كان الولدان سامي وسلوى يجلسان في حال ملل بعد أن خرج والدهما للتعزية في وفاة زميل للوالد مات إثر اصابته بالجمرة الخبيثة، ولم يكن أمام الولدين ما يفعلانه، خصوصاً وأن والدهما كان قد وقّع عليهما عقاباً منذ الأمس. فوضع جهاز التلفزيون في كارتونة اغلقها بأشرطة بلاستيكية ليس من السهل فتحها. ورفع الكارتونة "وبها الجهاز" فوق خزانة الملابس، وكان الأمر صعباً الى درجة أنه كاد يسقط عن السلم. قال سامي الذي يبلغ الثالثة عشرة لسلوى التي لم تتجاوز العاشرة: - وبعد؟ قالت سلوى، ولم تكن في حاجة لمن يشرح لها مقصد أخيها: - لا أعرف. زم سامي شفتيه، واتخذ هيئة رجل عجوز عقد ذراعيه خلف ظهره وانحنى للأمام، لكنه لم يكن قد ارتدى اطار نظارة والده الفارغ، وأخذ يذرع الغرفة ذهاباً وعودة، لكن سلوى لحقته بسؤال: - هل تعرف أنت؟ ثم مالت بجسدها على الفوتي. كان سامي يرتدي بيجامة مخططة، لذا فقد كان قريب الشبه بوالده الذي كان دوماً يرتدي النوع نفسه من البيجامات المخططة، وسلوى فكرت في أمر النظارة فقفزت كالأرنب، ومشت الى درج الكوميدينو في غرفة نوم والدها، وفتحت الدرج الذي يحتفظ فيه بالاشياء المحطمة التي لم تعد تصلح لشيء، وتلك المحطمة التي يمكن اعادة اصلاحها. جاءت سلوى باطار النظارة ووضعتها على أرنبة انف أخيها الحبيب المحبوس معها. لم تقل سلوى شيئاً ولكنها جذبته من سترة بيجامته واخذته أمام مرآة الدولاب وهزت رأسها: - هذا حسن. لكن الفكرة الشيطانية كانت قد راودتها على الفور. قالت سلوى في نفسها أنه لا بد من فعل شيء ما لقتل هذا الملل، ولم تكن تعرف في البداية ما الذي عليها ان تقوله، لكنها، ولأن والدها نفسه يعمل في مكتب للبريد، ولم يكن يفعل في الأيام الاخيرة سوى الكلام عن الجمرة الخبيثة، وكيف أنه أضحى يرتدي القفازات البيضاء والكمامات البيضاء ايضاً، وأن هذا يضايقه، ولكن الحقيقة ان أحداً منهم، لا سلوى ولا سامي، أو حتى أمهما كان يرغب في الاستماع الى هذا الشيء المرعب، وهم يتخيلون اصابة هذا الاب، الذي وإن كان قاسياً بعض الشيء في تربيته، إلا أنه في النهاية رجل طيب وأب. - ما رأيك في أن نقوم بمسرحية؟ سألت سلوى. - فعلاً، قال سامي. ارتدت سلوى هي بدورها جاكيتاً لوالدها بدا واسعاً جداً، وأمسكت بعصا المكنسة، وأخذت، وهي تنفث الدخان من قلم جاف مكسور، تروح وتجيء وتسأل: - هه، هل ما زلت تشرب المشروبات الغازية؟ - بعد ضرب افغانستان. - آه. هز سامي كتفيه وجلس منحنياً وكاد يضحك، لأنه ظن انه قد وصل في درجة التشابه مع والده الى حد التطابق المذهل، لكنه كان يهز رأسه، كما كانت سلوى تهز رأسها في كل جملة. - أنا لا أشرب المشروبات الغازية. - يا سلام. - لأن الكوكاكولا هذه أميركية. - آه أميركية. - وأنا لا أشرب الأشياء الأميركية. - يا سلام. وما إن هم سامي بالوقوف من مكانه ليكمل الحوار المفترض بين الاب والأم حتى سمع مفتاح الباب يتحرك في قفل الباب فوقف وسلوى مذعورين. ألقى سامي ما في يده، كما ألقت سلوى الجاكيت تحت السرير، ونظرا الى الصالة حيث كان الابوان بالسواد يدخلان وينتفضان من تعب الطريق، وقد خيم الحزن على وجه أمهما بالذات فبدت كأرملة تنتظر مصيرها المجهول.