As'ad Abukhalil. Bin Laden, Islam andAmerica's New War on Terrorism. بن لادن، الاسلام وحرب اميركا الجديدة على الارهاب. Seven Stories Press, New York. 2002. 106 pages. إذا كان من الطبيعي ان يثير إعتداء الحادي عشر من ايلول سبتمبر غضب الشعب الاميركي ونقمته، فإنه لمن غير المستهجن ان يثير الردّ الاميركي، سواء جاء على صورة قول او فعل، حفيظة غير الاميركيين، خاصة من العرب والمسلمين. فإذا ما حدث ان كان المرء اميركياً من اصل عربي، او مسلم، او مزدوج الهوية شأن مؤلف هذا الكتاب، فلا بد ان يشمله إحساس بالغضب مزدوج المصدر: الاعتداء الارهابي بذاته من جهة اولى، ومن جهة اخرى سياسة الانتقام التي انتهجتها الادارة الاميركية رداً على الاعتداء، فضلاً عن التصريحات والتحليلات المتحاملة جهلاً، او العنصرية احياناً، التي ما انفك إعلاميون وسياسيون يطلقونها بحق الثقافة العربية والاسلامية. فلا عجب اذا ما إنساق الباحث الاميركي، اللبناني الاصل، اسعد ابو خليل الى مثل هذا الغضب وسارع الى إنشاء سرد موجز يضع الامور في نصابها الصحيح. فيزمع الباحث ردّ ما جرى منذ حادثة الاعتداء الى السياق السياسي التاريخي الذي إنبثق منه اي سياسات الشرق الاوسط عموماً، مفنّداً بذلك آراء ومزاعم قائمة على تصنيف اخلاقي ساذج وغير تاريخي. فمثل هذه الآراء انما ظهرت كحملة دعائية تهدف الى تبرير سياسة كسياسة "الحرب على الارهاب"، لن يدفع ثمنها الاكبر سوى الابرياء الذين لا يختلفون من حيث الجوهر عن ضحايا نيويورك انفسهم. المشكلة الوحيدة امام غرض نبيل كهذا، ان سرداً إنفعاليّ الواعز يهدف الى الرد على ما يشبه الحملة الدعائية، غالباً ما يأتي على صورة دعاية مضادة - اي على صورة لا تسلم من عيوب الدعاية السياسية نفسها: الاختزال والاجتزاء، التعميم، المبالغة وكل ما من شأنه البرهان على صحة ما يرغب الدعائي البرهان على صحته. وهذا ما يقع فيه كتاب ابي خليل الراهن. فهو يأخذ على الاعلاميين والسياسيين الغربيين جنوحهم الى الاختزال، غير انه سرعان ما يقع هو نفسه في شرّ الاختزال. فيستهل ابو خليل السرد بإدانة إستخدام سياسيين وإعلاميين لمقولتي "الاسلام" و"الغرب" من حيث انه إحالة الى كل منهما بإعتبارة كتلة متماسكة ثابتة الجوهر. لكنه، وفي غير مناسبة واحدة، لا يتورع عن الاشارة الى الغرب تبعاً لهذه الاحالة بالتحديد. وهو اذا ما صدق في حجته ضد "المركزية الثيولوجية"، اي تفسير كلام افراد وجماعات اصولية ومتطرفة، بالاستناد الى نصوص دينيّة وتراثية ذات سلطة ونفوذ القرآن الكريم والحديث النبوي، فإنه هو نفسه لا يتوانى عن رد بعض المواقف الغربية المتحاملة ازاء المسلمين الى "خطاب صليبي" ما انفك، بحسب تقدير المؤلف، يتحكم بتصورات ومفاهيم الغربيين حيال المجتمعات الاسلامية: "انه لمن اللافت للنظر ان الجذور الايديولوجية للحملات الصليبيّة حُفظت على ما كانت عليه حتى حلول الازمنة الحديثة". وعند باحثنا الغاضب، فإن جلّ الاحكام والآراء الانفعالية الغربية، والمتحاملة، انما هي من مظاهر "اسلاموفوبيا" ]خُواف حيال الاسلام[ مستمدة من الاستشرق نعم! ذلك الاستشرق الملعون مرة اخرى!. فيبدو، بالنسبة الى الباحث الكاره للإختزال والاجتزاء، كأن إحتلال او حتى تدمير السفارات الاميركية في غير بلد عربي واسلامي، هو من صنيعة المستشرقين. بل ان خطف المدنيين الاوروبيين والاعتداء على السياح منهم، بل نعت بلد بأسره ب"الشيطان الاكبر" وحرق علمه في كل مناسبة - او الى ما هنالك من افعال تخالف القوانين الدولية والاعراف الانسانية، وهي افعال إقترفتها جماعات متطرفة بإعتزاز شديد - ما هي الاّ من نتائج اساءة التصوير التي ما انفك المستشرقون المغرضون يقترفونها. ويكاد المؤلف ان يعتبر اي موقف او رأي غربي تجاه المسلمين من قبيل حكاية "الاسلاموفوبيا" هذه. فإذا ما نبّه كولن باول زعماء العالم الاسلامي الى ضرورة التبرؤ من افعال المتطرفين الاسلاميين، فإن موقفه هذا يُأوّل، من قبل المؤلف، على انه موقف عداء غربي راسخ للاسلام، طالما ان تحذير وزير الخارجية الاميركي لم يقترن بتحذير مماثل الى قادة المسيحيين واليهود من مغبة افعال المتطرفين منهم. فالباحث الذي يأخذ على الآخرين ميلهم الى التعميم، لا يتورع عن الدعوة الى تعميم مضادّ الجمع ما بين كافة الاصوليات في الوقت نفسه، وحيث يروقه الأمر. فيتجاهل الكاتب حقيقة ان الاصوليات المختلفة وإن تشابهت تكوينياً وايديولوجياً، فإن نفوذ كل منها، وخطره، قد يتفاوتان ما بين مجتمع وآخر وما بين حقبة تاريخية واخرى. ويدّعي ابو خليل انه علماني، وانه تبعاً لذلك عازم على ردّ ما جرى الى اسباب تاريخية، سواء كانت ثقافية ام سياسية ام إقتصادية، اي وعلى ما سبق القول، ردّ حادثة الحادي عشر من ايلول وما تلاها الى سياسات الشرق الاوسط: تاريخها وتناقضاتها مما يجهل القارىء، او المتلقي الاميركي أمره. ولكن حيث ان دافع الدعاية المضادة هو الذي يدفع السرد عنده، فإنه لا يجد مناصاً من إلقاء تبعة هذه السياسات المختلفة على سياسة بلد واحد: السياسة الخارجية الاميركية، خاصة تجاه الشرق الاوسط. فتبعاً لتصوير المؤلف فإن سياسات الدول الصديقة للولايات المتحدة، سواء كانت سياسة اسرائيل ام باكستان، إنما هي امتداد للسياسة الاميركية. وحتى حينما لا يجد دليلاً ملموساً على تورّط الولاياتالمتحدة في احد الاسباب التي ادت الى الازمة الراهنة شأن دعم حركة طالبان وابن لادن، فإنه لا يتورع عن القاء اللوم عليها طالما ان هذه من نتائج سياسة اصدقائها في المنطقة. اذ حيث لا تكون الولاياتالمتحدة متورطة تورطاً مباشراً، فإنها بحسب تحليل المؤلف، متورطة بالوكالة او حتى بالشبهة. ولا تقل الولاياتالمتحدة مسؤولية عن سياسة النُظم والجماعات المعادية لها. فهذه انما هي ردّ فعل على السياسة الخارجية الاميركيّة. وما حالة العداء العربية والاسلامية المزمنة لكل ما هو اميركي الاّ نتيجة محنة الفلسطينيين ومعاناة العراقيين طبعاً لا يغفل الكاتب عن عزف الاغنية المألوفة بأن المجتمعات العربية والاسلامية لم تعرف النوم منذ نصف قرن بسب ما حاق بالفلسطينيين، اولاً، وبالعراقيين، لاحقاً. واميركا مسؤولة عن ذلك، بحسب تقديرات المؤلف، فهي التي تدعم إسرائيل وتحاصر العراق، هذا بالاضافة الى حمايتها نُظماً عربية فاسدة وجائرة، وغير شرعيّة، في الاحوال كافة. فيذهب الى الزعم بأن نُظماً كالكويتي او الاردني او المصري او المغربي او التونسي ما كانت لتدوم لولا حماية الولاياتالمتحدة لها. ولا غرابة اذا ما خلص المؤلف الى الظن بأن "الحرب على الارهاب" انما هي مظهر من مظاهر السياسية الخارجية الاميركية ذاتها تجاه الشرق الاوسط. وفي النهاية، فإن كل ما صدر من اقوال وافعال عن هذه السياسة، منذ الحادي عشر من ايلول وحتى اليوم، اقرب الى تكرار الى ما قيل وحدث خلال الاعوام، بل العقود، السابقة. ولعل هذا ما يجيز لنا السؤال التالي: اذا لم يكن ثمة جديد في ما قيل وحدث اليوم، فلماذا المؤلف غاضب الآن؟ ربما هو ليس بغاضب ابداً! وإنما يتظاهر بالغضب املاً منه في تغطية عيوب بحثه الصغير هذا. فلا بد ان ابا خليل، الفخور بسجله الاكاديمي، يدرك في طوية نفسه ان ما يأتيه في هذا الكتاب متواضع من الناحية الاكاديمية وغير الاكاديمية على السواء. فجلّ مزاعمه وحججه انما هو تكرار لما سبق وقاله معارضو السياسة الاميركية، سواء ممن يعرفون اللغة العربية او اية لغة شرقية اخرى او لا يعرفون. فالكاتب كان قد زعم في البداية انه، وخلافاً لجل المعلقين الغربيين، سيعمل على إستثمار معرفته اللغة العربية في سبيل تقديم تحليل مغاير للشائع، السطحي والمتحامل عموماً. غير ان استناده الى مصادر عربية غالباً ما جاء هامشياً وعابراً، وفي احسن الاحوال يدل على ان الكاتب يجيد العربية، وانه كاميركي من اصل عربي من حقه ان يقدم القول الفصل في شأن ما جرى، حتى وان كان هذا القول مجرد تكرار لما قاله غيره.