أمطار متوسطة إلى غزيرة على 4 مناطق    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هذال بن سعيدان    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    البليهي: مشكلة الاتحاد انه واجه الهلال وكل المدافعين في اتم الجاهزية    وزير الاتصالات: بدعم ولي العهد.. المملكة تقود أعظم قصة في القرن ال 21 في الشمولية وتمكين المرأة    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    غزة.. الاحتلال يبيد العائلات    أمريكا: نحذر من انهيار البنوك الفلسطينية    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    الهلال يكسب الاتحاد بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    خادم الحرمين لملك البحرين: نعزيكم في وفاة خالد آل خليفة    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    للأسبوع الثاني.. النفط يواصل صعوده    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    "طويق" تحصل على شهادة الآيزو في نظام الجودة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    أحلامنا مشروع وطن    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    لعبة الاستعمار الجديد.. !    فأر يجبر طائرة على الهبوط    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    نسخة سينمائية من «يوتيوب» بأجهزة التلفزيون    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    يوم مجيد لوطن جميل    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    مسيرة أمجاد التاريخ    الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل".. الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل"    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    الابتكار يدعم الاقتصاد    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    شرطة الشرقية: واقعة الاعتداء على شخص مما أدى إلى وفاته تمت مباشرتها في حينه    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



16 شهراً على حكومة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري . اجراءات تشبه اعادة ترتيب المقاعد على متن التايتانيك
نشر في الحياة يوم 08 - 03 - 2002

"تشبه الاجراءات الاقتصادية والمالية للحكومة اللبنانية عملية اعادة ترتيب الكراسي على متن التايتانيك!"، هكذا رد أحد أكبر خبراء مؤسسة "ستاندرد اند بورز" الدولية للتصنيف والاستشارات المالية على وزير المال فؤاد السنيورة الذي كان يشرح كيف ستنهض الحكومة بالبلاد وتريح العباد من وطأة أزمة الدين العام. وفي مقام آخر، قال وزير المهجرين مروان حمادة: "ان ما يقوم به رئيس الحكومة رفيق الحريري يسمح لنا بالعوم وان كنا نبلع بعض المياه في تخبطنا". وقبل هذا وذاك، دق رئيس البنك الدولي جيمس وولفنسون ناقوس الخطر المحدق بلبنان قبل نحو 14 شهراً حين وصف الوضع المالي ب"السفينة المثقوبة".
إذاً المشهد مائي بامتياز، وربما كان حقيقياً إذا أضفنا اليه تلاوين الاحتقان السياسي والنقابي والطالبي ناهيك عن تأفف أصحاب العمل وبرودة المستثمرين. ومع ذلك تصر الحكومة على بث ترانيم التفاؤل بعودة لبنان مركزاً تجارياً سياحياً ومالياً لا يضاهى في المنطقة. وهي تستخدم لذلك اعلاماً يسابقها في المزايدة على قاعدة "البلد ماشي والشغل ماشي ولا يهمك". لكن نظرة سريعة لانجازات الحكومة في مدى 16 شهراً من عمرها تظهر أن الإعلام أرنبي فيما الاجراءات سلحفاتية. كيف ذلك؟
سقطت حكومة الرئيس سليم الحص قبل نحو 17 شهراً غداة الفوز الساحق لكتلة الرئيس الحريري في انتخابات صيف العام 2000. ومن دون الدخول في أسباب فوز هذا وسقوط ذاك، يمكن القول أن أملاً جديداً بعث في نفوس اللبنانيين بعودة الحريري الى السلطة لأسباب متعلقة بقوة الرجل الإعلامية والمالية وعلاقاته الدولية الواسعة فضلاً عن "الكاريزما" التي يتمتع بها وطاقته في أخذ الأمور بصدره بخطاب تفاؤلي يبسّط المشكلات ويؤجل حلها ويسطح العقبات من دون تجاوزها. ولطالما أثر ذلك في نفوس الراغبين بالسفر من دون تذكرة، إذ لطالما كان اللبناني راغباً بسفر كهذا. وكيف لا، وهو الذي بنى مجده على الوساطة والمضاربة والربح والشطارة. وتسلح الحريري بزخم انتخابي كاسح عززه بتحالفات سياسية مع كتلتي الزعيم وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري ولم يفته اجراء تسوية مع رئيس الجمهورية اميل لحود... فتمخضت التحالفات والتسويات عن تأليف حكومة سياسية فضفاضة عدداً ورحبة كماً من هذا الحدب وذاك الصوب.
وانطلق العمل بعناوين اصلاحية صوّرت للناس على أنها جذرية وفيها قاد البلاد الى بر الأمان على قاعدة عودة النمو والبحبوحة للجميع، علماً ان المشكلة الأساس تكمن في تدهور وضع المالية العام تحت أعباء الدين العام وخدمته وارتفاع اكلاف القطاع العام.
وتكاد الاجراءات والقوانين والقرارات والمراسيم لا تعد ولا تحصى. وحسبنا هنا ذكر عدد منها أو أبرز ما فيها من دون استنسابية كبيرة لنقف من كثب على النتائج التي أفضت اليها وتبيان الغث من الثمين. ولا يمكن في هذا المقام الطلب من اللبنانيين الانتظار لأن 16 شهراً تعد فترة كافية لتلمس الاصلاح المرجو على كل المستويات.
فتح الأجواء وخفض الجمارك
اخترق الحريري جدار الصمت فور تسلمه مقاليد الحكومة بفتح الأجواء. فسمح لشركات الطيران العربية والأجنبية بارتياد مطار بيروت ونقل الركاب الى لبنان ومنه من دون قيود تذكر. والسبب الموجب الأول هو زيادة عدد السياح. وبعد عام على القرار تبين ان عدد الرحلات زاد بنسبة 3 في المئة وعدد المسافرين 4 في المئة. وهذه النسب تقترب من نسب النمو الطبيعية لحركة مطار بيروت الدولي، علماً أن أحداث 11 أيلول سبتمبر أفادت لبنان استثنائياً لجهة استقباله شرائح جديدة من السياح الخليجيين كانت تقصد أوروبا وأميركا لقضاء عطلاتها. ومع ذلك بقيت نتيجة فتح الأجواء متواضعة.
ثم خفضت معدلات الجمارك على نحو أذهل المراقبين خوفاً على الخزينة العامة من فقدان موارد الرسوم التي تعد الرافد الأول لمالية عامة مرهقة بالديون. فهلَّل التجار وغضب الصناعيون. وسوِّقت الخطوة على أنها ستسير بلبنان سريعاً نحو تحوله الى مركز للتسوق والتجارة في المنطقة على غرار امارة دبي. وساد كلام عن تجربة الامارة - المثل واستطاعتها تشكيل نقطة استقطاب تجاري وسياحي وترفيهي ومركز أعمال واستثمارات على رغم مناخها وطبيعتها. والمقارنة أفضت الى استنتاج بسيط أو مبسَّط مفاده ان لبنان مؤهل مناخاً وطبيعة وبشراً للعب هذا الدور من جديد بعدما أتت الحرب على ما اتفق على تسميته سويسرا الشرق طوال الستينات والخمسينات. والى جانب خفض الرسوم أقر قانون جديد وعصري لإدارة الجمارك يتفق وقواعد عمل "منظمة التجارة العالمية" والهدف تسهيل التجارة أيضاً وازالة كل معوقاتها أيضاً وأيضاً.
أما النتائج فكانت زيادة في قيمة المستوردات بنسبة 17 في المئة وفي قيمة الصادرات 24 في المئة. لا شك في أن هاتين النسبتين شكلتا علامتين فارقتين خلال العام 2001. لكن تتعين الاشارة في هذا المجال الى توضيحين: الأول هو ملاحظة ارتفاع الاستيراد بنسب زادت على 50 في المئة خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي في محاولة من التجار والمستوردين لزيادة مخزونهم عشية مواسم الأعياد ومهرجان التسوق وبدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة... والثاني هو عدم انعكاس خفض معدلات الجمارك بما متوسطه 25 في المئة خفضاً مماثلاً في الأسعار. فقد أكدت دراسة ميدانية لوزارة الاقتصاد والتجارة ان اسعار السلة الغذائية والاستهلاكية انخفضت بنسبة 6.5 في المئة فقط. وتبخر الفارق ليفيد منه التجار والوسطاء.
إذاًَ، تكدس المخزون ولا بد من انتظار جلاء غبار ضريبة القيمة المضافة للوقوف على حقيقة ارتفاع الطلب وبالتالي الاستهلاك. وتحقق جزئياً شعار تحويل لبنان الى مركز للتسوق لأن السائح يستطيع استرداد ضريبة القيمة المضافة عند مغادرته، أما المقيم فقد استفاق من حلم خفض الرسوم ليغطس في اضغاث كابوس ضريبة جديدة تلتهم أجره المجمد مند العام 1996. وعلى رغم ارتفاع قيمة الصادرات بواقع 170 مليون دولار، فإن العجز التجاري أي الفرق بين قيمتي الاستيراد والتصدير بلغ 6400 مليون دولار أي بزيادة نسبتها 17 في المئة عن العجز التجاري في العام 2000. ويعني ذلك ضغطاً اضافياً على ميزان المدفوعات الذي ظهر عاجزاً بواقع 1170 مليون دولار العام الماضي اثر الطلب المتزايد على الدولار لسد هذا العجز. علماً ان الضغط على الليرة تفاقم خلال العام الماضي اثر ضغوط أمنية واحتقانات سياسية ليبلغ تدخل مصرف لبنان في سوق القطع 4000 مليون دولار.
صندوق الضمان الاجتماعي
وفي الاجراءات الأولى للحكومة أيضاً كان خفض معدلات اشتراكات أصحاب العمل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي توخياً لخفض كلفة الانتاج وزيادة تسجيل الأجراء والعمال في الصندوق. لكن الاجراء بقي من دون مفاعيل تذكر لأن من كان مكتوماً أي غير مصرح عنه في الضمان بقي مكتوماً. ونسبة غير المصرح عنهم زادت على 50 في المئة من اليد العاملة المفترض شمولها بتقديمات الضمان الاجتماعي. أما كلفة الانتاج وان انخفضت قليلاً لكنها لم تنعكس انخفاضاً في الأسعار لأن زيادات سعر صفيحة البنزين 25 في المئة محت أي اثر مرجو في بنية الأكلاف الانتاجية أو المعيشية. الى ذلك فشلت الحكومة في تحريك مستنقع الضمان الراكد منذ عشرات السنين. فلا ضمان الشيخوخة تحقق ولا توسعت شرائح المستفيدين من التقديمات وساءت جودة تلك التقديمات بفعل غياب المكننة. كما سقطت الحكومة في امتحان تعديل نظام نهاية الخدمة والغاء مستحقات بذمتها للصندوق قيمتها 1000 مليار ليرة ولم تفلح في مشروع شطب مستحقات تسويات نهاية الخدمة التي على عاتق أصحاب العمل وقيمتها 1500 مليار ليرة. وأكثر من ذلك نشبت خلافات سياسية حول تعيين مدير عام للصندوق كادت تودي بالعلاقات الرئاسية الميمونة.
الاصلاح الاداري
أما الاصلاح الاداري فبقي حبراً على ورق، إذ ان الخطوة اليتيمة التي اتخذت في وزارة الإعلام وتلفزيون لبنان لجهة صرف فائض العمالة فيهما لم تؤتِ ثمارها لأن من صنِّف فائضاً بقي على رأس راتبه وان لم يكن على رأس عمله! وإذا كان الفائض الاسمي لأن الفعلي أكبر بكثير في القطاع العام حدد بنحو 5 آلاف موظف وعامل وأجير ومتعاقد فإن الطبقة السياسية مترددة في كيفية التعاطي معه وتتقاذف كرة ناره الملتهبة لحسابات انتخابية ربما. وشددت المؤسسات المالية الدولية على ضرورة الاسراع في الاصلاح الاداري أو تحجيم القطاع العام لأن كتلة الرواتب والأجور والملحقات التابعة لهما من تقاعد ونهاية خدمة وتعويضات مختلفة تلتهم نحو 45 في المئة من الموازنة. وتلك هي نسبة جديرة بنظام اشتراكي أو رعائي فيه موارد نفطية. ولا يمكن لبلد مثل لبنان الاستمرار في تحملها في ظل دين عام تلتهم فوائده فوائده فقط كل الايرادات، ليبق الانفاق على الموظفين على عاتق المقرضين أي أننا نقترض لدفع رواتب القطاع العام.
وعندما تجرأت الحكومة ودعمت مجلس ادارة شركة طيران الشرق الأوسط في عملية صرف الفائض تكلفت نحو 100 مليون دولار في نظام تعويضات وصفه صندوق النقد الدولي بالباهظ الثمن. وبعد أكثر من 6 أشهر على مخاض الصرف لا تزال العملية تجر ذيول خيبة ليس أقلها عدم دفع مستحقات بعض المصروفين.
ملف الخصخصة
وفي ملف الخصخصة، استهلت الحكومة مقاربة هذه العملية التي تعوِّل عليها كثيراً لإطفاء جزء من الدين العام البالغ 29 بليون دولار باستخدام عائدات بيع المرافق العامة في سداد الديون. وهي تتخبط منذ تشكيلها في مقاربة خصخصة الكهرباء والهاتف فضلاً عن المطار والمرافئ وادارة حصر التبع والتنباك ومصافي النفط وكازينو لبنان وغيرها من المرافق العامة. ففي شباط فبراير 2001 قررت الحكومة تكليف مؤسسة مالية دولية درس أوضاع مؤسسة كهرباء لبنان ثم الدخول كشريك استراتيجي في ادارتها. وحدد تشرين الأول أكتوبر موعداً للتنفيذ لكن شيئاً من هذا القبيل لم ينجز. وأكثر من ذلك تجاذب السياسيون اطراف هذه المؤسسة حتى مرت فترات ظلام دامسة في مدى أكثر من 100 يوم العام الماضي. أما مشروع قانون تنظيم القطاع تمهيداً لتحريره وخصخصته فهو عالق في المجلس النيابي منذ عدة أشهر بعدما علق في وزارة الطاقة طيلة السنة الماضية. وشأنه في ذلك شأن مشروع قانون الاتصالات الذي يمهد لخصخصة القطاع بعد تحريره، فقد مضى أكثر من 14 شهراً على بدايات المشروع ولم ير النور حتى تاريخه. وتعترض المشروعين عقدة العمال والموظفين. إذ ان هناك أكثر من 5 آلاف وظيفة مرشحة للالغاء ولم تتوافر الجرأة السياسية بعد لاتخاذ القرار المناسب في شأنها وشأن التعويضات المطلوبة لها. ومن دون أن يتم ذلك بأكلاف معقولة وفتح الباب واسعاً أمام القطاع الخاص لدخول قطاعي الكهرباء والهاتف لا يمكن لعملية الخصخصة ان تتم.
وساد التخبط أيضاً في قطاع الهاتف الخلوي، فبعد الاتهامات المتبادلة بين السياسيين حول الملف ومن يستغله على حساب الخزينة ومصلحة المستهلك، قررت الحكومة فسخ العقود مع الشركتين الملتزمتين المرفق منذ 1995. وحددت 15 كانون الأول ديسمبر موعداً لطرح مزايدة دولية لبيع رخصتين للشركتين العاملتين أو لغيرهما والقرار اتخذ منتصف العام 2001. وحتى الآن يراوح الملف مكانه على وقع تهديدات بالتحكيم وطلب تعويضات خيالية للشركتين جرّاء فسخ العقود. حتى ان بعض التقديرات تشير الى ان التعويضات المطلوبة تساوي ثمن رخصتي الاستثمار 20 سنة أي ان الدولة تبيع المرفق وتخرج بخفي حنين. أو تبيعه للشركتين بسعر مشكوك فيه سلفاً لأن عائدات الخلوي مجزية للخزينة، والمرفق سيعود للدولة بعد عامين وفقاً للعقود المبرمة في 1995 على أساس B.O.T أي البناء والتشغيل ثم التحويل الى ملكية الدولة.
أما خصخصة المطار فتراوح مكانها منذ 15 شهراً أي منذ تحويل مشروع قانون خاص بها وبتنظيم قطاع الطيران المدني الى المجلس النيابي. وحال خصخصة المياه أسوأ حالاً لأن القانون أقر منذ العام 2000 لكن مراسيمه التنظيمية لم تنجز بعد ولم تتشكل المؤسسات وفقاً للقانون ضم أكثر من 42 مصلحة مياه في 4 مؤسسات فقط لإدارة مياه الشفة والصرف الصحي. والانتظار سيد الموقف أيضاً في ملف المرافئ إذ ان دراسات هذا القطاع لم تنجز بعد وتطلب الأمر من الوزارة المعنية 14 شهراً لتقرر تلزيم تلك الدراسة لجهة دولية علماً ان البنك الدولي وغيره من الجهات المعنية محلياً ودولياً درس امكان خصخصة هذه المرافق منذ زمن بعيد.
خلاصة القول في هذا الملف ان الحكومة أضاعت 16 شهراً من دون أن تبدأ بإطلاق عملية تعد الأساس في برنامج عملها المعلن منذ تشكيلها. ويقول الخبراء ان الخصخصة عملية معقدة وان انجازها يتطلب وقتاً طويلاً اعتباراً من وقت اطلاق صفارة البدء بها. وقد تكون الفترة المطلوبة، الفاصلة بين الاطلاق والحصول على نتائج، 18 شهراً على الأقل في ضوء تجارب بلدان كثيرة. ويعني ذلك أنه لو أطلقت الخصخصة اليوم فإن الحكومة لن تحصل على أولى نتائجها المرجوة قبل منتصف العام 2003. وفي هذه الأثناء كون الدين العام زاد 20 في المئة على الأقل معدل نمو الدين العام سنوياً يراوح بين 14 و16 في المئة أي بواقع 3.5 بليون دولار علماً ان الحكومة تتوقع من الخصخصة عائدات قيمتها 5 بلايين دولار فقط كما جاء في نموذج قُدِّم الى صندوق النقد الدولي لثلاث سنوات.
ومن القرارات التي لم تنفذ وقف استخدام محركات المازوت في السيارات العمومية. فقد مضى على ذلك القرار نحو 8 أشهر على الأقل ودرجات التلوث تزيد في بيروت حتى أضحت عاصمة لبنان أشد تلوثاً من أي عاصمة عربية محيطة.
وفي الاخفاقات أيضاً مشروع جر الغاز المصري الذي طنت به الحكومة ورنت كثيراً قبل سنة، ومشروع تلزيم مصفاتي طرابلس والزهراني يجرجر ذيول التردد. فبعدما نشرت اعلانات مناقصات في الصحف سحبت هذه الاعلانات والغيت المناقصات لأسباب لم توضحها وزارة الطاقة.
الاستثمارات وتملك الأجانب
وفي غياهب الوقت المهدور أيضاً، صدور قانون جديد للاستثمار فيه حوافز واعفاءات قلَّ نظيرها في المنطقة من دون صدور المراسيم التنظيمية اللازمة له. فقد مر على اقرار القانون العتيد 7 أشهر على الأقل ومنذ تاريخه وهو منسي في أدراج المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار التي انطلقت هي الأخرى في مشروع لدعم الصادرات الزراعية الذي سرعان ما توقف لأن وزارة المال أوقفت التحويلات اللازمة له. وللانصاف يمكن تسجيل بعض القرارات التي أتت ثمارها وان خجلاً. وأبرزها زيادة دعم القروض للقطاعات الانتاجية الا ان ذلك لم يزد فرص العمل على نحو يمكن معه محو آثار الصرف الجماعي من العمل في القطاع الخاص باتا وغندور وبون جوس واترنيت والترابة اللبنانية وبيبسي وفندق السمرلند....
وللانصاف أيضاً، يمكن القول ان القانون الجديد لتملك الأجانب سمح ببيع أكثر من 1.5 مليون متر مربع في نحو أقل من سنة لرعايا عرب من عائلات مالكة أو ثرية. الا ان لهذا الجانب آثاراً ايجابية مؤجلة الى حين البناء على هذه الأراضي أو استثمارها لخلق فرص عمل جديدة.
ولا يمكن نسيان توقيع لبنان اتفاق شراكة مع أوروبا في كانون الثاني يناير الماضي. علماً ان مفاعيل هذا الاتفاق مؤجلة هي الأخرى حتى تستطيع الصناعة والزراعة اللبنانية رفع مستوى مواصفاتها وزيادة كميات انتاجها لتستطيع الوقوف في وجه منافسة السلع والمنتجات الأوروبية الزاحفة على لبنان من دون أي عائق. وهناك فترات سماح تراوح بين 5 و12 سنة حتى يستطيع لبنان الوقوف من كثب على نتائج هذه الشراكة.
في الخلاصة، أضاعت الحكومة وقتاً ثميناً في اجراءات كانت أشبه بقنابل صوتية. ولم تنجح، حتى تاريخه، على الأقل في الوقوف أمام اكتساح الدين العام وخدمته كل مقومات النهوض. وما العجز المنخفض نسبياً في 2001 مقارنة بعجز 2000 إلا وهماً لأن صندوق النقد الدولي كشف تلاعباً بالأرقام في انفاق "هستيري" أقدمت عليه الحكومة في شهري تشرين الثاني وكانون الأول 2000 أي غداة تشكيلها الأمر الذي زاد نسبة عجز تلك السنة على نحو لا يمكن معه المقارنة الصحيحة. أما العجز المقدر في موازنة العام الجاري فتغيب عنه نفقات للعام الثاني أبرزها للمستشفيات الخاصة والاستملاكات والبلديات وكهرباء لبنان والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 2000 بليون ليرة على الأقل. وإذا كانت الحكومة توقعت نمواً نسبته بين 3 و5 في المئة للعام 2001 وخابت التوقعات مرة أخرى لأن أشد التقديرات تفاؤلاً لا تشير الى نمو يزيد على 1.4 في المئة، فإن النمو الموعود لهذا العام سيكون اسمياً في ظل تضخم ستورثه ضريبة القيمة المضافة.
تبقى الاشارة الى ان الأسواق المالية الدولية تتأثر بقرارات مثل خفض معدلات الفائدة في الدقيقة التي تلي هذا الخفض، ويتغير مزاج المستهلكين على الفور تأثراً بذلك وتتذبدب اسعار الأسهم تلقائياً وتبنى سيناريوهات وتوقعات أدق اثر قرار كهذا. أما في لبنان فالانتظار سيد الموقف منذ 16 شهراً... وربما كان اللبنانيون يلعبون في الوقت الضائع انتظاراً لمؤتمر باريس - 2... وتلك هي قصة أخرى في التأجيل والاخفاق.
* صحافي لبناني.
غياب الرؤية في مناخ الاستثمار
من دعائم برنامج عمل الحكومة اللبنانية تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي لدفع معدلات النمو اي تكبير الناتج ليقوى على الدين العام نسبة الدين الى الناتج الآن 175 في المئة. لكن معوقات الاستثمار في لبنان كثيرة وليس أقلها ارتفاع أكلاف الإنتاج مقارنة بتلك التي في بعض الدول المحيطة.
فمتوسط الحد الأدنى للأجور في لبنان 200 دولار اميركي شهرياً في مقابل 40 في مصر و112 في الأردن و60 في سورية. أما كلفة الضمان الاجتماعي فهي 5،21 في المئة من الأجر على عاتق صاحب العمل في مقابل 14 في سورية و11 في الأردن و25 في مصر.
وترتفع كلفة الإنتاج الصناعي والزراعي والسياحي في لبنان على نحو كبير لأن أسعار الطاقة فيه الأعلى في المنطقة. فسعر طن الفيول 245 دولاراً في مقابل 94 في مصر و102 في الأردن و120 في سورية. اما سعر الكيلووات/ ساعة كهرباء فهو 09،0 سنت في لبنان في مقابل 02،0 في مصر و05،0 في الأردن و02،0 في سورية. وتمارس تلك الدول سياسات لتشجيع الاستثمار تراوح بين الإعفاء من ضريبة الدخل من خمس الى 10 سنوات ومنح القروض المدعومة الفوائد والأراضي بأسعار رمزية أو مؤجرة بأسعار زهيدة لعشرات السنين. أما في لبنان فيقف سعر العقار حائلاً دون الاستثمارات الصناعية والزراعية الكبيرة. إذ ان هذا السعر يعد ليس الأعلى في المنطقة وحسب بل بين الأعلى في العالم. وفي جانب ارتفاع كلفة الإنتاج ايضاً غلاء أسعار الاتصالات في لبنان ولا سيما الدولية منها وأسعار استخدام الإنترنت التي تزيد اضعافاً عدة عن مثيلاتها في مصر وسورية والأردن.
وزاد اللجوء الى اليد العاملة الأجنبية على نحو مثير خلال السنوات القليلة الماضية من سورية ومصر وسيريلنكا وإثيوبيا والهند وبنغلادش... حتى زاد عدد هؤلاء على المليون عامل اي أقل من ثلث السكان بقليل. وأضحى لبنان بذلك قريباً في هذا المعدل من بعض المعدلات المشابهة في دول الخليج مع فارق مستوى المداخيل والموارد.
وللحد من ارتفاع كلفة الإنتاج قامت الحكومة بخطوات أبرزها زيادة دعم القروض لقطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والتقنيات الحديثة في مجالات الكومبيوتر والمعلوماتية. وخفضت معدلات اشتراكات صاحب العمل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأنشأت الشباك الموحد لإنجاز التراخيص في المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار ايدال ودعمت تصدير المنتجات الزراعية. وكل ذلك في ظل تجميد للأجور مستمر منذ العام 1996. لكن التشوهات الهيكلية في الاقتصاد اللبناني تمنع الإفادة من هذه الحوافز اذ ان القطاع الخاص فاقد الثقة بالحكومة وينعتها دائماً بالهدر لا سيما في جانب فائض العمالة. وهو أي القطاع الخاص يلجأ الى التهرب الضريبي في ما يشبه "الرياضة الوطنية". فعلى سبيل المثال قدمت الشركة التي تملك احد اكبر الفنادق في بيروت موازنة للعام 2001 فيها خسائر قيمتها 3 بلايين ليرة في الوقت الذي كانت نسبة إشغال الفندق 72 في المئة العام الماضي، علماً ان ضريبة الأرباح في لبنان تعد بين الأدنى في المنطقة، ومع ذلك لا تساوي قيمة ضرائب الدخل والأرباح ما نسبته 3،2 في المئة من الناتج فقط.
ولا تزال الاستثمارات العربية منجذبة الى القطاعين العقاري والسياحي دون غيرهما من القطاعات. فالتراخيص التي منحت من خلال الشباك الموحد في مؤسسة "ايدال" العام الماضي شملت ما نسبته 80 في المئة مشاريع في القطاعين المذكورين في مقابل 20 في المئة فقط للزراعة والصناعة وغيرها من القطاعات الاستثمارية. اما الاستثمار الأجنبي فيتركز في فتح مكاتب تمثيل لشركات تجارة ومقاولات وخدمات استشارية وهندسية. علماً ان هذا الإقبال خفّ في السنتين الماضيتين بعدما بدأت المؤسسات المالية الدولية تدق ناقوس خطر الدين العام كل الاقتصاد اللبناني. وعلى سبيل المثال يحذر صندوق النقد الدولي من محدودية قدرة المصارف اللبنانية على الاستمرار في اقراض الحكومة 75 في المئة من الدين العام محمول من الداخل. اما تقرير مؤسسة "كوفاس" الفرنسية المعنية بجس نبض الأسواق الدولية بهدف دعم الصادرات والاستثمارات الفرنسية في الخارج، فيقول عن لبنان في العام 2002 "وصل الدين العام الى مستويات غير مقبولة والقطاع المصرفي مهدد بتسرب ودائعه، والإمعان في تثبيت سعر صرف الليرة وتقويمها اعلى مما تساوي في مقابل الدولار يعمّق أزمة فقدان تنافسية الصادرات اللبنانية في الوقت الذي يزداد فيه العجز التجاري. ويضيف: وفقدان الرؤية السياسية والأمنية في المنطقة يثقل كاهل الأعمال في لبنان. وفي نصيحة للمستثمر الأجنبي يشير تقرير "كوفاس" الى تفاقم أزمة محيط الأعمال في لبنان في ما يشبه المعضلة: ففي وقت تتحسن فيه البنى التشريعية قانون حماية الملكية الفكرية وقانون جديد للاستثمار وآخر للجمارك فضلاً عن تشريعات مخصصة لمكافحة تبييض الأموال... تتعمق أزمات أخرى مثل غياب الإصلاح الإداري وتطبيق القوانين استنسابياً وتقلب بعض التشريعات وغياب الرؤية الواضحة في الإجراءات وتفشي الفساد... وكل ذلك يهدد الاستثمارات المحلية والأجنبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.