تثير المعاملة السيئة التي يحظى بها أسرى "القاعدة" و"طالبان" في قاعدة غوانتانامو العسكرية في كوبا، موجة انتقادات حادة من الهيئات الدولية المعنية بانتهاكات حقوق الانسان، ومن السياسيين الذين يحتجرن على استهانة الأميركيين بالمواثيق والأعراف الدولية. ودانت منظمة العفو الدولية القسوة المفرطة التي تعتمدها القوات الأميركية، معتبرة أنها تشبه إلى حد بعيد اجراءات التعذيب التي كانت تجري إبان الحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية. وأتى أكثر الانتقادات من بريطانيا التي تعتبر الحليف الأوثق للولايات المتحدة. وهاجم سياسيون من حزب العمال الحاكم و حزب الليبراليين المعارض، علاوة على معظم وسائل الاعلام، موقف واشنطن معتبرين رفض وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الاعتراف بأن عناصر "القاعدة" و"طالبان" الذين اعتقلوا هم "أسرى حرب" ليس إلا "مجرد تلاعب بالالفاظ" يفتقر الى بعد النظر السياسي والفهم الحقيقي للقانون الدولي في العالم المتحضر. ولخصت صحيفة "ذي ميل أون صانداي" البريطانية الأسبوعية، في عددها أمس، رد الفعل المستاء في الغرب ازاء انتهاك الولاياتالمتحدة حقوق الأسرى إذ خصصت غلافها لصورة تظهر الوضع المهين للمعتقلين في غوانتانامو والقيود التي يرسفون بها والكمامات التي تعطل حواسهم، وكتبت في عنوانها الرئيسي: "إنهم لا يسمعون شيئاً، لا يرون شيئاً، لا يشعرون بشيء، أيديهم وأرجلهم ترسف بالقيود. إنهم يركعون مذعنين. أبهذه الطريقة يدافع بوش وبلير عن حضارتنا؟". وتحدثت الصحف البريطانية عن سوء حال الأسرى الذين ينقلون الى القاعدة الكوبية. وقالت إن الصور التي نشرتها وزارة الدفاع الأميركية تظهر أن الأسرى لا يعون ما يجري لهم، وأنهم فقدوا احساسهم بالمكان والزمان، وهم في حالة ذهول وارتباك. ونقل عن جيم ويست، كبير مسؤولي الشؤون الطبية في "منظمة العفو الدولية" قوله إن صورة الأسرى الراكعين جميعهم تذكر بسوء المعاملة الذي كانت تعرفه أوروبا الشرقية في السبعينات حيث كان الأسرى يعزلون لفترة طويلة قبل وضعهم في السجن، مشيراً إلى أنه "ليس بوسع الأسرى الابصار أو السمع أو الشعور بأي شيء، وهم يجبرون على البقاء في وضعيات مؤلمة لفترات طويلة من الوقت. هذا باختصار انتهاك لحقوق الانسان". وسائل تعطيل الحواس وأُجبر المعتقلون على ارتداء عوازل سود تحجب الرؤية عن العيون، وسدادات في الأذن تمنع عنهم السمع، وأقنعة جراحية تعطل حاسة الشم لديهم، وقفازات ثقيلة بحيث لا يستطيعون لمس شيء أو تحسسه، كما قيدت أرجلهم بعارضات حديد كانت تستخدم أيام تجارة العبيد. وذكرت هيلين هامبير، مديرة "مؤسسة الرعاية الطبية لضحايا التعذيب" أن سجناء غوانتانامو سيعانون من الاختلال وفقدان الرشد وربما أيضاً سيصابون بانهيار، مشيرة إلى أنهم سيكونون عرضة للهلوسات المرعبة، ويشعرون بفقدان التوازن، ويمكن أن يعتقدوا بكل سهولة أنهم أصيبوا بلوثة جنون. ورجحت اصابتهم بنوبات ذعر مفاجئة، وانقلاب مزاجهم باستمرار، وتعرضهم لكوابيس مفزعة، كما حدث مع معتقلين تعرضوا في الماضي لعمليات تعذيب مماثلة. ونبّهت إلى أن الحرمان من الاحساس يمكن أن يؤدي الى انهيار الأعصاب لأن الأمر يعني هجوماً على شخصية الفرد وتحدياً لمفهومه عن شخصيته. احتجاج بريطاني وطالبت اللجنة المشتركة للأحزاب المعنية بحقوق الانسان في البرلمان البريطاني بعقد لقاء مع السفير الأميركي في لندن للاحتجاج على الطريقة التي يعامل بها المعتقلون، وبينهم ثلاثة بريطانيون. وحاولت وزارة الدفاع الأميركية تبرير استمرار وضع كمامات لاصقة على فم الأسرى بعد انتهاء رحلتهم الشاقة التي استغرقت أكثر من 25 ساعة متواصلة، بالقول إن بعض الأسرى قد يكون يعاني من السل، ويمكن أن يعدي الحراس إذا بصق عليهم، إلا أن جمعيات حقوق الانسان رفضت هذا التبرير وأشارت إلى أن السل ينتشر في الأماكن الضيقة والمزدحمة لا في الهواء الطلق، وأن الأولى معالجة الأسرى المصابين وإعطاؤهم مضادات حيوية لشفائهم، بدل تعذيبهم وإهمال وضعهم الصحي، مشيرة إلى أن جميعهم كان يبدو ناحلاً لدى نزوله من الطائرة، ما يدل الى نقصان وزنهم بسبب سوء التغذية. مشكلة للولايات المتحدة ويشكل الأسرى أزمة تواجه الولاياتالمتحدة لأنهم بالفعل "أسرى حرب" حسب القانون الدولي، سواء اعترفت واشنطن بحكومة "طالبان" السابقة التي كانوا يتبعون لها أم لم تعترف. وتتمثل هذه المشكلة في أن إضفاء صفة "أسرى الحرب" على أسرى تنظيم "القاعدة" سيعني الاعتراف بأن التنظيم يخوض حرباً عسكرية ضد الولاياتالمتحدة، وفي هذه الحال فإن الهجمات ضد برجي التجارة والبنتاغون في 11 أيلول سبتمبر ستعتبر أعمالاً حربية لا إرهابية، وهو ما سيغير مبررات الحرب الدولية ضد الارهاب التي تشنها واشنطن حول العالم اليوم ولاحقاً. أما في حال رفضت واشنطن الخضوع للمفاهيم الدولية لحقوق الانسان فإن هذا الأمر سيضعف علاقتها بالرأي العالم الغربي والدولي عموماً، وستدفع الثمن لاحقاً في حال خاضت أي حرب جديدة قد تكون مكلفة على الصعيد البشري إذ سيكون صعباً المحافظة على أي تحالف دولي تبنيه. أما في حال سلّمت أغلب هؤلاء الأسرى الى بلدانهم ليعدموا فستجعل نفسها والأنظمة الحليفة لها، في وضع صعب أيضاً. كما أن سجنهم لفترات طويلة في القاعدة التي لا تعتبر أرضاً أميركية تخضع للقانون الأميركي، فسيتحول نقطة إدانة تثير الرأي العام ضدها. وفي حال أقدمت على إعدام أي من المعتقلين بعد محاكمتهم صورياً أمام المحاكم العسكرية فإنها ستحولهم أبطالاً يسعى رفاقهم الى الانتقام لهم في المستقبل.