على رغم أن احتمال شن هجوم عسكري اميركي على العراق عشية قمة بيروت يبدو أكبر، ولو ظاهرياً، مما كان عليه قبل قمة عمان في آذار مارس 2001، فالأرجح أن المساحة التي سيحتلها ملف "الحالة بين العراقوالكويت" في القمة الوشيكة ستكون أصغر منها في القمة السابقة. فقد حظي هذا الملف باهتمام بالغ في قمة عمان، واحتل مساحة تساوت مع الحيز الذي اخذته قضية الانتفاضة والاوضاع في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة، إن لم يزد بنقطة أو نقطتين. وكانت هذه القمة قاب قوسين من إقرار صيغة وسيطة لغلق ملف طال أمده، تقوم على شقين وهما التزام العراق بتأكيد استقلال الكويت وسيادتها وأمنها في مقابل المطالبة برفع العقوبات المفروضة على العراق الذي تحفظ على هذه الصيغة في الساعات الاخيرة للقمة بعد ان قبلتها الكويت. لعلنا ما زلنا نذكر صورة الارتباك الذي حدث عند تلاوة البيان الختامي للقمة العربية في عمان في آذار مارس 2001، عقب رفع بند الحالة بين العراقوالكويت منه. فبعدما انتهى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبد المجيد من قراءة البيان، أعلن بشكل مفاجئ أنه تسلم قبل دقائق اضافة جديدة مفادها تكليف الرئيس الحالي للقمة الملك عبد الله الثاني عاهل الاردن الاتصال بالقادة العرب والأطراف المعنية لمتابعة وحل الخلاف بين العراقوالكويت. لكن الاتصالات التي اجراها العاهل الاردني، فور انفضاض القمة، لم تساعد في تحريك الموقف الذي خيم عليه الجمود لنحو تسعة أشهر، الى أن قام الأمين العام الحالي للجامعة العربية السيد عمرو موسى بمحاولة جديدة بدأت بزيارة بغداد في 18 - 19 كانون الثاني يناير الماضي، ولكنها لم تصل بدورها إلى نتيجة ايجابية. تراجع الاهتمام ولذلك لم يعد ممكناً أن يحظى ملف الحالة بين العراقوالكويت بمساحة كبيرة في قمة بيروت. اذ أعطت الدورة الاخيرة للمجلس الوزاري للجامعة العربية قبل أيام مؤشراً ذا دلالة الى تراجع الاهتمام بهذا الملف، إذا لم يتم ادراجه على جدول أعمال هذه الدورة. غير أنه لن يغيب تماما عن قمة بيروت، وإنما سيأخذ موقعاً ثانويا. بالتأكيد سيعرض الأمين العام للجامعة هذا الموضوع ضمن تقريره الى القادة العرب. لكن صار مستبعداً أن تسعى قمة بيروت الى إكمال ما لم يمكن انجازه في قمة عمان. فالكويت لا ترغب في اعادة طرح الصيغة التي تعثرت في القمة السابقة وباتت ترى أنها لم تعد كافية خصوصاً وأنها لا تضمن حلاً لمشكلة الأسرى والمفقودين. والعراق بدوره يركز الآن على الاتصالات مع الأممالمتحدة ويسعى الى حل لمشكلة التفتيش على أسلحته للدمار الشامل يحفظ ماء وجهه ويتيح له قبول إعادة المفتشين الدوليين. انجاز عمان ويشير تقلص الاهتمام بملف الحالة بين العراقوالكويت في قمة بيروت، بعدما تصدر أعمال قمة عمان مشاركة مع القضية الفلسطينية، الى أحد أوجه قصور النظام العربي الرسمي، وهو أنه لا يعمل على أساس تراكمي. فقد شهدت قمة عمان تطوراً كبيراً بل إنجازاً لم يكتمل تمثل في بلورة صيغة لحل وسط. وكان مفترضاً أن تصبح هذه الصيغة اساساً لتحرك في فترة ما بين قمتي عمانوبيروت بهدف إكمال ما لم يكتمل خلاله. ولكن الاستعلاء العراقي بدد هذه الفرصة ودفع الكويت الى التراجع عن قبولها الصيغة الوسطية التي بذل عدد من وزراء الخارجية ثم القادة العرب جهداً كبيراً في إعدادها وأظهروا مهارة توازنية في سعيهم الى بلورتها. وهنا، انتفى الشرط الضروري للتراكم، والذي يعني أن يبدأ عمل ما في احدى القمم ويتم اكماله في قمة تالية. ويعد ملف الحالة بين العراقوالكويت الاختبار الأهم لامكانات اسلوب التراكم في العمل العربي المشترك، لأن صعوباته وتعقيداته تجعل من الصعب اغلاقه دفعة واحدة. أما وأن هذا الاختبار أظهر استمرار العجز عن الأخذ بأسلوب التراكم، فهذا يعني أن الانعقاد الدوري للقمة لم يؤد الى تغيير في أداء النظام العربي الرسمي. فلم يكن أسلوب التراكم ممكنا، من الأصل، قبل الاتفاق على هذا الانعقاد الدوري، وحين لم يكن ممكناً معرفة موعد عقد القمة. ولكن بعد أن أصبح معروفاً حين تعقد القمة أن أخرى ستليها بعد عام، فالمفترض أن يتيح هذا التطور امكانات لتطوير العمل العربي باتجاه الاسلوب التراكمي الذي يمكن تلخيصه في أن ما لا يدرك في هذه القمة ربما يمكن بلوغه في قمة تالية، بما يعنيه ذلك من تواصل العمل من قمة الى أخرى. ولكن يبدو أن هذا الأسلوب يتعارض مع الثقافة والسلوكيات السياسية العربية السائدة والموروثة على مدى عقود، والتي تتسم بسمات عدة أهمها ثلاث: أولاها: غياب الثقة وانتشار الشكوك المتبادلة بين الدول العربية على نحو يضعف امكانات الاسلوب التراكمي الذي يقتضي توافر بيئة تعلو فيها عوامل الثقة على دوافع الريبة. غياب الثقة فمؤدى هذا الاسلوب هو العمل على مراحل وتحقيق الانجاز المطلوب بطريقة الخطوة تلو الأخرى. ولذلك فمن أهم شروط نجاحه أن يتوافر حد أدنى من الثقة المتبادلة التي تتيح تغييراً في المواقف والاتجاهات بمقدار ما يتحقق من تقدم، أي قبل الوصول الى الحل النهائي للموضوع الذي يجري التعاطي معه بأسلوب تراكمي. واذا كان انتشار الشكوك المتبادلة يمثل مشكلة عامة في النظام العربي الرسمي، فالوضع اسوأ كثيراً - بل هو الأسوأ على الإطلاق - على صعيد ملف الحالة بين العراقوالكويت لأنه يتجاوز أي خلاف أو نزاع عربي كان أو غير عربي. ... والعراق وثانيتها، ضعف المرونة بدرجات متفاوتة تصل الى ذروتها لدى النظام العراقي الذي يعد أكثر نظم الحكم العربية الراهنة استعدادًا للمغامرة من ناحية وميلاً الى منطق كل شيء أو لا شيء من ناحية أخرى. فقد تعامل مع الصيغة التي طرحت عليه في قمة عمان باعتبارها لا تكفي لتحقيق مطالبه. فلم يرض أن تكتفي القمة بالمطالبة برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، وأراد أن تضاف العقوبات العسكرية وأن تتخذ القمة قراراً بعدم التزام هذه العقوبات بشقيها، بالرغم من أنه يعرف جيداً أن هذا مطلب مستحيل، وأنه ليس في مصلحة العرب خرق الشرعية الدولية التي يدعون في كل يوم الى الالتزام بها في قضيتهم المركزية في فلسطين. وفضلا عن استحالة تحقيق هذا المطلب العراقي في القمة السابقة والمقبلة، تجاهلت بغداد حقيقة مهمة وهي أن الصيغة التي طرحت في قمة عمان كانت خطوة مهمة الى امام، مقارنة بما كانت عليه الحال قبل سنوات قليلة حين كان مجرد حضور العراق في القمة مختلفاً عليه قبيل قمة القاهرة الطارئة عام 1996، وعندما كان نظام صدام حسين يتمنى مجرد التضامن معه ولا يمتلك الجرأة للمطالبة برفع العقوبات. وليست القمة الاسلامية في الدار البيضاء في كانون الاول ديسمبر 1994 بعيدة جداً، فكان أقصى طموح للوفد العراقي هو أن تتضمن قراراتها تأكيد سيادة العراق وسلامته الاقليمية واستقلاله السياسي والتطبيق النزيه لقرارات مجلس الأمن. موقف الكويت أما السمة السلبية الثالثة للثقافة والسلوكيات السياسية العربية فهي النظر الى الفرصة التي لا تُنتهز في حينها على أنها ضاعت أو تبددت. وبدا أن هذه هي نظرة الكويت الى الصيغة التي تم إعدادها في قمة عمان منذ أن انفضت هذه القمة. فكان رد الفعل الكويتي الأول على رفض العراق تلك الصيغة، والذي جاء على لسان الشيخ صباح الأحمد في 29 آذار مارس 2001، هو أن القمة كشفت للعالم النظام العراقي الذي لا يهتم بشعبه. وتبعه الشيخ محمد الصباح في 2 نيسان ابريل مستبعداً أي مصالحة مع النظام العراقي لسبب كان قائما عندما قبلت الكويت الصيغة التي طرحت في قمة عمان، وهو أن المشكلة ليست بين نظامين سياسيين بل بين نظام سياسي وبين أرض وتراب وحضارة وتاريخ الكويت. وساهم في ذلك أن قبول الحكومة الكويتية تلك الصيغة خلق احباطاً في الشارع وأدى إلى شعور عام بتقديم تنازل من دون مقابل. ولكن ربما الأهم من ذلك هو توجيه الانتباه الى أن صيغة قمة عمان لم تتضمن ضمانات جدية لإعادة الأسرى والمفقودين، الأمر الذي أدى في الغالب الى التقليل من أهمية ما ورد فيها من تعهدات يلتزم بها العراق حال موافقته عليها. وهي تعهدات قوية وخصوصاً عندما ننظر الى نصها الذي يتضمن التزام العراق بالتأكيد على احترام استقلال دولة الكويت وسيادتها وضمان أمنها ووحدة أراضيها داخل حدودها المعترف بها دوليا، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واتخاذ السياسات الكفيلة باحترام هذا الالتزام. ولكن لم تكن مراجعة الكويت لموقفها تجاه الصيغة التي طرحت في قمة عمان هي وحدها التي أعادت الملف الى "المربع الرقم 1" وأغلقت الطريق امام محاولة السيد عمرو موسى إعادة تحريكه في كانون الثاني يناير الماضي، وقزمت بالتالي موقع هذا الملف في قمة بيروت. فقد لعب غياب المرونة العراقية دوراً لا يقل اهمية في الوصول الى هذه النتيجة. ولم يحمل الخطاب السياسي الصادر من بغداد ما يدل على اكتساب أي مرونة خلال وبعيد تحرك الامين العام للجامعة العربية، بل حمل هذا الخطاب ملامح غير مشجعة: أولها المطالبة بحسم موضوع الأسرى من خلال الاتصال المباشر أو في اطار جامعة الدول العربية بما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي التي تتمسك بها الكويت. وثانيها الاستمرار في تمييع موضوع الأسرى بطريقة جديدة عبر الترحيب بوفود كويتية وسعودية تزور العراق للتأكد من عدم وجود أي أسير. وأعرب الرئيس صدام حسين شخصياً، خلال رئاسته لاجتماع لمجلس الوزراء في آخر كانون الثاني يناير الماضي، عن استعداده لقبول زيارات مفاجئة من السعودية والكويت لتفقد الأماكن التي يقولون إن بها مفقودين كويتيين، ونحن على استعداد لفتح أبواب أي قصر في العراق من أجل هذا الغرض عدا منازل المواطنين لأنهم أصحابها!!. وثالثها الحديث عن أن العراق أدى ما عليه من التزامات في قمة عمان، وفي سياق يوحي بأن المطلوب مصالحة من دون شروط وبغير تعهدات، الأمر الذي حمل معنى التحايل على صيغة قمة عمان. وظهر ذلك واضحاً في اعلان نائب رئيس الوزراء السيد طارق عزيز أن بلاده أدت ما عليها من التزامات ولديها نية صافية لتحقيق المصالحة، وفي مطالبة وزير الخارجية ناجي صبري الحديثي العرب نسيان ما حدث في قوله: يجب على العرب نسيان ما يستطيعون نسيانه من خلافات بينهم وتأجيل الذي لا يستطيعون نسيانه الى مرحلة أخرى والتفرغ لتحقيق تضامنهم وتعاونهم. وهذا موقف غير مقبول من غالبية الدول العربية. وجاء أقوى نقد ضمني وغير مباشر له على لسان وزير الخارجية المصري السيد احمد ماهر خلال ندوة في معرض القاهرة الدولي للكتاب في 21 كانون الثاني يناير الماضي، عندما أشار الى اخطاء عراقية فاحشة يجب تصحيحها. ولكن الأرجح أن حكومة بغداد لا ترغب بعد في تصحيح هذه الاخطاء، وأنها سعت الى استثمار محاولة عمرو موسي تحريك ملف الحالة بين العراقوالكويت وخصوصاً من الناحية الاعلامية، بينما لم يكن لديها استعداد لإبداء مرونة حقيقية خصوصاً وأنها كانت تتجه في ذلك الوقت الى التركيز على الحوار مع الأممالمتحدة وليس مع الدول العربية. وهكذا يجوز تلخيص الفرق بين وضع الملف العراقي - الكويتي من قمة عمان الى قمة بيروت في أن الطرفين صارا أقل استعداداً الآن، مما كان عليه قبل عام، للتجاوب مع أي جهد عربي لإغلاق هذا الملف أو انجاز تقدم فيه. مشروع الصيغة ل"الحالة العراقية - الكويتية" وزعت وكالة "فرانس برس"،في ختام قمة عمان في آذار مارس الماضي نص مشروع الصيغة النهائية للبند المتعلق ب"الحالة بين العراقوالكويت" والذي رفضته بغداد. وفي يأتي النص: "ان القادة العرب، تقديرا منهم لخطورة المرحلة التي تجتازها الامة العربية وحساسيتها ولطبيعة التحديات الاقليمية والدولية التي تواجه اقطارها كافة، وادراكا لما تتطلبه مواجهتها من تحسين للوضع العربي الذي تعرض للضعف خلال السنوات الماضية، وتحقيقا للتوجه الفعال نحو حل جميع المشاكل القائمة وبخاصة ما يتعلق منها بالحالة التي نشأت بين العراقوالكويت ومنعا لتكرارها، ورغبة منهم في تعزيز التضامن العربي، ومعبرين عن تمسكهم بالروابط القومية وعزمهم على تعزيز العلاقات العربية ومن منطلق وحدة الهدف وترابط عناصر الامن القومي العربي، يقررون ما يلي: اولا: تأكيد ضرورة احترام مبادئ ميثاق جامعة الدول العربية واهدافه والمحافظة على الامن القومي العربي على اساس احترام سلامة كل دولة وسيادتها على اراضيها ومواردها وحقوقها وعدم التدخل او السماح بالتدخل في شؤونها الداخلية وعدم استخدام او التهديد باستخدام القوة والالتزام بتسوية النزاعات بالوسائل السلمية عن طريق الحوار والتفاوض ومن خلال اليات فض النزاع. ثانيا: أ - التأكيد على احترام استقلال وسيادة دولة الكويت وضمان امنها ووحدة اراضيها داخل حدودها المعترف بها دوليا وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتأكيدالتزام العراق بذلك ودعوته الى اتخاذ السياسات الكفيلة باحترام هذا الالتزام. ب - التأكيد على احترام استقلال وسيادة العراق ووحدة اراضيه وسلامته الاقليمية وعدم التدخل في شؤونه الداخلية والمطالبة بوقف كل ما يتعرض له العراق من اعمال واجراءات تمس سيادته وتهدد سلامته وخاصة تلك التي تتم خارج اطار قرارات مجلس الامن ذات الصلة وبخاصة الضربات العسكرية. ج - دعوة العراق الى اتمام تنفيذ كافة الالتزامات الواردة في قرارات مجلس الامن لايجاد حل سريع ونهائي لمشكلة الاسرى والمفقودين الكويتيين وغيرهم واعادة كافة الممتلكات الكويتية. د - المطالبة بانهاء المشاكل العالقة بشأن موضوع اسلحة الدمار الشامل ووسائل المراقبة عبر مفاوضات بين العراق ومجلس الامن لاستكمال الالتزامات المتعلقة بذلك بشكل عادل وشامل باسرع وقت ممكن وفقا لقرارات مجلس الامن المعنية وذلك بهدف انشاء منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط. ثالثا : ا - المطالبة برفع العقوبات المفروضة على العراق ب - اتخاذ الترتيبات اللازمة لاستئناف الرحلات الجوية التجارية مع العراق. ج - الدعوة الى التعاون في ما يتعلق بما قدمه العراق بشأن المفقودين العراقيين برعاية اللجنة الدولية للصليب الاحمر".