«الداخلية»: ضبط 20124 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    زوّار مهرجان وادي السلف يتخطون حاجز ال 117 ألف زائر    1.8 مليون طالب وطالبة في "تعليم الرياض" يعودون لمدارسهم..غداً    الأمم المتحدة تحذر: العنف المسلح يفاقم الأزمة السودانية    زيلينسكي: علينا محاولة إنهاء الحرب العام المقبل    ضيف الرأي: الفنانة التشكيلية مروة النجار    إطلاق مركز (Learning Hub) للتعامل مع التهديدات الصحية المعقدة    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    المربع الجديد استعرض مستقبل التطوير العمراني في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    اكتشاف مخلوق بحري بحجم ملعبي كرة سلة    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    الخرائط الذهنية    باندورا وعلبة الأمل    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكم اللبناني يستنفر من أجل حق العودة وطوكيو تدرس دعوة الحمائم اليها ... وترجيحات بمفاجأة عراقية . القمة العربية والسلام:صيغة عامة للمبادرة تدعمها مصر والدول الخليجية ... ودمشق وبيروت وبغداد ترغب في توضيح التفاصيل
نشر في الحياة يوم 23 - 03 - 2002

بلد المفارقات هو الذي يستضيف القمة "المنعطف"، لكثرة الآمال بأن تكون قمة بيروت العربية تاريخية ومفصلية. ولعلّ المفارقات التي تتجمع في لبنان، تجعل من هذا المفترق الذي يُؤمل بأن تصنعه القمة اختزالاً للتعقيدات والتناقضات الكثيرة التي تحيط بالطريق الطويل الجديد الذي سيسلكه العرب. فاجتماعهم، الاربعاء المقبل 27 آذار مارس في العاصمة اللبنانية يواجه تحدّي الخروج بخطاب سلمي عربي، في زمن استطاع الصمود الفلسطيني ان يعطي أمثولة غيّرت اتجاه الرياح التي كادت تدفع الولايات المتحدة الى سياسة إزاحة الرئيس ياسر عرفات مع ما يعنيه ذلك من تداعيات، منها احتمال خفض سقف الحقوق الفلسطينية. وهذا الاجتماع يواجه ايضاً تحدّي بلورة مبادرة سلمية، في مكان سمح للعرب، قبل أقل من سنتين، بأن يتذوقوا طعم النصر على اسرائيل، حين نجحت المقاومة في جنوب لبنان في اجبار الجيش الاسرائيلي على الانسحاب منه، من دون قيد أو شرط، واستمرّت في حال جهوزية واستنفار من أجل تحرير مزارع شبعا، المتنازع دولياً على تبعيتها للأراضي اللبنانية، لأن الخط الأزرق الذي كانت رسمته الأمم المتحدة للانسحاب الاسرائيلي أبقاها ضمن الأراضي السورية المحتلة في الجولان. والخط الأزرق هذا تحول "بنفسجياً" لأنه بات يهدد بإمكان توسيع المواجهة الاسرائيلية - الفلسطينية كلما تصاعدت العمليات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين. بل ان التحدي للقادة العرب يزداد وطأة لأن مكان لقائهم هو الأكثر حساسية، بعد الحساسية عند الجانب الفلسطيني في التعاطي مع أهم نقاط أي خطاب سلمي، أي قضية المئتي ألف ونيف من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وحق العودة عموماً.
يوم الأحد في 17 الشهر الجاري رعى الرئيس اللبناني اميل لحود اجتماعاً حاشداً دعت إليه لجنة المتابعة اللبنانية - الفلسطينية لدعم الانتفاضة الفلسطينية وعودة اللاجئين، تحدث فيه الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله، ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل ورئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص. ومثّل كل من لحود ورئيس الحكومة رفيق الحريري أحد الوزراء. والاربعاء المقبل في 28 الجاري سيترأس لحود اجتماعات القمة العربية في فندق فينيسيا، ومحورها، الصياغة النهائية للمبادرة السعودية في شأن إقامة السلام مع اسرائيل في مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة.
وما بينهما، وقبلهما الى حد ما شهد لبنان والعاصمة بيروت نوعين من التحرّكات: الأول، في الشارع حيث خرجت تظاهرات هنا وهناك في المخيمات الفلسطينية وفي صيدا والبقاع، تعلن التضامن مع الانتفاضة وتهتف ضد تقديم التنازلات وتحذّر من التخاذل في القمة. وهي تظاهرات شهدت العاصمة السورية مثلها أوائل الاسبوع.
الثاني، الحركة السياسية العربية الرسمية نحو بيروت، وأبرزها زيارة كل من وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، والأردني مروان المعشر ونائب الرئيس الايراني السيد علي ابطحي. وهي حركة تواصلت مع الاجتماعات التحضيرية للقمة، استكمالاً للتحرّكات العربية في اتجاه القاهرة والرياض، خصوصاً من جانب الدول العربية الرئيسة المعنية بالصياغة ما قبل النهائية للأفكار السعودية، كي تتحوّل مبادرة عربية. وهدفت الحركة السياسية الى التدقيق في هذه الصياغة، حتى لا تسبب ملاحظات أي دولة خلافاً عند عقد القمة، على رغم الموافقة الاجماعية على الأفكار التي طرحها ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. أما النوع الأول من التحرّكات الشعبية فقد سطّر رسائل واضحة الى القمة. وفي مهرجان التضامن مع الانتفاضة وحق العودة الذي رعاه لحود، دعا نصرالله الدول العربية الى غضّ النظر عن إيصال السلاح الى الفلسطينيين كي يواصلوا مقاومتهم الجيش الاسرائيلي، من جهة، واقترح قيام لقاء وطني لبناني لمواجهة مشاريع توطين الفلسطينيين في لبنان من جهة ثانية، فلقي صدى لدى القادة المسيحيين، الذين يكثرون من المواقف الرافضة للتوطين خشية تأثيره في التوازن الديموغرافي الطائفي في لبنان. وتضمّن بعض الكلمات خلال المهرجان، وقبله وبعده، بعض المواقف التي حذّرت من أن "تجهض" أي أفكار، أو أي مبادرة الانتفاضة. ولم يخفِ بعض الديبلوماسيين العرب المعنيين باخراج المبادرة في القمة انزعاجه من هذه التعابير، معتبراً أنه من غير الوارد في الأفكار السعودية القيام بخطوات من أجل إجهاض الانتفاضة، ومن غير المطروح على أي جانب عربي ان يسلك توجهاً من هذا النوع.
ومع تواصل التحرّكات الشعبية، في بيروت قبيل القمة واتساع شعاراتها لتشمل دعم الانتفاضة واستنكار ضرب العراق، فإن الأجواء السياسية في لبنان بقيت محكومة بسقف التنسيق اللبناني - السوري، خصوصاً ان الانطباعات التي سجّلها كبار المسؤولين اللبنانيين الذين التقوا المسؤولين السعوديين ثم وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في أثناء زيارته بيروت الثلثاء والأربعاء الماضيين، أو الذين التقوا كبار المسؤولين السوريين، تفيد ان التفاهم بين الرياض ودمشق يظهر في وضوح ومن دون لبس لدى المسؤولين في البلدين. وهي انطباعات تكرّر تسجيلها مرات عدة سواء بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للرياض أوائل الشهر الجاري أو في أثناء اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل أسبوعين، وبعد زيارة سعود الفيصل للعاصمة السورية.
وبات شائعاً ان الرياض أكدت لسورية أنها مع الأخذ بملاحظاتها حول ضمان عبارة الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967، والتشديد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وفقاً لقرار الأمم المتحدة الرقم 194، والسعي لاعتماد صيغة إقامة علاقات "عادية"، بدلاً من عبارة "التطبيع"، في مقابل الانسحاب الاسرائيلي.
الحذر اللبناني
الا ان كبار المسؤولين اللبنانيين توخّوا الحذر، حين صدر قرار مجلس الأمن الرقم 1397، يوم الاربعاء في 13 الجاري، اذ أنه اكتفى بالنص على القرارين 242 و338، من دون القرار الرقم 194، مشيراً في بدايته الى "القرارات ذات الصلة" فقط. ومصدر الحذر خشية المسؤولين اللبنانيين من أن تكون هناك "طبخة" دولية لجعل القرار الجديد الذي يدعو للمرة الأولى الى قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل، سقفاً للمبادرة التي ستخرج بها القمة العربية، خصوصاً أن قمة برشلونة الأوروبية التي عقدت غداة صدور القرار دعت لبنان وسائر الدول العربية الى تبنيه وتأييده سورية امتنعت عن التصويت عليه لاغفاله الاحتلال وحق العودة.
واستنفر ذلك "الحساسية اللبنانية"، ازاء الصيغة التي سيصدر فيها موضوع عودة اللاجئين، عن القمة، في ظل معطيات لدى الجانب اللبناني عن عودة مشاريع التوطين بجدية. ويقول ديبلوماسي لبناني معني بمتابعة تفاصيل التحضيرات للقمة: "اذا كانت الصيغة في شأن حدود الانسحاب الاسرائيلي تهم سورية والفلسطينيين، وفي شأن العلاقات العادية أو التطبيع، أو القدس، تهمّ جميع العرب، فإن الصيغة في شأن حق العودة هي أكثر ما يهمّ لبنان. وهو لذلك يسعى الى التدقيق في هذا الأمر". وتجلى الحذر في تصريحات للرئيس لحود نبّه فيها الى "محاولات تقديم صيغ بديلة من القرارات الدولية السابقة، أو صيغ غامضة لا تتناسب مع نصوص هذه القرارات". وزاد الاستنفار اللبناني لأن المداولات بين المسؤولين اللبنانيين وبعض المسؤولين العرب أوضحت ان عودة اللاجئين يفترض ان تعالج باعتدال وواقعية، ونسب الى وزير الخارجية الأردني إشارته الى أن السعي سينصبّ على حلّ عادل لهم، لتعذّر إعادتهم جميعاً بين 4 و5 ملايين.
وقاد الاستنفار السياسي اللبناني حول هذه المسألة رئيس الحكومة رفيق الحريري الى تكرار ذكر القرار 194 في سياق تعداده، في تصريحاته، القرارات الدولية المعنية بمفاوضات السلام. وجعل هذا الاستنفار رئيس المجلس النيابي نبيه بري يطلق مواقف انتقادية قاسية لممثل الأمين العام للأمم المتحدة المفوض العام للاجئين رود لوبيز في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الذي عقد في مراكش، الاسبوع الماضي، ، لقوله ان توطين اللاجئين أو استيعابهم يؤدي الى غنى في المجتمعات التي تستقبلهم، ولأنه كرّر هذا الكلام مرات عدة. ووصف بري هذا الكلام بأنه "غريب عجيب". وقال بحدّة ان لوبيز "أعطانا دفقاً من الانسانية لحماية اللاجئين في كلمة لا علاقة لها بكلمة الأمين العام الذي يمثله. ولم نعد نعرف مَنْ يمثّل مَنْ. فهو لم يأت على ذكر ضرورة العمل على اعادتهم، والمقصود هو انقضاض على الحق الانساني وطعنة لأي لاجئ وخصوصاً للقرار 194 المتعلّق بعودة الفلسطينيين الى ديارهم".
وازداد الترقّب اللبناني الحذر، عند تسقط الانباء عن ظروف مشاركة الرئيس عرفات في القمة والسماح له بالخروج مع ضمان عودته من جانب الاسرائىليين والاميركيين. ولوحظ ان الشروط التي طرحها شارون للسماح لعرفات بالمغادرة، والعودة، تتناول عدم القائه خطاباً تحريضياً في أثناء القمة ووقف العمليات الفلسطينية الاستشهادية وغيرها، وضمان عدم صدور موقف متشدّد من الجانب الفلسطيني في التوجّه السلمي الذي ستقرّه القمة. وطرح بعض المسؤولين اللبنانيين السؤال عما اذا كانت المساومات التي عمل من أجلها الاميركيون، في سياق المخرج الذي سيعتمد لمغادرة عرفات الى القمة، ستشمل ضمان خفض سقف المطالب العربية، بما فيها قضية اللاجئين. لكن الترقب اللبناني ازاء هذه المسألة بقي في حدود الافتراض، خصوصاً ان الخلاف الفلسطيني - الاسرائيلي على قضية عودة اللاجئين، كان سبباً رئيساً لانفراط مفاوضات كامب ديفيد بين عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك في تموز يوليو من العام 2000 في كامب ديفيد، اضافة الى الخلاف على القدس، حيث أصرّ عرفات على اعتبار القرار 194 أحد مرتكزات معالجة هذه القضية. كما سبق ان أكد أنه اتّفق مع الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون على ان تعطى الأولوية في عودة اللاجئين الى أراضي السلطة للاجئين الموجودين في لبنان، ولذلك استبعد المسؤولون اللبنانيون ان يخضع عرفات لأي ضغط في موضوع العودة.
رؤية أم آلية؟
في كل الأحوال، فإن المشاورات حول الصيغة، بحسب قول ديبلوماسي لبناني يتتبّع التفاصيل، ما زالت قائمة، لأن الحركة السياسية العربية التي شهدتها بيروت خلال الأيام الماضية كان هدفها الاطلاع على ما لدى الجانب السعودي من أفكار، ومن خلفيات وتوقعات لما ستؤول إليه الأوضاع بعد تحوّلها الى مبادرة عربية. ويشير الديبلوماسي اللبناني الى ان زيارة الوزير الفيصل أوضحت الكثير للجانب اللبناني كما للجانب السوري من الأفكار السعودية. فالديبلوماسية اللبنانية تعاملت مع ما هو مطروح على القمة انطلاقاً من مجموعة من الاسئلة منها: هل ان المبادرة العربية ستكون مجرد رؤية للسلام، أم أنها ستحدد آلية للسلام. واذا كانت رؤية أو إعلاناً سياسياً، فكيف سيتم وضع الآلية؟ واذا كانت الآلية ستوضع متى سيبدأ تنفيذها، بعد شهر من اطلاق المبادرة، أم بعد سنة أم بعد ثلاث سنوات؟ وهل سيأخذ وضع الآلية التي ستنجم عن اطلاق المبادرة في الاعتبار، السعي من أجل تنفيذها في ظل وجود آرييل شارون في رئاسة الحكومة، أم ان دول الغرب وأميركا تخطط لإحداث تغيير في اسرائيل تجري معه مباشرة آلية عملية السلام؟ فالآلية مع عودة بنيامين نتانياهو الى رئاسة الحكومة شيء، ومع المجيء برئيس للحكومة من حزب العمل مثل بنيامين بن اليعيزر أو يوسي بيلين شيء آخر... الخ. وكل هذه الاسئلة يمكن ان يحسم الموقف منها الجواب عن سؤال رئيس ومهم: هل ان المبادرة العربية تكتيكية أم استراتيجية؟
ويضيف الديبلوماسي اللبناني نفسه ان قرار مجلس الأمن الرقم 1397 صدر بروحية الدعوة الى رؤية للسلام، لا الى آلية. وهو بذلك يقترح صدور مبادئ وعموميات عن القمة. لكن الأمر يتوقف مع ذلك على مشاورات القادة العرب وما يريدونه.
وفيما أعلن وزير الثقافة غسان سلامة، بصفته رئيس للجنة التحضيرية للقمة، ان هناك نصائح أميركية وأوروبية للقادة العرب بأن تخرج المبادرة بنص يبتعد من التفاصيل، من أجل عدم إحراج الغرب بآلية التحرّك المقبلة وصولاً الى السلام، قال أحد الديبلوماسيين في الجامعة العربية ل"الحياة" ان التوجّه الغالب، بعدم التعمّق بنص المبادرة هو المرجح لدى دول مثل السعودية ومصر والاردن ودول المغرب العربي، وأن الجانب السوري هو الذي يسعى الى تضمين النص تفاصيل قدر الامكان، منعاً للتأويل في أي من البنود، عند البدء في آلية التنفيذ، باعتبار ان ما سيصدر عن القمة هو وثيقة أساسية يفترض ان تتمّ المفاوضات على أساسها. الا ان أحد الديبلوماسيين الخليجيين المطّلعين على الاتصالات السعودية العربية قال ل"الحياة" ان "من بين ما يجب الحرص عليه هو ألا نكشف أوراقنا في سرعة وألا نقول كل شيء في النصوص منذ الآن أمام الجانب الاسرائيلي والغربي، كي تبقى القدرة لدى العرب على المناورة لاحقاً، في تقديم ما يمكنهم تقديمه. ولذلك فإن التدقيق منذ الآن بعبارات من نوع التطبيع، أو العلاقات الطبيعية، أو العلاقات العادية مع اسرائيل يكون سابقاً لأوانه".
الا ان وزيراً لبنانياً مقرّباً من دمشق أبلغ "الحياة" ان توزّع المواقف العربية في شأن عمومية المبادرة أو تطرّقها الى التفاصيل، "يمكن تحديده في شكل أكثر وضوحاً، كالآتي: سورية ولبنان والعراق تريد أكبر قدر من التفاصيل في النص. والمسؤولون في هذه الدول الثلاث يتطلعون الى معرفة الموقف الفلسطيني الذي نعتقد ان من مصلحته ان تكون المبادرة تفصيلية، تلزم الجانب العربي والمجتمع الدولي سقفاً لا تراجع عنه في أي تفاوض مستقبلي". ويوافق الوزير نفسه على ان الدول التي تفضّل عدم تعمّق المبادرة في التفاصيل هي دول الخليج ومصر والأردن.
لكن المصدر الديبلوماسي في الجامعة العربية يلتقي مع تقديرات للوزير سلامة بأن نص المبادرة العربية سيكون مختصراً بعيداً من التفاصيل. فمع صحة القول ان المشاورات الحالية تتناول الصياغة، فإن هذا لا يعني أنها أدت حتى الآن الى وضع نصوص نهائية، بقدر ما جرى التداول ببعض العبارات. أما النص فقد يترك لوزراء الخارجية اذا عرض الأمر عليهم. وقد يترك لنص يطرحه ولي العهد السعودي في الجلسة التي تلي جلسة افتتاح القمة، ليتداول به الزعماء العرب ويتوافقوا عليه. والأرجح ان يكون قصيراً.
ويضيف الديبلوماسي في الجامعة العربية الى هذه المعلومات قوله ان قصر النص مع ذلك سيحسم الموقف من موضوع القدس كما طرحه الأمير عبدالله، أي أن تقسم الى عاصمتين للدولتين وفقاً لثوابت الموقف الفلسطيني، وان تعتمد عبارة علاقات سلام عادية بين العرب واسرائيل وان يتم التشديد على الانسحاب الاسرائىلي حتى حدود الرابع من حزيران العام 1967 وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين بموجب القرارات الدولية والقرار 194. ويشير الديبلوماسي نفسه الى ان ما تحرص عليه الدول العربية الرئيسة هو ان يتم اقرار الخطاب السلمي العربي المقبل، بالإجماع.
وسط الاسئلة الكثيرة، تشير مصادر ديبلوماسية مطلعة في بيروت الى ان المواكبة الغربية لأعمال القمة تشمل البحث عن صيغ التحرّك بعد انتهاء القمة. وتجرى مشاورات بين أوروبا وأميركا في هذا الصدد. وعلمت "الحياة" ان بعض هذه المشاورات شمل دولاً أخرى ايضاً، خصوصاً ان دولة مثل اليابان حاولت جسّ النبض في شأن إمكان استضافتها بعد انتهاء القمة طاولة تفاوض اسرائىلي - فلسطيني في طوكيو، تضم الحمائم من الجانبين، شبيهة بالتي استضافها رئيس جنوب أفريقيا سابو مبيكي قبل أكثر من شهر، للتداول في سبل تحريك عملية السلام. وقالت مصادر ديبلوماسية مطّلعة ل"الحياة" ان سفراء اليابان في الشرق الأوسط، يعقدون اجتماعات تشاور في الخارجية اليابانية في طوكيو، لتدارس أوضاع المنطقة، وأن بين الافكار التي يتدارسونها عقد مثل هذا الاجتماع الفلسطيني - الاسرائيلي وأن القرار النهائي في شأن مبادرة من هذا النوع قد يتّخذ بعد انتهاء القمة وبناء على نتائجها وعلى المشاورات الجارية مع الدول الغربية الأخرى.
مفاجأة عراقية؟
الا ان الوزير سلامة يعتبر أن على أهمية المشاورات الجارية في ما يتعلق بالافكار السعودية وتحويلها الى مبادرة عربية، يجب عدم تجاهل أهمية ما هو مطروح من قضايا أخرى في القمة.
ويرى سلامة أن مع التوقعات بأن تكون تاريخية، فإن أمام القمة موضوع العراق وأجواء الحرب التي تهيئ لها الولايات المتحدة الاميركية ضده. وفي وقت يشترك سلامة مع الكثير من المصادر الديبلوماسية العربية، في استبعاد أي تطور جديد في العلاقة العراقية - الكويتية، اثناء قمة بيروت، فإنه لا يستبعد مفاجآت لها وزنها في الملف العراقي، خصوصاً ان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان سيحضر القمة، ما يفسح في المجال لتجديد المفاوضات بينه وبين الجانب العراقي، حول مبدأ عودة المفتشين الدوليين الى بغداد، الذي تصرّ عليه الادارة الاميركية، وتعتبره حجة لتنفيذ خطتها في قلب نظام الرئيس صدام حسين بالقوة.
وذكرت مصادر لبنانية رسمية أنه يجب عدم استبعاد إمكان حصول المفاجأة الايجابية في هذا الصدد، أي ان يقبل العراق بعودة المفتشين ولكن مع تحديد مهمتهم والمدة الزمنية لعملهم كما سبق لنائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان ان أعلن، بالتوافق مع أنان، اثناء القمة وأن تحتضن الأخيرة هذا الاعلان بحيث يقدم الجانب العراقي هذا التراجع عن رفضه عودة المفتشين قبل بضعة أسابيع. وتشير هذه المصادر الى ان هذا الاحتمال له أساس جدّي، لأن المباحثات التي أجراها وزير الخارجية العراقي ناجي صبري الحديثي مع أنان في نيويورك قبل أسابيع قليلة، والتي حضرها كبير المفتشين التابعين للأمم المتحدة وأحد كبار القادة العسكريين العراقيين، كاد يتوصل الى نتيجة نهائية لم تر النور في حينه.
ويرى سلامة ان عقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي في بيروت، على هامش عقد القمة، هو الموضوع الثاني الذي يحظى بالأهمية القصوى، لأن الاتجاه يميل الى تفعيله ودفعه الى الأمام نظراً الى ان تطوير التعاون الاقتصادي والانمائي بين الدول العربية بات حاجة استراتيجية تعادل أهميتها التعاون والتنسيق في السياسة الاقليمية. ونقل عن سلامة إشارته الى ان في إمكان لبنان والدول العربية العمل على تفكيك المزيد من أسباب التوتر والألغام القائمة بين بعض دولها وأن ليس مستبعداً أن تُبذل جهود لازالة التوتر بين المغرب والجزائر في ما يتعلّق بالصحراء الغربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.