ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    «خدعة» العملاء!    الخرائط الذهنية    جرائم بلا دماء !    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    لماذا فاز ترمب؟    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    علاقات حسن الجوار    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    عاد هيرفي رينارد    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة جديدة للشرعية الدولية في موضوع النزاع العربي - الإسرائيلي . مبدأ "الأرض مقابل السلام" والتباسات دلالة اللاجئين وعودتهم
نشر في الحياة يوم 22 - 03 - 2002

نشرنا امس مقدمة في نقاط النزاع الكامنة في قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالنزاع العربي - الإسرائيلي، وتحليلاً لقرار مجلس الأمن الدولي 242 الذي يحمل في طياته تعديلات لحدود 4 حزيران يونيو 1967 بين إسرائيل والدول العربية المجاورة بما فيها دولة فلسطين التي لم يكن تم التداول في شأنها بعد.
ونتابع اليوم نشر تحليل لقرارات اخرى عن الشرعية الدولية القرار 194، وثوابت اجتماعات محادثات السلام المتتابعة التي تتم اساساً برعاية اميركية مقترحات الرئيس كلينتون التوفيقية وغيرها.
القرار 194:
بين السماح بالعودة... وحق العودة!
يتناول قرار الجمعية العامة الرقم 194 تاريخ 11/12/1948 بعض الموضوعات المتعلقة بالمسألة الفلسطينية منها انشاء لجنة توفيق، ووضع القدس في نظام دولي والفقرة 11 من القرار تتناول موضوع عودة اللاجئين الفلسطينيين وهي التي تعنينا في هذه الدراسة. والجدير ذكره ان القرار هذا حاز على موافقة 35 دولة وعارضته 15 دولة بينها كل الدول العربية الممثلة في الأمم المتحدة وعددها آنذاك ست مصر، العراق، لبنان، المملكة العربية السعودية، سورية واليمن وامتنعت ثماني دول عن التصويت.
في مقابلة مهمة اجرتها صحيفة "لوموند" الفرنسية مع روبرت ماللي الخبير في العلاقات الدولية والمستشار الشخصي للرئيس الأميركي بيل كلينتون، وهو على ما يبدو من اهم شالمشاركين في وضع مشروع الرئيس الأميركي للسلام في الشرق الأوسط، قال ما حرفيته: "إن القرار 194 يتحدث عن عودة اللاجئين ولكن تعبير "حق العودة" غير وارد فيه".
هذا الكلام الخطير بأبعاده الإنسانية والقانونية والسياسية يدفع الى التساؤل: هل روبرت ماللي على خطأ في ما يقول، ام ان العرب عامة والفلسطينيين هم على خطأ في ما يردوونه منذ 54 سنة اي التمسك بحق ولفظة حق مهمة وأساسية هنا غير منصوص عليه في القرار 194. هل هذا معقول؟
كان لا بد من العودة الى النص بصياغته باللغتين الإنكليزية والفرنسية اي الى ترجمة دقيقة له.
الفقرة 11 - تقرر الجمعية العامة ان اللاجئين الراغبين في العودة الى منازلهم والعيش مع جيرانهم بسلام، يجب السماح لهم القيام بذلك في أقرب فرصة ممكنة، وأن إعانات يتوجب دفعها بمثابة تعويض عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة الى منازلهم، وعن كل ثروة فُقدت أو تضررت عندما تقتضي مبادئ القانون الدولي او الإنصاف، ان تقوم الحكومات والسلطات المسؤولة برفع الظلم الناتج عن هذه الخسارة او عن هذا الضرر.
وتصدر الجمعية العامة تعليماتها الى لجنة التوفيق بتسهيل اعادة توطين اللاجئين وإعادة اسكانهم وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً ودفع الإعانات لهم والبقاء على اتصال وثيق بمدير اغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، وعبره بالهيئات والمؤسسات المتخصصة في منظمة الأمم المتحدة.
يتبين من النص ان تعبير "حق العودة" right to return أو Droit au retour لم يرد فيه بل ورد فيه "وجوب السماح بالعودة" في النص الإنكليزي Should be permitted في حين يستعمل النص الفرنسي تعبيراً أكثر تخفيفاً بالقول "من المناسب السماح للاجئين... بالرجوع الى منازلهم".
Il ya lieu de permettre aux refugies... de rentrer.
وفي الحالين فإن الكلمة المفتاح هي "السماح بالعودة" أو الرجوع.
وتحليل نص الفقرة 11 من القرار 194 يكشف الالتباسات التالية:
أ - ان جذر سمح اللغوي في العربية س م ح يدل على الليونة ومنه التسامح اي التساهل ومنه العطاء بسخاء وكرم اصحاب السماحة وسمح= جاد، والمسامحة = المساهلة.
ب - ومثله في الإنكليزية Permit بمعنى سمح وأجاز وأذِنَ.
وفي الفرنسية permettre: أذِنَ له autoriser وسامحه Tolerer وتركه يعمل Laisser faire.
ج - في كل ما ورد اعلاه، وعبر اللغات الثلاث، فإن فكرة السماح ترتبط برغبة وإرادة طرفٍ هو الذي يسمح للطرف الآخر بأن يعمل... اما فكرة الوجوب فهي تحد من عامل الإرادة في السماح ولكنها لا تلغيه أو تغيّره. والسبب في ذلك تعبيري لغوي واضح: فتعبير "وجوب السماح" فيه مضاف الوجوب ومضاف إليه السماح اي في علم البلاغة والبيان مسند ومسند إليه. المسند آليه السماح هو اساس الكلام والمسند الوجوب تابع له وهو ما يعادل في القواعد مسألة المبتدأ والخبر. فالجملة هنا اصلها هكذا: السماح واجب وطبيعي ان يتبع الخبر المبتدأ. وليس العكس. لأن المبتدأ هو اساس الكلام. معنى ذلك ان التابع لا ينقض المتبوع. فالوجوب تابع للسماح وليس السماح تابعاً للوجوب.
د - ولإضعاف فكرة "وجوب السماح بعودة اللاجئين" الى بيوتهم وجعلها اكثر صعوبة، فقد تعمّد النص ربطها بمجموعة شروط وإغراءات، بديل ان تساعد على تسهيل العودة فهي تعمل على تعقيدها ومنها:
- ربط العودة برغبة من يود الرجوع، وهي رغبة شبه معدومة في ظروف 1948 المعروفة!
- العيش بسلام مع جيرانهم اليهود! وهو شرط صعب التحقيق في حينه.
- تعويض للذين يقررون عدم العودة ترغيب.
- تعويضات عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم ترغيب.
- تحميل الحكومات والسلطات مسؤولية التعويض اسرائيل وسواها... ترغيب.
- تسهيل اعادة توطينهم Repatriation - Rapatriment في وطنهم فلسطين وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً ودفع الإعانات لهم. التباس وترغيب: الالتباس ناجم عن الخلط بين فكرة العودة الى مسقط الرأس وفكرة الرجوع الى الوطن بمعناه الشامل والترغيب بدفع الإعانات والتعويضات لهم.
ان النظرة الفلسفية/ اللاهوتية تذهب ابعد من ذلك في موضوع العلاقة بين التسامح والحقد لتؤكد ان نظرية التسامح هي نقض لمبدأ الحق بمعنى ان التسامح لدى جهة ما هي هنا اسرائيل يعطيها صفة التحكم بقرار العودة: ما تقبله فيه وما ترفضه منه. فالمسألة تصبح نسبية. وكما يقوى كريستيان ترول Christian TROLL: "التسامح يختلف عن الحق الذي هو حق مستقل غير مشروط... مرتبط بكرامة الشخص البشري" بمعزل عن رأي الآخرين فيه وموقفهم منه. فالحق يرتكز على العدالة والعدالة تقوم على الإنصاف Equite وهو ما يضع الفريقين على مستوى واحد إزاء مبدأ الحق فلا يكون لأحدهما حق المبادرة كصاحب حق اول او اعلى والآخر صاحب حق ثان أو أدنى تابع للأول المتسامح بديل ان يكون حقاً مستقلاً معادلاً لحق الآخر وقائماً بمعزل عنه.
من هنا اهمية النص على "حق العودة" لو وُجد في القرار 194 بديل التسامح في العودة. ومن هنا التمسك العربي/ الفلسطيني بحق لم يرِد ذكره في النص وكأنه موجود فيه كانعكاس لم يرده الفلسطينيون وليس لما هو فيه حقاً. وهذا هو الالتباس الكبير الذي كان في اساس رؤية الرئيس كلينتون للحل في موضوع اللاجئين حيث حاول، كالعادة، ان يقيم توازناً بين مواقف الجانبين انطلاقاً من ضرورة السماح بالعودة وليس بناء على "حق العودة".
إذا كان روبرت ماللي قد جوّف القرار 194 من نواته الصلبة المفترضة وهي "حق العودة" فإن الأميركي الآخر دنيس روس المنسق الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط قد اخرج القرار كله من المعادلة بالمعنى الرسمي. فعندما سئل عن القرار 194 بالنسبة الى مشروع الرئيس كلينتون قال: "لم يُنظر الى القرار 194 كمرجعية. ومؤتمر مدريد لم يأت على ذكره. ومدريد هو المرجعية القائمة على القرارين 242، 838، وهما قراران ليسا للتطبيق وإنما للتفاوض عليهما". معنى كلام روس ذو اهمية مزدوجة:
الأولى: ان القرار 194 لم يكن جزءاً من مرجعية مدريد لكي يتم الالتزام به رسمياً. ولكن هذا لا ينفي وجود مشكلة للاجئين بحاجة الى تسوية بحسب 242. بمعنى آخر هناك التزام وليس هناك إلزام. والقرار 242 صار يقوم مقام القرار 194.
الثانية: انه حتى القراران 242، 338 المرجعيان لمدريد يعتبران قرارين للتفاوض عليهما وليس لتطبيقهما آلياً.
مقترحات كلينتون "التوفيقية"
لا بد من استعادة الإطار الذي وضعت ضمنه مقترحات الرئيس الأميركي بيل كلينتون باعتبارها تطبيقاً للشرعية الدولية:
1- كانت الولايات المتحدة وضعت الرجْلَ الثالثة لسيبة مدريد بعد القرارين 242، 338 بإضافة "مبدأ الأرض في مقابل السلام" وهي اضافة تشكل عامل توازن نظري على الأقل تجاه القرار 242 وفيها اغراء بالنسبة الى الجانب العربي. ومع انه مجرد جملة نظرية لا مضمون محدد وواضح لها فقد تمسّك بها الجانب العربي وفسّرها على انها البديل للقرار 242 بمعنى انسحاب اسرائيل من كل الأراضي العربية والعودة الى حدود 4 حزيران 1967 في مقابل السلام.
2- لكن الولايات المتحدة ظلت قبل مدريد وبعدها وإلى الآن متمسكة بمبدأ اساس وشامل وهو انها بحسب دنيس روس "لا تعطي اي رأي بالنسبة الى القضايا النهائية لأن على الأطراف ايجاد حل لها" وهي توافق على ما يتفق عليه الطرفان. ولذا دعّمت دائماً مبدأ التفاوض المباشر والحل الوسط والتنازلات المتبادلة وتحقيق السلام الحقيقي والدائم الذي هو الأمن لجميع الأطراف والشعوب في المنطقة. وفي مراجعة للضمانات التي قدّمتها اميركا لأطراف النزاع ولخطاب الرئيس بوش في افتتاح المؤتمر 30/10/1991 يتأكد ذلك وخلاصته قبول اميركا بكل ما يلبي المعيار المزدوج: العدل والأمن.
3- ولكن، بوصول المفاوضات بين العرب وإسرائيل الى الطريق المسدود قرر الرئيس الأميركي كلينتون ولأول مرة في تاريخ اميركا تقديم مقترحات للحل الشامل بعد استماعه خلال ولايتيه الى الجانبين على ان تشمل، على الجانب الإسرائيلي/ الفلسطيني، قضايا: الأرض والأمن والقدس واللاجئين مستفيداً من علاقته الشخصية بياسر عرفات وصداقته لإيهود باراك.
4- لقد أجرى الرئيس كلينتون محاولة اخيرة قبل تركه منصبه وإذ لم يشأ ان يلزم الإدارة الأميركية بعده بمقترحاته وأفكاره صارح الإسرائيليين والفلسطينيين بالقول: "هذه هي افكاري إذا لم تقبل فإنها لا تزال على الطاولة فحسب. وإنما تذهب معي ايضاً عندما أترك منصبي".
5- يمكن القول بشكل عام، ان الرئيس كلينتون سعى الى اقامة حد أدنى من الحل المتوازن بين الفلسطينيين والإسرائيليين انطلاقاً من اسس الشرعية الدولية كما تراها وتفسّرها الولايات المتحدة وليس كما يراها ويفسّرها الفريقان المتنازعان. ولذا وصفت مقترحاته بأنها "توفيقية" لأنها سعت الى تحقيق اقصى ما يمكن من مطالب لكل جانب من دون ان يؤدي ذلك الى تصديع اسس الموقف لدى الجانب الآخر. لقد حاول ان يصل الى مألفة Synthese متوازنة قدر الإمكان تلبي الحد الأعلى الممكن من مطالب كلٍ من الجانبين في آن واحد.
6- لعل اهم ما في محاولة كلينتون الأخيرة، انه حرر نفسه وأميركا وإسرائيل والفلسطينيين من حرفية الشرعية الدولية، معتبراً ان حتى القرارين 242، 338 وإن ظلا نظرياً مع مبدأ الأرض في مقابل السلام قاعدة للحل، فإنهما ليسا للتطبيق وإنما للتفاوض عليهما، وبالتالي فإن المعادلة النهائية هي التالية: الشرعية الدولية هي ما يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي وليست في ما تنص عليه القرارات الدولية بل بوحي هذه القرارات والتفسير المشترك لها.
7- انطلاقاً من هذه المعادلة النظرية وضع كلينتون ما عرف بمعادلة كليكنتون L'equation de Clinton "والمستندة الى 8 سنوات من الإصغاء بعناية الى الجانبين"، كما قال، وخلاصتها: إقامة دولتين مستقلتين سيدتين وقابلتين للحياة في فلسطين التاريخية: الدولة اليهودية والدولة الفلسطينية. وجميع القضايا الخلافية الكبرى: الحدود والأمن والقدس واللاجئون تُحلّ في ضوء هذه المعادلة.
كيف وأين تقوم هاتان الدولتان؟
8- كل شيء يبدأ بالأرقام وينتهي بها: أرقام الأرض، وأرقام الناس، وأرقام العسكر، وأرقام المياه وبالتأكيد ارقام اللاجئين من جانب وأرقام العائدين من الجانب الآخر... وفي محاولة لإيجاد مخرج لما سماه بعض علماء الاجتماع "مشكلة الشعب الإضافي في المنطقة"، وهو ما يفسّر الصراع على الجغرافية!
9- تبلغ مساحة فلسطين التاريخية 26572 كلم2 موزعة هكذا: إسرائيل 20325 كلم2 " الضفة الغربية 5900 كلم2 " قطاع غزة 378 كلم2 = 26572 كلم2. اسرائيل 77 في المئة والضفة والقطاع 23 في المئة. عرفات يردد: دولتنا تعادل 22 في المئة من فلسطين والإسرائيليون يردّون: اسرائيل تساوي 1/700 من العالم العربي اي 0014.0.
- اقترح الرئيس كلينتون ان تنسحب اسرائيل من 95 في المئة من مجمل الضفة والقطاع انسحاب كامل من القطاع والباقي 5 في المئة اي ما يعادل 312 كلم2 تضم الى اسرائىل وتشكل حيزاً جغرافياً لستة تجمعات كبرى للمستوطنات تجمع ما يقارب 80 في المئة من المستوطنين ثلاثة منها حول القدس اثنان في الشمال وواحد في الجنوب. وجاء اقتراحه هذا حداً وسطاً بين طلب اسرائىل الاحتفاظ ب6 في المئة اي ب376 كلم2 وقبول الفلسطينيين ب1،3 في المئة أي 194 كلم2.
10- ولكي لا يفسّر ذلك بأنه استيلاء على الاراضي بالحرب اعتمد كلينتون مبدأ التبادل في الارض Echange de territoires وان تكون الحدود الآمنة / المعترف بها على الجانبين وليس في جانب واحد. وبالتالي اقتطاع جزء من داخل الخط الأخضر منطقة حلوتساه داخل اسرائىل وضمه الى قطاع غزة، إضافة الى الممر الآمن بين الضفة والقطاع "وفهم الجانب الفلسطيني، بحسب رواية نبيل شعث ان مساحة الدولة الفلسطينية ستكون بعد التبادل اكبر من مساحة الضفة وقطاع غزة في سنة 1967". ما يعني ان المساحة المضمومة الى الدولة الفلسطينية تكاد تعادل في مساحتها مساحة قطاع غزة كله وتزيد على ال312 كلم2 التي ضمت الى اسرائىل.
اما الأسباب في اختيار اسرائىل لمنطقة حلوتساه لتبادل الاراضي فهي في اعتقادنا خمسة:
أ- لأنها واقعة في منتصف القاطع الاعرض لجغرافيا اسرائىل 120 كلم. واسرائىل تعاني جيو-استراتيجياً من جغرافيتها الضيقة عرضاً.
ب- لأنها وسيلة لتقصير حدودها مع مصر.
ج- لأنها أراض جافة وشبه جافة بين رفح وبئر السبع.
د- وهي بوضعها هذا تشكل سبباً جديداً لطلب المياه من مصر ولبنان كونها واقعة قرب نهاية الناقل الوطني الاسرائىلي للمياه الآتي من بحيرة طبريا.
ه- لخفض الكثافة السكانية في القطاع واستقبال قسم مهم من اللاجئين العائدين ولا سيما من لبنان.
11- الأمن: أكدت مقترحات الرئىس الأميركي بخصوص الأمن على ما يلي:
- "وجود دولي في مناطق حدودية لا يمكن سحبه الا بموافقة الطرفين".
- انسحاب تدريجي للقوات الاسرائىلية خلال 3 سنوات.
- نقاط اسرائىلية في وادي الاردن خاضعة للقوات الدولية.
- 3 محطات انذار مبكر يشرف عليها الجانبان لمدة 10 سنوات.
- ترتيبات مشتركة لاستعمال المجال الجوي.
- تكون دولة فلسطين "دولة غير مسلحة": "لا "منزوعة السلاح" كما يطالب الاسرائىليون ولا "دولة ذات تسلح محدود" كما يقترح الفلسطينيون!
12- القدس: مدينة الرموز للديانات الثلاث. فالحرم القدسي الشريف هو عند مليار ومئتي مليون مسلم ثالث الحرمين. وجبل الهيكل هو عند 13 مليون يهودي في العالم المكان المقدس الاول والأخير. وبما انهما متلاصقان في جانب ومتناضدان Superposes في جانب آخر فوق بعضهما كان الحل الوحيد لاحتفاظ كل جانب بمقدساته في المدينة القديمة عامة وفي الحرم القدسي جبل الهيكل خصوصاً عبر الصياغة التالية كما اقترحها الرئىس كلينتون:
- المناطق العربية تدخل ضمن السيادة الفلسطينية بما فيها الحرم الشريف.
- المناطق اليهودية تدخل ضمن السيادة الاسرائىلية بما فيها حائط المبكى وقدس الأقداس تحت الحرم والمسافة الموصلة بينهما. والخبير الاسرائىلي موشه اميروف الذي وضع الخطوط العريضة لموقف اسرائىل التفاوضي حول القدس قال: "ان المفاوضات انهارت بسبب الخلاف حول 3000 متر تحت الارض وهي هذه الوصلة بين حائط المبكى والبقعة حيث كان المعبد الاول والثاني قائمين فوقها قدس الأقداس وكان الاتفاق قد تم على 9،99 في المئة من قضية القدس!".
يلتزم الطرفان، "التزاماً صارماً" بعدم اجراء اي حفريات تحت الحرم او قرب حائط المبكى وملحقه الا بموافقة الطرفين وذلك لمنع اي جانب من تهديد مقدسات الجانب الآخر.
حاول الرئىس كلينتون ان يضع بداية جديدة لنظرة دينية - جغرافية الى تاريخ العلاقات اليهودية - الاسلامية عبر القدس وتحديداً عبر الحرم الشريف وجبل الهيكل، وكان هذا هو السبيل الوحيد لاحترام رأي الجانبين، وفي الوقت عينه لمنع كل منهما من ان يدخل نظرته اللاهوتية الى التاريخ في الاتفاق ولابقاء القدس مع كونها عاصمة لدولتين، مدينة مفتوحة غير منقسمة تؤمن لأبناء الديانات الثلاث حرية الوصول الى الاماكن المقدسة.
13- اللاجئون الفلسطينيون:
أ- يرى الرئىس كلينتون ان حل مشكلة اللاجئين "يجب ان يعالج حاجات كلا الطرفين انطلاقاً من المعادلة الاساسية: "دولة فلسطين كوطن للشعب الفلسطيني ودولة اسرائىل كوطن للشعب اليهودي". وفي سياق البعد التاريخي، لا يكفي الاعلان والقبول بقيام الدولتين، بل المهم ان تكونا دولتين "قابلتين للحياة" وهذا التعبير يعني بوضوح ان لا تسعى اي منهما لجعل جارتها غير قابلة للحياة:
- اسرائىل باستعمالها القنبلة الاقتصادية لخنق الدولة الفلسطينية.
- الدولة الفلسطينية باستخدامها القنبلة الديموغرافية بعودة اللاجئين لتقويض الطابع اليهودي للدولة العبرية.
ب- يرى الرئىس الاميركي، في نظرته الى القرار 194، "ان ليس هناك حق محدد في العودة الى اسرائىل نفسها". ولكن لا بد من الاعتراف بالمعاناة المعنوية للاجئين وتطلعم الى العودة الى فلسطين التاريخية وبالتالي الى وطنهم وفق المعادلة: اي الى الدولة الفلسطينية وليس الى الدولة اليهودية.
ج- في ضوء ما تقدم حدد الرئىس كلينتون خمسة مواطن ممكنة للاجئين:
- دولة فلسطين.
- المناطق التي ستنتقل من اسرائىل الى فلسطين حلوتساه.
- تأهيل في بعض الدول المضيفة حيث يقيمون.
- اعادة توطين في دولة ثالثة، يهاجرون اليها.
- الادخال الى اسرائيل جرى الحديث عن 25 الى 40 ألفاً خلال خمس سنوات وتعطى الأولوية للاجئين في لبنان!.
د - يوافق الجانبان على ان هذا هو تنفيذ للقرار 194.
ه - تقود الولايات المتحدة جهداً دولياً لمساعدة اللاجئين: بالتعويض وإعادة التأهيل والمساعدات ... من ضمن لجنة دولية خاصة بموضوع اللاجئين.
14 - باختصار:
شكّلت مقترحات الرئىس كلينتون حلاً كاملاً للنزاع "وليس مجرد محطة لمزيد من المطالبات في المستقبل". ولهذا أصرّ على القول ان هذه المقترحات هي تطبيق وتنفيذ للشرعية الدولية بمختلف قراراتها ذات الصلة. وعكست هذه المقترحات والجهد الذي بذل لقبولها خمسة امور:
الأول: مدى الالتزام العميق للرئيس كلينتون بالوصول الى حل للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي.
الثاني: وضع الجانبين امام الحقيقة كما تبلورت لديه.
الثالث: إعطاء معنى محدد للشرعية الدولية يخرجها من الالتباس حتى وإن لم يكن هذا المعنى مقبولاً دائماً وكلياً من اطراف النزاع.
الرابع: صياغة مقترحات عملية تلبي دائماً الحد المعقول من الحاجات الأساسية لفريقي النزاع.
الخامس: تقديم اتفاقية سياسية متكاملة للحل يمكن لكل من باراك وعرفات تقديمها الى شعبه للحصول على موافقته عليها.
ويتبين من تصريحات الرئيس كلينتون ومن محاضراته وخطبه وكتاباته اخيراً، ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك قبلها وأوصى الحكومة الاسرائيلية بقبولها، شرط ان يقبلها عرفات، فقبلت التوصية بأكثرية كبيرة في 28/9/2000، ولكنها لم تحظ بموافقة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات!
خلاصة عامة
لقد بيّنت هذه الدراسة مدى الالتباسات في مفهوم "الشرعية الدولية" باعتبارها قاعدة لحل النزاع العربي - الاسرائيلي. اهمية مشروع الرئيس الاميركي بيل كلينتون للحل في الجانب الفلسطيني الاسرائيلي انه تخطى حرفية الشرعية الدولية الملتبسة ذات القراءات المتعددة بحيث تحولت الميتولوجيا السياسية الى افكار ثابتة ومواقف ثابتة وجمّدت الفريقين عند خطوط حمر ساهمت في صياغتها الرموز الدينية والحدود الجغرافية والفوارق الاتنية وتاريخ حافل بالعذاب والدمار والكراهية!
ومهما يكن الموقف من مضمون مقترحات الرئيس الاميركي قبولاً او رفضاً او بين بين... فالمؤكد انه عمل بصدق ودينامية والتزام، في ما يتخطى الحرف الى الروح لصياغة التصور المشترك والارادة المشتركة والمصير المشترك الفلسطيني - اليهودي من اجل سلام الشعبين والمنطقة والعالم!
هذه القفزة النوعية بل هذه المغامرة، خلقت حالة من الرجاء لدى شعوب المنطقة بحيث ان نقيضها كان بالتأكيد الجحيم الذي تعاني منه فلسطين اليوم ... وما هو اخطر، التساؤل: كيف يمكن الهبوط من مستوى 100 في المئة وما يزيد الى مستوى 42 في المئة؟ ومن ملامسة الحل الشامل الى مجرد كيفية وقف اطلاق النار مقترحات تينيت وكيفية اعادة الثقة بين المتفاوضين تقرير ميتشيل!!
فهل سيجدي القول من بعد: تبدأ المفاوضات من حيث انتهت! وبعيداً عن اي حكم قيمي Jugement de Valeur، وبمعزل عن مدى العدالة في المشروع وهو ما يقرره اصحاب العلاقة والمصلحة والقضية قبل غيرهم، فإن ما يمكننا تأكيده والجزم فيه هو ان المعادلة التي أرساها الرئىس كلينتون ستظل الى أمد بعيد، على رغم اي تعديلات قد تدخل اليها. القاعدة الأساسية لأي حل جدي للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي.
إن أطروحة: الانسحاب الكامل مقابل التطبيع الكامل، على اهميتها تبقى بحاجة ماسة الى الدخول في التفاصيل: تفاصيل الانسحاب من اين وإلى اين؟ وتفاصيل التطبيع: كيف ومتى؟ وتفاصيل الدولتين: الهوية والحيّز. فالنزاع العربي - الاسرائيلي تحكمه قواعد السوسيولوجيا السياسية القائلة انه عندما تكبر الشكوك والآلام التاريخية بين شعبين، بين جهتين متنازعتين، يصبح من الضروري بل الملزم نفسياً وسياسياً وفلسفياً، وضع الحل الشامل المسبق امام أعينهم بشكله الواضح والكامل كي لا يعيش كل فريق منهم في اوهام المطبّات والأفخاخ التي يمكن ان تكون مخفية في التفاصيل.
ان القمة العربية التي ستعقد في ربوع لبنان الحبيب آذار/ مارس 2002 هي امام امرين سمّاهما كيسنجر في فلسفته السياسية: الضرورة والخيار. فالوضعية التاريخية للقضية الفلسطينية خاصة وللنزاع العربي - الاسرائيلي عامة ولمجمل الوضعية الدولية في تداعياتها الحالية، تضع القمة امام امرين:
الضرورة: وهي القبول بمشروع الرئيس كلينتون بمبادرة من الرئيس عرفات بالذات واعتباره تكريساً للشرعية الدولية ومثل هذا الموقف له صدقيته ومفاعيله داخل اسرائيل وداخل أوروبا وأميركا وفي العالم اجمع.
الخيار: وهو تطوير مشروع الرئىس كلينتون بشكل واضح ومحدد، بحيث يلبي مزيداً من الاحتياجات العربية ويشكّل الحد الأدنى المقبول عربياً للوصول الى حل للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي وصياغة الحل على الجبهتين اللبنانية والسورية.
وفي كل الاحوال لا بد للقمة العربية من صياغة التصوّر الميداني النهائي لمفهوم الشرعية الدولية بعيداً من الالتباسات والعموميات وانطلاقاً من مشروع كلينتون ام انطلاقاً من اقتراح الأمير عبدالله بن عبدالعزيز: الانسحاب الكامل مقابل التطبيع الكامل: مشروحاً ومفصّلاً.
هذا هو المدخل الصحيح لتحقيق السلام العادل والشامل، وهو ما يرجوه وينتظره الملايين في فلسطين وكل انحاء العالم.
* كاتب لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.