالارهاب الذي يمارسه الجيش الاسرائيلي ضد المدنيين. ويبررون ذلك بالعمليات الاستشهادية التي تنال عادة من المدنيين. هذه الرؤية المحدودة تجاهلت وتتجاهل خمسة عقود من الزمن كان فيها المدنيون الفلسطينيون يومياً ضحايا للارهاب الاسرائيلي ولا يزالون حتى هذه الساعة.
يقال ان ثمة احراجاً - صدقوا أو لا تصدقوا - تعانيه الإدارة الاميركية، لأن حليفها المجرم يخوض حرباً بلا أي أفق ولا أي هدف. ومع ذلك فهي تؤيده، مع علمها بأنه يدمر في هذه الحرب كل احتمالات العودة الى التفاوض أو احياء لعملية سلام كانت واشنطن نفسها قد طرحتها ودعت اليها العرب والاسرائيليين. المسألة باتت تفوق مجرد الاحراج والتواطؤ والانحياز، فواشنطن في سبيلها الى تأييد الاسرائيليين في استراتيجيتهم التي اتضحت معالمها الآن. انهم لا يريدون أي سلام على الاطلاق ويفضلون العيش في حال حرب دائمة. فمجتمعهم المعسكر لن "يهضم" ابداً التخلي عن "الأراضي" أي المحتلة طبعاً. وجيشهم لن يحتفظ بمعنوياته الا اذا وجد "متنفسات" في اضطهاد الغير. مثل هذه الحال الدائمة تبعد عن اسرائيل نفسها خطر الحرب الاهلية. فلتقع مثل هذه الحرب، اذاً، عند العرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.