على رغم تأكيدها على ضرورة خفض انبعاثات الغازات لحماية البيئة من ظاهرة الاحتباس الحراري، ناشدت صناعة النفط الكندية الحكومة في أوتاوا اعادة التفاوض على "بروتوكول كيوتو" أسوة بالموقف الأميركي معززة بذلك احتمال قيام مواجهة حادة بين أميركا الشمالية والاتحاد الأوروبي، الذي أعلن أخيراً نيته المصادقة على الاتفاق بوضعه الراهن منتصف السنة الجارية لكنه يحتاج الى تضامن كل الدول الغربية لضمان التزام عالمي. أعلن اتحاد منتجي النفط الكندي وغرفة التجارة الكندية، في عملية تحديد مواقف نهائية من بروتوكول كيوتو، أن السياسة التي تتبناها الحكومة الكندية من مسألة تغير المناخ لا بد أن تضمن الحفاظ على تنافسية الصناعات الكندية. وحذر الطرفان في مؤتمر صحافي مشترك في كالغاري أول من أمس من أن تطبيق بنود البروتوكول دون تعديل سيؤدي الى نزوح رأس المال الأجنبي ويلحق بالاقتصاد الكندي خسائر تراوح بين 30 و40 بليون دولار ونحو نصف مليون فرصة عمل غالبيتها في قطاع النفط والغاز. وسبق أن شككت الحكومة الكندية على لسان وزير البيئة ديفيد أندرسون في تقديرات الخسائر التي تعتقد أنها لن تزيد على خمسة بلايين دولار، وأعلنت نيتها المصادقة على الاتفاق قبل موعد انعقاد قمة مجموعة الدول الثماني في كندا أواخر حزيران يونيو المقبل، الا أن ممثلي صناعة النفط اتهموا الحكومة باتخاذ قرارها من دون اعداد خطة واضحة تقوم على التنسيق مع الصناعات وتراعي مصلحة الاقتصاد الكندي. ولعبت الحكومة الكندية دورا بارزاً في المفاوضات التمهيدية التي أثمرت بروتوكول كيوتو عام 1997 والتزمت خفض انبعاثات الغازات الستة المتهمة بالتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري ستة في المئة تحت مستواها المسجل عام 1990 في الفترة من 2010 الى 2012، بينما يعتقد ممثلو الصناعة أن هذا الالتزام سيضطر كندا الى أجراء خفض فعلي يراوح بين 20 و30 في المئة ويقتطع من معدل نمو الناتج المحلي 2.5 في المئة بحلول سنة 2010. وطالبت غرفة التجارة الكندية الحكومة صراحة باعادة التفاوض على البروتوكول لمضاعفة الفترة الزمنية المحددة لتطبيق بنوده أو التخلي عنه كلياً واستبداله بخطة وطنية تتوافق مع مصالح الاقتصاد الكندي، مشيرة الى أن المناخ الاستثماري في كندا سيتضرر لصالح الشريكين التجاريين في أميركا الشمالية، الولاياتالمتحدة التي رفضت بنود كيوتو والمكسيك التي يصنفها الاتفاق دولة نامية ويعفيها بالتالي من المشاركة في جهود خفض انبعاثات الغازات. وتظهر أحدث التقديرات عام 1999 أن الصناعات الكندية والمستهلكين يصدرون 151 مليون طن متري من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً. وتشكل هذه الكمية الضخمة 2.5 في المئة فقط من اجمالي انبعاثات الغازات في العالم، لكن انضمام كندا الى الولاياتالمتحدة في رفض بروتوكول كيوتو وتبني خطة وطنية بديلة سيرفع هذه النسبة الى 35.3 في المئة وينذر بمواجهة حادة بين أميركا الشمالية والاتحاد الأوروبي الذي لا تزيد مساهمته في الانبعاثات العالمية على 24.2 في المئة. وكانت الدول ال 17 الموقعة على بروتوكول كيوتو اتفقت ضمنياً على أن سريان مفعول الاتفاق يستوجب مصادقة ما لا يقل عن 55 عضواً من أعضاء معاهدة الأممالمتحدة الخاصة بتغير المناخ على أن يكون من ضمنها الدول الصناعية المسؤولة عما لا يقل عن 55 في المئة من انبعاثات الغازات في سنة الأساس 1990، وشكلت أميركا بمفردها نحو 33.8 في المئة من اجمالي الانبعاثات العالمية في السنة المذكورة. وارتفعت الانبعاثات الأميركية بنسبة 13.4 في المئة في الفترة من 1990 الى 2000 بينما سجلت الانبعاثات العالمية زيادة بنسبة تقترب من 17 في المئة، مساهمة في الحفاظ على الانبعاثات الأميركية كنسبة مئوية من دون تغير كبير، اذ قدرت ادارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأميركية حجم الانبعاثات الأميركية في أميركا عام 2000 بنحو 1.906 بليون طن متري، ما يعادل 32.8 في المئة من اجمالي الانبعاثات العالمية التي بلغت آنذاك 5.806 بليون طن. وبحساب التزامها خفض انبعاثاتها بنسبة ستة في المئة عن مستواها عام 1990 سيكون على الولاياتالمتحدة احداث خفض فعلي قد يصل الى 38 في المئة 590 مليون طن سنة 2010 في حال حافظت على معدل الزيادة السنوية التي سجلتها انبعاثاتها في الفترة من 1990 الى 2000 وهو 1.3 في المئة سنوياً. لكن ادارة الرئيس جورج بوش الابن التي تخشى أن يقتطع بروتوكول كيوتو من الناتج المحلي 400 بليون دولار و4.9 مليون فرصة عمل رفضت البروتوكول وطرحت خطة وطنية بديلة منتصف الشهر الماضي. ووعد الرئيس بوش في خطته، التي قال في بيان انها تقدم بديلاً أفضل عن بروتوكول كيوتو، خفض الانبعاثات الأميركية بنحو 500 مليون طن بحلول سنة 2010، لكنه أسقط الصفة الالزامية لجهود الخفض وربط هذه الجهود بنمو الاقتصاد، اذ أعلن أن هدف مبادرته يتمثل في خفض معدل انبعاث الغازات من 183 طناً لكل مليون دولار من الناتج المحلي السنة الجارية الى 151 طناً لكل مليون دولار سنة 2012. وتعرضت خطة الادارة الأميركية لانتقادات حادة من قبل الاتحاد الأوروبي واليابان ومنظمات حماية البيئة لكنها حظيت بتأييد صناعة النفط الأميركية، اذ أعلن معهد النفط الأميركي أن مبادرة الرئيس بوش التي وعدت بتقديم حوافز سخية لتشجيع الصناعة الأميركية على خفض انبعاثات الغازات بجهد طوعي أصابت في التركيز على تطوير تقنيات جديدة لخفض انبعاثات الغازات من دون إلحاق الضرر بالاقتصاد.