ليس حباً بعاصي الرحباني بل كرهاً بمنصور الرحباني: هذا هو "مختصر مفيد" الحال الحاضرة بين الفنان منصور الرحباني وبعض الشخصيات الفنية والإعلامية اللبنانية التي تدلي بآراء حول تجربة فنّ الأخوين الرحباني. فتلك الآراء التي يصر اصحابها على رد النجاح والإبداع الكبيرين في التجربة الرحبانية الى عاصي الرحباني من دون منصور يبدو انها بدأت تتخذ طابعاً سلبياً وعميقاً في سلبيته بين منصور الرحباني وأبنائه من جهة، وفيروز وزياد الرحباني من جهة ثانية، على خلفية ان اصحاب هذه الآراء مقربون من فيروز وزياد. ان مسألة التمييز بين ما فعل عاصي الرحباني وما فعل منصور في تلك الأعمال الكبيرة التي قدماها، وخصوصاً إذا جاء من جانب اشخاص لا يعرفون معرفة حقيقية دور كل شخص من هذين الشخصين الإبداعيين هي نوع من ذر الرماد في عيون الأخوين معاً لأنها في النهاية تقسّم وتشوّه النتاج الرحباني ككل عبر تناتش المسؤولية أو الأهمية بين هذا دون ذاك أو ذاك دون هذا في وقت لا يعرف احد بالضبط ما هي حدود كل منهما في ذلك النتاج، إذ ان عاصي ومنصور ارتضيا ذوبان شخصيتيهما في شخص معنوي واحد هو الأخوان رحباني. وما دام صاحبا العلاقة المباشرة قررا ذلك، فمن هو الذي يحق له ان يحشر نفسه بينهما وأن يدّعي معرفة ما لا يعرفه احد غير عاصي ومنصور بالذات. هذه الأجواء المشحونة بالتوتر يعيشها حالياً اسامة منصور الرحباني الذي يرى ان صمت والده منصور حيال هذه الاتهامات، فسّره البعض ضعفاً في موقفه، وتالياً بات من الضروري ايضاح بعض الأمور التي سيتولّى اسامة بنفسه ايضاحها ليس باتهامات لدور عاصي الرحباني كما قد يظن البعض، وإنما لتنبيه الجميع الى ان ما يفعلونه هو الخطأ في عينه وسيؤدي في حال تفاقمه أو في حال تركه على الغارب الى قتل الأخوين رحباني معاً. والواقع ان فضول بعض الإعلاميين وبعض الفنانين في معرفة حقيقة دور كل من عاصي ومنصور على حدة في الأعمال المسرحية الرحبانية هو فضول قديم يرقى الى بدايات الأعمال التي راح عاصي ومنصور يوقعانها باسم الأخوين رحباني. لكن عاصي ومنصور، منذ البداية قررا ان يكون ذلك سراً عميقاً لا يصل الى إدراكه احد غيرهما. وخلال حياة عاصي الرحباني كان كثيراً ما يُسأل هو او منصور عن هذا الأمر، وكانا يكتفيان بالقول إن على الناس ان يشمّوا عطر الوردة من دون ان يسألوا عن خصائص كل ورقة من اوراق تلك الوردة. وعندما سئم هؤلاء الإعلاميون والفنانون من نيل ما يريدون من جواب تخلّوا عن ذلك السؤال ولكن الى حين. ... الى حين وفاة عاصي الرحباني وبروز خلافات بين منصور وفيروز امتدت الى عائلة منصور وإلى عائلة فيروز، اي الى الجيل الرحباني الجديد. وقد عمد البعض الى اجراء مقارنات بين الأعمال الرحبانية القديمة بتوقيع عاصي ومنصور، وأعمال منصور الرحباني الأخيرة ليستنتجوا على طريقتهم اموراً راحوا يراكمونها على مزاجهم ايضاً ليقولوا في النهاية، إن الثقل الفني الكبير في التجربة الرحبانية كان بقلم ووتر عاصي. وعندما أصدرت فيروز "كاسيت تحية الى عاصي" حلا للبعض القول إن اغنيات هذا الكاسيت وهي قديمة لفيروز، هي من تلحين عاصي الرحباني فقط ما اثار حفيظة منصور لكنه لم يهتم كثيراً. ومنذ ذلك الوقت كان بعض الشخصيات الفنية ممن عاصروا عاصي ومنصور وليس بينهم وبين منصور اي علاقة ود او صداقة يصرحون ان عاصي الرحباني كان "كل" الأخوان الرحباني. وهؤلاء بالنسبة الى منصور يقولون ذلك ليس حباً بعاصي وقد كانوا في الماضي يناصبونه العداء، وإنما كراهية بمنصور الذي ما زالوا يناصبونه العداء ويحاولون ان يؤثروا على نجاحه الكبير في مسرحيات غنائية كتبها ولحنها ونالت شهرة عربية واسعة منذ عشر سنوات حتى الآن. ويعتبر منصور ان عاصي لو بقي حياً الى اليوم لكان هؤلاء انفسهم هم الذين يردون اهمية المسرح الرحباني الى منصور للتأثير سلباً في عاصي. من هذا القبيل لا يعتبر منصور تصريحات هؤلاء الرعلاميين او الفنانين تستحق الرد أو الاهتمام، من دون ان يخفي انه ينزعج منها انزعاجاً كبيراً، وهو أي منصور لا يستطيع ان يلجم او يمنع ابنه اسامة من الرد على كل مَن يعتقد ان بإمكانه استفزاز منصور عبر نكران دوره الكبير في الأعمال الرحبانية المعروفة. اما اسامة فيبدو انه يهيئ نفسه لمعركة يقول انه سيفرض فيها الصمت على كل المصطادين في الماء العكر بين والده وعمه، وذلك بالتركيز على ان هدف حملات التشكيك ليس تكبير عاصي عبر تصغير منصور وإنما تصغير عاصي ومنصور عبر تكبير هؤلاء الإعلاميين والفنانين لأدوارهم في الحياة الفنية اللبنانية.