يسري فوده صحافي عربي من طراز خاص، يمارس الصحافة على الطريقة الغربية التي لا يثيرها إلا أن "يعض الرجل الكلب"، وأصبح برنامجه الشهير "سري للغاية" علامة بارزة في قناة "الجزيرة". أمس أعد يسري فوده تقريراً رائعاً عن الأوضاع المأسوية للسجناء العرب في معسكر غوانتانامو. وتحدث عن عض الإنسان للإنسان، ونقل ضيق الأقفاص التي يقف فيها السجناء، وخشونة ملابسهم، والتضييق عليهم في ممارسة شعائرهم الدينية. ووصف القيود التي يرسفون بها والكمامات التي تعطل حواسهم، وذكر كيف أنهم يركعون مذعنين كأنهم حيوانات مصابة بالطاعون، فقدوا إحساسهم بالمكان والزمان وأجبروا على ارتداء عوازل سود تحجب الرؤية عن العيون، ووضع سدادات في الأذن تمنع عنهم السمع، وأقنعة جراحية تعطل حاسة الشم لديهم، وقفازات ثقيلة لا يستطيعون معها لمس شيء أو تحسسه، وقيدت أرجلهم بعارضات حديد يمنع استخدامها لعتاة المجرمين في السجون الأميركية. تقرير يسري فوده سيزعج السلطات الأميركية لأنه مكتوب بلغة صحافية يفهمها المسؤولون الأميركان لأنهم يقرأون مثلها عن دول عربية وغير عربية في الصحافة الأميركية، فضلاً عن أن تقرير فوده كتِب بلغة موضوعية رشيقة ومثيرة. أجزم لو أن الصحافيين العرب أخلصوا لمهنتهم على طريقة زميلنا فوده لتغيرت صورة العرب في الإعلام الغربي، وهذا التقرير الذي لم يتجاوز بضع دقائق رسم صورة تتمنى واشنطن أن تدفع ملايين الدولارات لمنع وصولها إلى الناس. وأميركا التي تملك أضخم عجلة إعلامية في العالم تعرف معنى الصحافة المحترفة وقدرتها على التأثير، وخلال عقود مضت غابت الصحافة العربية المحترفة التي تلاحق الأخطاء والتجاوزات، وترفض الدعاية والنصوص المترهلة التي تكذب بطريقة فجة مثل الكذب ذاته. القول ان تأثير الإعلام العربي سيبقى ضعيفاً إذا لم نؤسس قنوات باللغة الانكليزية غير صحيح، وتقرير فوده وصلت رسالته وهو بلسان عربي، لكنه لسان فصيح، وشجاع ومهني ومكتوب بلغة تمتلك مقداراً عظيماً من الغيرة على حقوق البشر والإحساس بالكرامة.