ليس دفاعاً عن القرار 242 لأنه فرض تنازلات عربية في حينه كان في مقدمها اقامة سلام مع الدولة العبرية والاعتراف بها بحدود آمنة وما شابه، الى جانب تجاهله حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحصر المشكلة "بتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين"، ناهيك عن تجاوزه لما اغتصب من فلسطين 1948- 1949. ولكن جاء من يفسر القرار 242 بما يهبط عن التفسير العربي الرسمي وحتى الفلسطيني بعد اتفاق اوسلو وتداعياته، كما فعل نبيل خليفة في مقالتين نشرتهما له "الحياة" في 21 و22/3/2002 صفحة مسلسلات هنا ردّ عليه يوضح المسألة: رمى نبيل خليفة من خلال تفسيره لنصوص القرار 242 الى اقناع القمة العربية التي ستعقد في بيروت بأن القرار يقر للدولة العبرية بالاحتفاظ بأراض، أو الانسحاب من اراضٍ فقط احتلت في حزيران 1967، كما شدد على ان القرار 194 لا يعطي اللاجئين "حق العودة". منذ البداية يعتبر نبيل خليفة انه يقدم، انطلاقاً من واجبه الوطني والعلمي، قراءة علمية وجيوستراتيجية للشرعية الدولية "ممثلة بالقرار 242 وبعض ملحقاته". وبهذا يحصر الشرعية الدولية مسقطاً كل القرارات الأخرى الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن السابقة واللاحقة للقرار 242 وملحقاته، ومسقطاً القانون الدولي، بما في ذلك المعاهدات الدولية، خصوصاً، معاهدة فيينا لعام 1969، حتى عندما يتعرض لحل القضية الفلسطينية حيث لا يخفي تأييده وحماسته لمشروع كلينتون طالباً من القمة العربية اما اعتماده من خلال مبادرة من الرئيس الفلسطيني واعتباره "تكريساً للشرعية" أولاً، وإما تطويره ثانياً. مع ذلك، لو جارينا هذا التفسير "العلمي" الذي يسقط كل ما يمكن ان يطلق عليه شرعية دولية لحساب القرار 242 وملحقاته، ثم لحساب مشروع كلينتون لوجدناه تأويلاً مهتزاً، وباطنياً، وهو يتعامل ونصوص القرار، فيجعله اسوأ ما تضمن من سوء أصلاً. وبالطبع مشروع كلينتون أسوأ منه قطعاً. إذا افترضنا ان القرارين 242 و338 يمكنهما ان يكونا مرجعية بالنسبة الى الدول العربية التي احتلت اراضيها بعد الرابع من حزيران يونيو 1967، فليس فيهما عن القضية الفلسطينية سوى عبارة "تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين". وهذا لا يغفل عنه نبيل خليفة، بل يريده ليعلق حل القضية الفلسطينية بتحقيق "تسوية عادلة"، ثم يؤكد ان التسوية "بحاجة الى رضى جماعي من كافة الأطراف المعنية بموضوع اللاجئين". وبهذا يكون مع الدولة العبرية "الحق" في ان تخضع كل شيء للمفاوضات واتفاق الطرفين، من دون التقيد بأي من القرارات الدولية او المواثيق والمعاهدات والقانون الدولي. ويجسد هذا الموقف بوضوح إذ يقرر: "الشرعية الدولية هي ما يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي وليست في ما تنص عليه القرارات الدولية، بل بوحي هذه القرارات والتفسير المشترك لها. وإذا لم يتفقا فلا مرجعية شرعية من اي دولة، وينسى ان المرجعيات الدستورية او القانونية والشرعية انما كانت ضرورة عند الاختلاف فكيف يسقطها لحساب الاتفاق فقط. إما اذا قيل عندما ترفض الدولة العبرية فلا شيء يستطيع اجبارها على احترام اية شرعية دولية، كما كانت الحال دائماً، ومن ثم ما قيمة الشرعية؟ فهذا قول مردود عليه حين لا يفرّق بين تحدٍ لشرعية دولية، اعتماداً على القوة وتأييد الولاياتالمتحدة، وتحدٍ أعفاه من وجود شرعية تجعل فعله مداناً وغير شرعي. وشتان بين ان يقف الشعب الفلسطيني ووراءه الشرعية والقضية العادلة مؤيداً من ميثاق هيئة الأممالمتحدة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي وبعض المعاهدات، فضلاً عن شرعيته الدينية والقومية والتاريخية، وبين ان يقف كما يراد له بلا شرعية، على قدم المساواة مع مغتصب وطنه وحقوقه ومحتل اراضيه، وقد افتقر الى الحق والقوة معاً فيما الآخر لم يكن له من حق وشرعية اصلاً محتفظاً بقوته ودعم الولاياتالمتحدة غير المحدود له. في تناول نبيل خليفة لما جاء في القرار 242، في الفقرة التي تنص على "انسحاب من اراضٍ احتلت..." بدلاً من "الأراضي" أو "من جميع الأراضي" ما يدرجها في الغموض البناء. لكنه ينحاز الى تفسير وحيد مؤكداً انها تعني عدم الانسحاب من جميع الأراضي. وهو بهذا لا يبقي على ما اعتبر غموضاً مقصوداً "ليفسّره كل طرف كما يفهمه" فيقطع بأنه يقر لإسرائيل بالاحتفاظ ببعض الأراضي. لكنه وهو المدقق في النصوص لا يلحظ تناقض تفسيره هذا مع ما ورد في القرار نفسه في "عدم القبول باكتساب اراضٍ بفعل الحرب". وهذا نص واضح لا يسمح إلا بتفسير واحد. وهو الانسحاب من كل الأراضي لأن الاحتفاظ بأي شبر من الأرض يعني "اكتساب اراضٍ بفعل الحرب". ثم لا يلتفت نبيل خليفة، وهو يتبنى ذلك التأويل المخل، إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة "حول الحالة في الشرق الأوسط" الرقم 31/61 بتاريخ 9/2/1976 وينص "... 3 وتؤكد اي الجمعية العامة من جديد انه لا يمكن تحقيق سلم عادل ودائم في الشرق الأوسط من دون انسحاب اسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967". واتخذت الجمعية العامة ثلاثة قرارات اخرى في المعنى نفسه وهي القرار 3414/306 لعام 1975، و23/20 لعام 1977، و33/28 لعام 1978. اما مشروع روجرز 9/12/1969 فتحدث عن "إدخال تعديلات طفيفة على الحدود" اي ان صاحبنا يهبط عن سقف مشروع روجرز، كما فعل كلينتون، في انزال القرار 242 للتطبيق من جهة تفسير "انسحاب من اراضٍ...". ثم لا يتوقف عند التفسير العملي الذي اتخذته هذه الفقرة من خلال المعاهدة المصرية - الإسرائيلية والممهورة بتوقيع مناحيم بيغن رئيس وزراء الدولة العبرية وبشهادة جيمي كارتر رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية الأسبق، حيث لم يسمح للدولة العبرية ان تحتفظ بشبر واحد من الأرض المصرية، أو بمستوطنة واحدة، ولا حتى بتعديل طفيف للحدود. ولا يلفته الموقف السوري الذي رفض ان تحتفظ دولة الاحتلال بمئة متر من شاطئ طبريا الشمالي، وجعل باراك وكلينتون يقبلان تفسير نص "انسحاب من اراضٍ" بمعنى الانسحاب من كل الجولان، وعدم الاحتفاظ بأية مستوطنة، وعدم انتزاع مواقع في اعالي الجولان تحت حجة "الأمن" أو "تعديلات طفيفة للحدود"، ومن ثم لا يستطيع نبيل خليفة بعد هذا ان يقول للسوريين اخطأتم في فهم نص القرار 242، أو أن يوافق باراك بحجة "الحدود الآمنة" على تمسكه بمئة متر من شاطئ بحيرة طبريا لاعتبارات لا علاقة بها بالأمن، أو الجيوستراتيجية وإنما بمياه بحيرة طبريا. وعندما ننتقل الى الضفة الغربية وقطاع غزة لنطبق عليهما تفسير نبيل خليفة للقرار 242 سنجده امام ورطة لا يستطيع الخروج منها، فإلى اين يذهب في تفسيره لعدم وضع أل التعريف في "من أراضٍ" أو عدم ذكر جميع الأراضي، إذ يقول "يعني الإقرار غير المباشر لإسرائيل بالاحتفاظ ببعض الأراضي المحتلة على حدودها كما سنرى لاحقاً". ويعتبر نص القرار على "حق كل دولة في المنطقة في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها" بأنه "تأكيد للنص السابق بل تطبيق عملي له. وهذا ما يؤكد نية المشترع". ويستنتج "هذا النص يعني عملياً اقامة حدود جديدة بين اسرائيل وجيرانها"، و"عدم الانسحاب من كل الأراضي يبرر مثل هذه الحدود الجديدة". على انه لم يقل، عندما اتى الى موضوع الحدود، إن كان المشترع قصد الحدود على نهر الأردن ام حدود الرابع من حزيران 1967 وإجراء تعديل عليها، وهل يمكن للتعديل ان يلف حول الضفة وقطاع غزة ليضعهما في دائرتين تمثلان "تعديلاً للحدود" كما اراد "المشترع"؟ وبهذا يصبح للدولة العبرية حدود شرقية مع الضفة الغربية وأخرى شرقية، موازية تقريباً مع الأردن وحدود جنوبية مع غزة وأخرى جنوبية موازية مع مصر. وكيف يمكن لهذه الحدود ان تنطبق على تأكيد اميركي دعّم به رأيه: "ضرورة اجراء تعديلات طفيفة على الحدود"؟ أهي "طفيفة"؟ ثم كيف ينطبق تفسير نبيل خليفة للقرار على محاولة كلينتون مقايضة او مبادلة اراضٍ فلسطينية احتلت عام 1949 بأراضٍ من الضفة الغربية، خصوصاً القدسالشرقية وغور الأردن والمستوطنات. ما يؤكد ان كلينتون وباراك لم يستطيعا الاستناد الى القرار 242 عبر تفسير شبيه بتفسير نبيل خليفة، في اقتطاع تلك الأراضي مدن وقرى وحدود، وإلا لماذا المقايضة والمبادلة إن كان التفسير "العلمي" يسمح بالاحتفاظ بتلك المناطق، وقيادات الدولة العبرية أبعد ما تكون من الكرم في مجال الأرض على الأقل. وأخيراً كيف سها ان يقول لها ان كان القرار 242 يقر لإسرائيل بإقامة مستوطنات أم لا. اما ثالثة الأثافي فيأتيك بها من تأويلين، الأول عندما اعتبر ان القرار 242 ألغى بصورة غير مباشرة، قرار الجمعية العامة الرقم 181 لعام 1947، وهو ما لم يقل به الأميركيون أو الإسرائيليون. لأن مجلس الأمن لا يستطيع إلغاء قرار الجمعية العامة انظر ميثاق هيئة الأممالمتحدة - النظام من جهة، كما ان الإلغاء، من جهة اخرى، يُفقد الدولة العبرية استنادها إليه في إعلان "قيام دولة اسرائيل"، وإن لم تعترف به كلاً متكاملاً، كما يهز قبول عضويتها في هيئة الأممالمتحدة. اما التأويل الثاني فتفسيره للفقرة "أ- ب" من القرار 242: "تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين". فتراه يأخذ بالتفسير الذي يقول انه يشمل ايضاً، اليهود "اللاجئين" من الدول العربية كذلك، ما دام المشترع لم يحدد "هوية اللاجئين". وعندما يأخذ بهذا التفسير يضرب عرض الحائط بأن اللاجئين هم من حددهم القرار 194 وعدد من قرارات الجمعية العامة، مثلاً القرار 2672 أ.ب.ج.، الدورة 25 في 8/12/1970 محدداً هوية اللاجئين باللاجئين الفلسطينيين. فكيف يستطيع تفسير "علمي" ان يؤول القرار بشموله لاجئين يهود في مقابل اللاجئين الفلسطينيين؟ وإذا كان هنالك مشكلة لاجئين يهود في الدولة العبرية فسيشمل النص كل الإسرائيليين اليهود في الدولة، لأنهم، مع هذا التفسير الباطني، يصبحون جميعاً مقصودين بالبند المذكور. لكنه ينسى ان مرجعيته: "مشروع كلينتون" لم تتضمن اي ذكر للاجئين اليهود من البلاد العربية، وقد اعتبره أقام "التوازن" في تفسير القرار 242، ومقترحاته شكلت "حلاً كاملاً للنزاع". فكيف يكرر التفسير الباطني للقرار في ما يتعلق باللاجئين. على ان السقطة الكبيرة الأخرى تتمثل في تعامله مع النص الوارد في القرار 194، في الفقرة 11، وهي: "تقرر الجمعية العامة ان اللاجئين الراغبين في العودة الى منازلهم والعيش مع جيرانهم بسلام يجب السماح لهم القيام بذلك في اقرب فرصة ممكنة". فيغير جملة "يجب السماح لهم" ذات الطابع الآمر، "وفي أقرب فرصة ممكنة"، الى "وجوب السماح" بقصد اخراجها من معنى يجب السماح الى اعتبار "الوجوب" مضافاً الى السماح المضاف إليه، ثم يعتبر السماح "المفتاح" في قراءة النص وليس "يجب السماح" وليس "العودة"، ليصل الى تأويل سماح، بعد نزعها من النص وروحه، فيقول "فإن فكرة السماح ترتبط برغبة وإرادة طرف هو الذي يسمح للطرف الآخر بأن يعمل... اما فكرة الوجوب فهي تحد من عامل الإرادة في السماح لكنها لا تلغيه أو تغيره"... وهكذا، ببساطة، يصبح القرار 194 نصاً في مصلحة الدولة العبرية بالكامل ما دام هذا تفسيره. ثم ينتقل ليخطّئ الذين يتحدثون عن "حق العودة" لأن كلمة "حق" لم ترد حرفياً في القرار 194، علماً انها واردة مكرراً في ميثاق هيئة الأممالمتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالنسبة الى كل من يهجّر من بيته ووطنه. فالحق في العودة متأصل بحق الشعب الفلسطيني بكل فلسطين، كما تنطبق على اللاجئين الفلسطينيين كل الحقوق الواردة في المواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية للحالات المشابهة. اما من جهة اخرى فكيف لا يُفهم من نص الفقرة 11 من القرار 194 عندما يستند الى "رغبتهم في العودة الى منازلهم" وهذا حق بكل المقاييس، لأنه لا يمكن الاعتراض على حق من يهجّر بالقوة من منزله وبلده بالعودة إليهما. اما استبعاد عبارة "حق العودة" لأن كلمة حق لم ترد في القرار بحرفيتها فيدل في رأيه على سقوط هذا الحق، وإلا كان المشترع ذكره. وماذا لو استخدمنا منهجه وقلنا: لكن المشترع لم يقل ليس من حق اللاجئين العودة. فعدم ورود كلمة بعينها في نص لا يعني العكس ولا يعني ان من غير الممكن استخدامها حين يمكن دعم ذلك من زوايا متعددة، بما في ذلك روحية النص نفسه. وقرارات دولية اخرى. ثم إذا كان هنالك من "غموض" فلماذا يفسره دائماً باتجاه واحد؟ أخيراً يمضي في تأويل ما لا يحتمل الغموض في "العودة الى منازلهم" استناداً الى مشروع كلينتون بأنها تعني "وطنهم" الذي ستشمله الدولة الفلسطينية. ولكن منازل هنا محددة تماماً، أي منازلهم في حيفا ويافا والجليل والقدس الغربية وفي مئات القرى والبلدات التي هجِّروا منها بقوة السلاح. * كاتب فلسطيني.