يبدي الأميركيون في بلادهم احتراماً كبيراً للقانون. فهم فخورون بدستورهم المدوّن، وبمحكمتهم العليا وحقهم في ان يحاكموا امام هيئة محلفين. ويتوجه الأميركيون على نحو متزايد الى القانون لحماية حقوقهم وأملاكهم، ويُفترض ان يكون شخص واحد من بين كل سبعة في واشنطن تدرب على ممارسة المحاماة. لكن الأميركيين لا يظهرون احتراماً يذكر للقانون خارج بلادهم. والرأي السائد في الغالب أن من يملك القوة يكون على صواب. وأصبحت معاملة سجنائهم الذين أسروا في افغانستان فضيحة عالمية. كان الاميركيون أسروا، او تسلموا، خلال النزاع حوالى 400 شخص، ويتوقع ان يزيد عددهم. ولا شك ان معظمهم كانوا متورطين مع "طالبان" فيما كانت قلة بينهم من مقاتلي "القاعدة". واللافت أن المجموعة تكاد لا تضم أي عناصر قيادية. ولا يزال اسامة بن لادن - المطلوب "ميتاً أو حياً" - والملا محمد عمر طليقين. وفي الفترة الاخيرة سلّم وزير العدل في حكومة "طالبان"، وعدد من زملائه من كبار المسؤولين، انفسهم الى حكام ولايات افغانية قرروا الافراج عنهم. ويشار الى ان وزير العدل السابق ذو سمعة سيئة. وبالاستفادة من الفوضى السائدة في افغانستان، فيما تسعى الحكومة الانتقالية الجديدة الى توسيع نطاق سلطتها خارج كابول، وبعد الكثير من النقاش في واشنطن، قرر الاميركيون ان ينقلوا أسراهم بالطائرات والسفن، لا الى اميركا بل الى القاعدة التابعة للبحرية الاميركية في خليج غوانتانامو في كوبا. وكان هذا الموقع اُستخدم في 1903 كمحطة للتزود بالفحم، وأجِر في 1934 لأميركا الى الأبد. لم يُكشف الاّ القليل عن أوضاع هؤلاء الأسرى، وكيف يُعاملون، وما اذا استخدم التعذيب خلال التحقيق من قبل موظفي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي. آي. أي وعسكريين. ويشكل الأفغان غالبية الأسرى، اما البقية فهم من باكستان ودول عربية واماكن اخرى، بينهم ما لا يقل عن ستة بريطانيين. وفي 11 كانون الثاني يناير، أفادت صحيفة "ذي تايمز" ان عشرين من مقاتلي "القاعدة" شوهدوا وهم "مقيدون ورؤوسهم مغطاة، يمشون متثاقلين على مدرج مطار قندهار قبل ان يصعدوا الى طائرة نقل اميركية ... وعلى متن الطائرة، كان الجنود الاميركيون يفوقون الأسرى عدداً بنسبة اثنين الى واحد، وقُيّد الأسرى إلى مقاعدهم ... وخلال الرحلة التي استغرقت 20 ساعة، اُجبروا على استخدام مبولات محمولة ... ورفض البنتاغون الادلاء بتعليق حول ما اذا كان جرى تخديرهم خلال الرحلة". ويتوقع ان تكون ظروف الاعتقال في قاعدة غوانتانامو قاسية. ويبني الاميركيون "زنزانات منفردة" يمكن ان تؤوي 2000 أسير. وباستثناء أرضية من الاسمنت وسقف فان الزنزانة مكشوفة من الجوانب. وقال مسؤول اميركي ان المعتقلين "سيتبللون عندما تمطر". ودانت منظمات مدافعة عن حقوق الانسان هذه الترتيبات. ولم توجه بعد أي تهمة الى هؤلاء المعتقلين ولم يلتقوا محامين. وسيخضعون في قاعدة غوانتانامو لقانون الدفاع الاميركي. واذا أقدم أحدهم على قتل أحد رفاقه، ربما لاعتقاده بأنه أفشى معلومات اكثر مما ينبغي للمحققين، سيواجه على الأرجح عقوبة الإعدام. وأعلن وزير الدفاع البريطاني جيف هون في كانون الاول ديسمبر الماضي ان بن لادن اذا اُعتقل على أيدي القوات البريطانية، لن يُسلّم الى الاميركيين الاّ اذا قدموا تأكيدات بأنه لن يواجه عقوبة الاعدام. وكانت بريطانيا وقّعت المعاهدة الأوروبية لحقوق الانسان التي تعارض عقوبة الإعدام. وأكد الاميركيون بوضوح ان الأسرى المحتجزين لديهم ليسوا أسرى حرب يحق لهم ان يتمتعوا بالحماية وفقاً لميثاق جنيف. ووصف هؤلاء بأنهم "معتقلون" لا يمكن أن يطلبوا حماية القانون الاميركي او يتحدوا احتجازهم امام محكمة فيديرالية اميركية. وأعلنت إدارة بوش في تشرين الثاني نوفمبر ان الارهابيين المشتبه فيهم لن يحاكموا في محاكم جنائية بل امام محاكم عسكرية. واحتجت الصحف الاميركية وبعض اعضاء الكونغرس بشدة، وكانوا على صواب. ولا تزال نيات الأميركيين غير معروفة. ويبدو ان "المعتقلين" سيبقون في قاعدة غوانتانامو فيما يقرر الاميركيون ما هي افضل وسيلة للتعامل مع هذه القضية البالغة الصعوبة والمعقدة. واذا لم يحاكم بعض المعتقلين في النهاية، متى ستجري إعادتهم الى بلدانهم، مثل السعودية أو مصر أو المملكة المتحدة، وهل سيتلقون تعويضات عن اعتقالهم واحتجازهم في شكل غير شرعي؟ ربما كانت افضل طريقة للخروج من حقل الالغام القانوني هذا بالنسبة الى الرئىس بوش، أن يطلب من الاممالمتحدة تشكيل محكمة دولية جديدة مثل المحكمتين اللتين أُنشئتا لرواندا ويوغوسلافيا السابقة. وقد يتمكن قضاة اميركيون من المشاركة في هيئة المحكمة، لكن الولاياتالمتحدة اخطأت برفضها توقيع الاتفاق الخاص بانشاء المحكمة الجنائية الدولية، انطلاقاً من انها لم تكن تريد ان يمثل جنود اميركيون في النهاية أمام محكمة كهذه. ويبدي الحزب الجمهوري شكوكاً عميقة تجاه الأممالمتحدة. تجب ممارسة ضغوط ديبلوماسية نشطة وعاجلة على أميركا كي تحل هذه القضايا القانونية التي صنعتها بنفسها. فهذه الفضيحة لن تخدم الحملة لكسب القلوب والعقول. * سياسي بريطاني، مدير "مجلس التفاهم العربي - البريطاني" كابو.