أثار توقيع حزب الامة اتفاقا باعادة العلاقات مع "الحركة الشعبية لتحرير السودان" جدلا واسعا بين القوى السياسية السودانية هدد خلاله الحزب الحاكم بمعاملة حزب الامة مثل حزب المؤتمر الشعبي الذي اعتقل زعيمه الدكتور حسن الترابي بعد توقيعه اتفاقا مع "الحركة الشعبية" بزعامة العقيد جون قرنق، "اذا ثبت ان الاتفاق يدعو الى اسقاط النظام بالقوة". وفيما اعاد الاتفاق فتح ملف الخلاف داخل حزب الامة وجه قيادي بارز في المؤتمر الشعبي انتقادات لاذعة الى رئيس القطاع السياسي في حزب الامة مبارك المهدي. وقال "نحن على اطلاع على اسرار محاربة المهدي الحكومة من خلال التجمع وتفاوضه معها في الوقت ذاته". وبدأت الازمة الجديدة بعد توصل مبارك المهدي الى اتفاق مع قرنق في لندن الاحد الماضي قضى باعادة العلاقات المقطوعة والبناء على "الرصيد الايجابي" لعلاقة التنظيمين المعارضين. واشار خصوصا الى اتفاقهما ضمن التجمع على "القضايا المصيرية" في اسمرا في حزيران يونيو 1995. وهدد الامين العام للحزب الحاكم البروفيسور ابراهيم احمد عمر بمعاملة حزب الامة بالطريقة ذاتها التي عومل بها المؤتمر الشعبي، بوقف نشاطه واغلاق صحيفته وسجن قادته اثر توقيعه "مذكرة تفاهم" مع حركة قرنق في شباط فبراير 2001، "اذا ثبت ان هناك تعاونا على برامج عسكرية لاسقاط الحكومة. اما اذا ثبت أن الاتفاق هو مجرد دعوة الى السلام والحوار فهذا لا غبار عليه". وسارع نائب رئيس حزب الامة بكري عديل الى الرد على الموقف الحكومي قائلا إن "لغة التهديد التي يمارسها الحزب الحاكم جافة ومرفوضة ولا تتسق مع تطورات المرحلة". وسعى مبارك المهدي الى التوضيح أن الاتفاق "لا يهدف الى عمل عسكري أو مواجهة مسلحة"، وانه "نتج عن التطورات الجديدة في الاحداث ودخول الحركة الشعبية في عملية السلام بعد توقيعها اتفاق وقف النار في جبال النوبة". وقال ان اتفاقه مع قرنق "يختلف عن اتفاق حزب الترابي مع "الحركة الشعبية" الذي وصفه بأنه يدعو الى اسقاط النظام بالقوة. ولاحظ أن حزب الترابي دخل في مواجهات مع السلطات لاسقاط النظام والتحالف مع قوى مسلحة. واثارت هذه التصريحات حفيظة مسؤولي "المؤتمر الشعبي". فقال مسؤول الاعلام المحبوب عبدالسلام الذي وقع "مذكرة التفاهم" نيابة عن حزبه واجتمع مع قرنق أول من أمس، إن "الحكومة لم يعد لديها ما تقدمه سوى القمع والتلويح بهذا السيف أمام مبارك المهدي ما دفعه الى وصف مذكرة التفاهم بأنها إتفاق عسكري لاسقاط النظام". وشدد على أن المذكرة "خطوة نحو السلام وهي تشير في بندها الثاني الى تصعيد وسائل المقاومة السلمية الشعبية. لكن الفزع الذي اصاب مبارك المهدي هو ذاته الذي اصاب الحكومة بعد توقيع مذكرة التفاهم فعجزت عن رؤية نصوص المذكرة كما هي. نفهم أن مذكرة التفاهم واتفاق مبارك المهدي مع الحركة الشعبية خطوتان نحو السلام والاجماع الوطني، على رغم اشارة اتفاق حزب الامة الى اتفاق على قرارات اسمرا للقضايا المصيرية التي تدعو الى اسقاط النظام بالقوة. اذا كان مبارك المهدي اطلع على اسرار مذكرة التفاهم فنحن على اطلاع على اعماله عندما كان يحارب الحكومة في اطار التجمع ويفاوضها في الوقت ذاته". وقدمت "الحركة الشعبية" فهمها للاتفاقين، وقال الناطق باسمها ياسر عرمان إن "علاقتنا مع حزب الامة اقدم زمنا وشملت اتفاق شقدوم واتفاق اسمرا للقضايا المصيرية التي يتمسك بها حزب الامة حتى الآن. اما المؤتمر الشعبي فإن اتفاقنا معه في شأن القضايا المصيرية هو الخطوة المقبلة". وبدا ان آثار الاتفاق امتدت ايضا الى داخل حزب الامة الذي شهد خلافا أخيرا بين رئيسه السيد الصادق المهدي ومبارك المهدي. وأبدى رئيس المكتب السياسي في الحزب آدم موسى مادبو استغرابه للاتفاق وقال انه "لم يأت بجديد ومضمونه موجود في وثائق الحزب". وزاد أن "اجهزة الحزب لم تفوض احدا من قادتها لابرام اتفاق لاعادة علاقات لم تنقطع اصلا وانما شابها توتر". غير أن نائب رئيس الحزب الدكتور عمر نور الدائم دافع عن الاتفاق واعتبره "متسقا مع جهود الحزب للاتصال بالقوى السياسية".