أمانة المدينة تدشن المرحلة الثانية من مشروع " مسارات شوران "    "سلمان للإغاثة" يوزّع مساعدات إغاثية متنوعة في مدينة دوما بمحافظة ريف دمشق    136 محطة ترصد هطول أمطار في 9 مناطق    استئناف الرحلات الدولية في مطار دمشق    الخارجية الفلسطينية تدين التصريحات التحريضية الإسرائيلية على الفلسطينيين وتدمير الضفة الغربية    خادم الحرمين يصدر أمرًا ملكيًا بتعيين 81 عضوًا بمرتبة مُلازم تحقيق على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    تعليم القصيم يطلق حملة "مجتمع متعلم لوطن طموح"    أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية أصدقاء السعودية    نائب أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تطلق برنامج «راية» البحثي    التشكيل المتوقع لمواجهة الهلال والإتحاد    الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يعلن مواعيد وملاعب كأس آسيا "السعودية 2027"    رئيس جمهورية التشيك يغادر جدة    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2644.79 دولارًا للأوقية    "الأرصاد": رياح شديدة على منطقة تبوك    لياو: شكرًا لجماهير الرياض.. وإنزاغي يؤكد: الإرهاق سبب الخسارة    اللجنة المنظمة لرالي داكار تُجري تعديلاً في نتائج فئة السيارات.. والراجحي يتراجع للمركز الثاني في المرحلة الثانية    عبد العزيز آل سعود: كيف استطاع "نابليون العرب" توحيد المملكة السعودية تحت قيادته؟    البشت الحساوي".. شهرة وحضور في المحافل المحلية والدولية    القطاع الخاص يسدد 55% من قروضه للبنوك    6 فوائد للطقس البارد لتعزيز الصحة البدنية والعقلية    5 أشياء تجنبها لتحظى بليلة هادئة    السعودية تبدأ أول عملية بيع سندات في عام 2025    سفير فلسطين: شكراً حكومة المملكة لتقديمها خدمات لجميع مسلمي العالم    الذكاء الاصطناعي ينجح في تنبيه الأطباء إلى مخاطر الانتحار    أمطار جدة: الأمانة تتحرك.. الهلال الأحمر يتأهب.. والمطار ينصح    وزيرا الصحة و«الاجتماعية» بسورية: شكراً خادم الحرمين وولي العهد على الدعم المتواصل    سلمان بن سلطان يستقبل اللهيبي المتنازل عن قاتل ابنته    هندي ينتحر بسبب «نكد» زوجته    النائب العام يتفقد مركز الحماية العدلية    في ربع نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين.. كلاسيكو مثير يجمع الهلال والاتحاد.. والتعاون يواجه القادسية    جلوي بن عبدالعزيز يُكرِّم مدير عام التعليم السابق بالمنطقة    بداية جديدة    أهمية التعبير والإملاء والخط في تأسيس الطلبة    ليلة السامري    تنامي السجلات التجارية المُصدرة ل 67 %    العداوة الداعمة    بلسان الجمل    محافظ الطائف: القيادة مهتمة وحريصة على توفير الخدمات للمواطنين في مواقعهم    «شاهقة» رابغ الأقوى.. المسند: خطيرة على السفن    احتياطات منع الحمل    البلاستيك الدقيق بوابة للسرطان والعقم    جهاز لحماية مرضى الكلى والقلب    أمير حائل يفتتح «مهرجان حرفة»    سورية.. «خارطة طريق» نحو الاستقرار    القيادة رسمت مسار التنمية المستدامة والشاملة    وزير الخارجية يناقش المستجدات الإقليمية مع نظيره الأمريكي ومع آموس الوضع في لبنان    "رافد للأوقاف" تنظم اللقاء الأول    صافرة الفنزويلي "خيسوس" تضبط مواجهة الهلال والاتحاد    لماذا الهلال ثابت ؟!    مكة الأكثر أمطاراً في حالة الإثنين    العالم يصافح المرأة السورية    حماية البذرة..!    سوريا بين تحديات إعادة الهيكلة وتصاعد التوتر في الجنوب    «أبوظبي للغة العربية» يعزّز إستراتيجيته في قطاع النشر    الأمير سعود بن نهار يزور مركزي" السيل والعطيف" ويقف على الأسكان التنموي والميقات.    أمير الشرقية يستقبل سفير السودان ومدير الجوازات    غارات الاحتلال تودي بحياة عشرات الفلسطينيين في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياسات مكروهة في العالم واعتماد أكثر على قوة السلاح . موت القانون الدولي في سلوك الولايات المتحدة ... ومعاملتها لأسرى الحرب الأفغانية
نشر في الحياة يوم 10 - 02 - 2002

أثارت تجاوزات الولايات المتحدة في معاملة أسرى "طالبان" في افغانستان الكثير من الانتقادات وردود الفعل وخصوصاً من الهيئات والمنظمات الانسانية.
وصدرت في بريطانيا وأوروبا وأميركا الشمالية تصريحات عبّرت عن مخاوف من استمرار تجاوز القانون الدولي في معاملة الأسرى وتحديداً ميثاق جنيف الذي تنصّ بنوده على احترام حقوق الانسان مهما اختلفت عقيدته ولونه وقوميته.
المحامي البريطاني عضو "الحزب الليبرالي الديموقراطي" ديفيد فريمان أسهم في التعليق على تلك التجاوزات، متّهماً الولايات المتحدة بتدمير حكم القانون في أرجاء العالم. وهنا نصّ المقال.
عندما تهبط بك الطائرة في نيويورك غالباً ما تحلق فوق تمثال الحرية. ويعتبر التمثال رمزاً لوعد بحياة ديموقراطية وحرة في بلد يحق فيه للجميع الحصول على محاكمة عادلة، وهم متساوون بغض النظر عن الخلفية الاتنية والدين. والتمثال عد في بلد يتمتع فيه الجميع بحرية التعبير عن الرأي، وتستند هذه الحقوق كلها على ايمان بحكم القانون. هذه القيم كلها كانت موجودة عندما شُيّد تمثال الحرية. لكن الأمل الذي يمثله قد مات.
يعتقد سكان الولايات المتحدة انهم يعيشون في بلد ينعم بالعدل والحرية، وترسخت هذه الفكرة في اذهانهم على مدى سنين كثيرة. وهم كأمة يمتازون بنزعة وطنية أقوى مما تجده في معظم الدول. وقد يكون هذا أحد الاسباب وراء الصدمة التي اصابتهم إثر احداث 11 ايلول سبتمبر. فلم تكن هذه الاحداث موجعة ومفجعة للغاية فحسب بل ان اميركا، التي كانت تعتقد بان ثقافتها ومُثلها واخلاقيتها تحظى بالاعجاب في ارجاء العالم، ادركت ان منتقديها اكثر من المعجبين بها.
وللأسف فان مستوى الاهتمام بالشؤون الدولية في الولايات المتحدة والطريقة التي يعمل بها النظام السياسي حالا دون توضيح الاسباب سواءً كانت صحيحة او لا وراء مشاعر الكره تجاه الولايات المتحدة. وتمكنت الحفنة التي تسيطر على وسائل الاعلام والرأي العام من ان تقلص الى أدنى حد من عملية تفحص الذات التي كان يفترض لاحداثٍ مثل 11 ايلول ان تولّدها.
يمكن تفهم ان ترد أي دولة، حتى اذا كانت واحدة بضخامة الولايات المتحدة وجبروتها، على مأساة 11 ايلول بطريقة درامية ومنفعلة. فلا يمكن للمرء ان يتوقع لشعب ان يشاهد المباني التي تجسّد المكانة المالية لبلاده في العالم في بلد يعبد الدولار تنهار مع سقوط الاف الضحايا الابرياء من دون ان يرد ويتوقع من قادته السياسيين ان يردوا.
لكن هذا الرد بدأ يدمر ذلك الشيء بالذات الذي يمثل جوهر المثل الأعلى الاميركي. فالحرية والمساواة والايمان بحكم القانون، التي تشكل الاساس الذي قامت عليه المثل العليا للآباء المؤسسين، قد سُلبت، لا من قبل الارهابيين الذين خطفوا طائرات على بعد بضعة اميال من تمثال الحرية، بل نتيجة رد زعماء الولايات المتحدة الذين نسوا كما يبدو قيم البلاد التي اُنتخبوا لقيادتها.
ولا يمثل الحق في الحصول على محاكمة عادلة في محكمة غير منحازة سوى احدى ضحايا الرد الاميركي على 11 ايلول.
وفي الوقت الذي تمثل فيه قيود الامن الداخلي ونخر الحريات الاساسية داخل الولايات المتحدة ذاتها مصدر قلق لنا جميعاً، فان ما هو مدعاة للقلق اكثر الطريقة التي تستخدم الولايات المتحدة بها قوتها لتدمر، على نحو غير متعمد كما نأمل، الثقة التامة على مستوى عالمي بحكم القانون. ويرجح ان يؤدي هذا الى زيادة في الاعتداءات الارهابية خارج الولايات المتحدة وتصعيد في وحشية الحرب متى ما وقعت.
واظهرت الولايات المتحدة انها لا تبدي احتراماً يذكر للالتزامات الدولية. ورفض الموافقة على تشكيل محكمة جنائية دولية والتزام قراراتها ورفض بروتوكول كيوتو بشأن تغييرات المناخ هما مثالان على الطريقة التي تستخدم بها الولايات المتحدة قوتها ونفوذها لتتجاهل بقية العالم وتفعل ما تشاء.
لكن الولايات المتحدة تتوقع ان يطيع العالم قوانينها. فمحاكمها تؤثر في القرارات التجارية في ارجاء العالم. واذ تجبر العولمة اوساط الاعمال العالمية على ان تفكّر على نطاق اوسع، لا يمكن لأحد ان يجازف بتحرك قد يؤدي الى نتائج قانونية سلبية في الولايات المتحدة. ومن الامثلة على ذلك المصارف السويسرية الكثيرة التي تحولت، عملياً، الى جباة ضرائب وشرطة لمصلحة جهاز الضرائب الاميركي.
ان الفكرة القائلة بان أي بلد يمكن ان يتجاهل القانون الدولي اذا كان قوياً بما يكفي ليفعل ذلك، هي فكرة بالغة الخطورة بالنسبة الى العالم كله. وتؤكد الولايات المتحدة بسلوكها على نحو واضح تماماً انه لا يتعين على أي بلد ان يطيع حكم القانون او يعمل وفقاً للالتزامات الدولية اذا كان قوياً ومصمماً.
وتتخذ اسرائيل الموقف ذاته. فهي تتجاهل القانون الدولي وتتجاهل قرارات الامم المتحدة لان لديها اصدقاء في مراكز عليا في الولايات المتحدة ويمكن ان تمارس تأثيراً على اشخاص. انها لا تخشى القانون الدولي لانها تدرك ان الولايات المتحدة، شرطي العالم، ستواصل تقديم الاموال وغض الطرف عما تقوم به.
واذا كانت الولايات المتحدة واسرائيل تتجاهلان القانون الدولي، لماذا ينبغي لأي بلد او شخص آخر ان يكلف نفسه التزام القانون؟ يبدو ان النظام العالمي الجديد لا يقوم على الصواب والخطأ بل على مدى ما تملك من قوة. ربما كان الأمر هكذا دائماً ولم يكن سوى المثاليين وحدهم يعتقدون بوجود اخلاقية أعلى من حجم ترسانتك النووية او نفوذ اللوبي السياسي التابع لك.
وتتمثل نقطة الضعف في رد الولايات المتحدة على احداث 11 ايلول في انها، على رغم كونها دولة قوية ومصممة وذات موارد هائلة، ضعيفة تجاه قلة تتصف بالتصميم والتعصب. واظهرت احداث 11 ايلول المريعة ما يمكن ان يفعله بضعة اشخاص مصممين.
ستحمي الولايات المتحدة نفسها ومواطنيها وحلفاءها على نحو افضل لو ان العالم يحبها كما كان مواطنوها يعتقدون حتى حطمت احداث 11 ايلول هذا الوهم. لكن اذا استمرت الولايات المتحدة في دعم سياسات مكروهة في العالم، ستصبح معتمدة اكثر فاكثر على قوة السلاح ومعسكر الاعتقال لفرض ارادتها وحماية مواطنيها داخل البلاد وخارجها على السواء.
اختفاء المساءلة ونموّ الفساد
وستكون النتيجة الحتمية لهذا الموقف تقييد الحريات التي يتمتع بها مواطنوها. فالحاجة الى تفتيش الناس والمراقبة والتنصت ستتزايد. وستحتاج الحكومة الاميركية الى زيادة سلطاتها على مواطنيها الى درجة تختفي عندها المساءلة. ومع اختفاء المساءلة ينمو الفساد.
ويبدو ان سكان الولايات المتحدة مستعدون لتعليق حرياتهم في الوقت الحاضر، لكن سيأتي الوقت الذي يصبحون فيه اقل حماسة بشأن الاعتقال من دون محاكمة، وبشأن جعل "صبرهم يكون وطنياً" احدث شعار لتهدئة مشاعر الناس فيما ينتظرون في طوابير في المطارات والانتقادات العالمية المتواصلة.
الحقيقة المؤسفة هي انه يمكن للولايات المتحدة والاميركيين ان يتمتعوا بتأييد واعجاب عالميين لو انهما غيّروا جانباً ضئيلاً ولكن بالغ الاهمية في سياستهم الخارجية. فكل ما يحتاجون الى القيام به هو ان يقرروا التزام القانون الدولي ودعمه، بدلاً من تجاهله وانتهاكه كما يفعلون في الوقت الحاضر.
ولو ان الولايات المتحدة التزمت القانون الدولي ودعمته فانها كانت ستمارس ضغوطاً على اسرائيل كي تنفذ قرارات الامم المتحدة بالطريقة ذاتها التي تتوقع ان تلتزم دول اخرى، مثل العراق، تنفيذ قرارات الامم المتحدة.
ولو انها التزمت القانون الدولي ودعمته فانها كانت ستعامل الاشخاص الذين نقلتهم من افغانستان الى معسكر "اشعة إكس" في كوبا وفقاً لميثاق جنيف وتمنحهم مكانة أسرى حرب. لقد اطلق الاميركيون على حملتهم ضد "القاعدة" و "طالبان" اسم "الحرب ضد الارهاب". وقد لا يكونوا اعلنوا الحرب رسمياً، لكن الحملة امتازت بكل صفات الحرب، واستند التأييد العالمي الواسع الذي نالته على مفهوم الحرب وكل ما يمكن ان تعنيه. وهذا يتضمن الافتراض بان ميثاق جنيف سيطبّق.
ويخلق رفض منح المعتقلين مكانة "أسرى حرب" صعوبات بالفعل بين الولايات المتحدة واوثق حلفائها، المملكة المتحدة. وقد يكون رئيس الوزراء توني بلير مستعداً للتصريح بانه سيقف "جنباً الى جنب" مع الولايات المتحدة في افغانستان، لكن نواباً كثيرين في لندن، من ضمنهم كثرة في حزب العمال الذي يتزعمه، يبدون قلقاً شديداً بشأن المعاملة التي يلقاها هؤلاء الأسرى، وهم يريدون ان تنأى المملكة المتحدة بنفسها عن مواقف السيد بوش وزملائه.
ان بلير محامٍ ناجح وهو متزوج من محامية تفوقه نجاحاً وتملك سجلاً في دعم قضايا تتعلق بانتهاكات حقوق الانسان. والكثير من زملاء بلير محامون، والخبرة التي تملكها الحكومة البريطانية على صعيد القضايا القانونية ربما تفوق خبرتها في أي مجال آخر.
لذلك كان مثار استغراب كبير الاّ تكون المملكة المتحدة مستعدة لأن تلفت بقوة الى المبدأ السائد لديها بان الشخص بريء حتى تثبت ادانته امام محكمة قانونية. وواضح انه ينبغي اتخاذ تدابير وقائية لضمان منع الاشخاص الذين سيقدمون الى المحاكمة من الهرب او الحاق الأذى بآخرين. لكن الانظمة التي شرعت الولايات المتحدة بتنفيذها، بنقل واحتجاز هؤلاء الاشخاص وبت مصيرهم، ليست منصفة او عادلة.
واشارت الولايات المتحدة ضمناً الى ان نظام العدالة إن صح هذا التعبير الذي سيواجهه الاشخاص الذين نقلوا من افغانستان الى الولايات المتحدة هو افضل من نظيره الذي كانوا سيواجهونه في بلدانهم الاصلية. لكن هذا لا صلة له بالموضوع. فالقضية تدور حول ما اذا كانت الولايات المتحدة تنفذ التزاماتها الدولية. انها لا تفعل ذلك، وهذا يبعث برسالة خطرة الى بقية العالم.
صدقية ميثاق جنيف على المحك
لقد فقد ميثاق جنيف، الذي انقذ وحمى الوفاً كثيرة من الجنود على كل جبهات النزاعات في ارجاء العالم منذ 1949، معناه وصدقيته عندما قررت الولايات المتحدة ان تتجاهله في منتصف الشهر الماضي.
ويبدو ان محامي الحكومة الاميركية، البارعين دائماً بالالفاظ، وجدوا طريقة لتبرير أي شيء يريده سادتهم. هكذا، يمكن لجورج بوش ان يعامل المحتجزين في قاعدة غوانتانامو كما يشاء لان مستشاريه يقولون انهم ليسوا أسرى حرب. لكن بقية العالم تدرك انهم أسرى حرب وان الولايات المتحدة تنتهك القواعد مرة اخرى.
عندما ينشب نزاع ما في المستقبل في مكان ما بعيد ويقع اشخاص في الأسر، هل سيكونوا أسرى حرب؟ الارجح، لا. هل سيعتبرون "مقاتلين غير شرعيين" او "اشخاصاً اُعتقلوا في ميدان القتال"؟ سيطمئن القادة المنتصرون الى ان بامكانهم ان يفعلوا ما يشاؤون ب "أسراهم" او "المحتجزين لديهم" لانهم سيحاكون ما فعلته الولايات المتحدة في 2002.
اصبحت مهمة الجندي اخطر بكثير، فمغزى ما حدث خلال الاسابيع الاخيرة هو ان الجندي الذي يقع في الأسر خلال حرب ما لن يتمتع بحماية ميثاق جنيف. لذلك، إن كنت تقاتل في صفوف جيش ما، عليك الاّ تصب بجروح والاّ تقع أسيراً لدى الطرف الآخر.
ذرائع واشنطن
لماذا ترفض الولايات المتحدة ان تعامل الأسرى من افغانستان كأسرى حرب؟
يحق لأسرى الحرب بموجب مواثيق جنيف ان يعاملوا بطريقة انسانية. وتدعي الولايات المتحدة ان الترتيبات التي هيأتها في قاعدة غوانتانامو انسانية وانها قد تكون افضل بالفعل من الظروف في مناطق اخرى في العالم. لكن الاقفاص المكشوفة لتقلبات الجو والمضاءه بمصابيح قوية على مدار الساعة كانت هدفاً للنقد، وجرت الاشارة الى الحرمان من النوم نتيجة لهذه الظروف.
يحق لأسرى الحرب ان تخضع ظروف احتجازهم الى المراقبة من قبل الصليب الاحمر. وقام وفد من الصليب الاحمر الدولي بزيارة الى قاعدة غوانتانامو وتفقد الاوضاع، لكن النتائج التي توصل اليها سرية وتنقل الى الحكومة الاميركية وحدها. لكن الصليب الاحمر اعلن ان الولايات المتحدة انتهكت ميثاق جنيف بنشر صور فوتوغرافية للمعتقلين وعيونهم معصوبة ومقيدين.
يجب الاّ يتعرض أسرى الحرب الى التعذيب. ولم يتهم أحد الولايات المتحدة بتعذيب المعتقلين في قاعدة غوانتانامو، لكن الاساليب التي يمكن ان تستخدم للحصول على معلومات ربما تتجاوز ما يسمح به ميثاق جنيف. وما يؤسف له ان احداث 11 ايلول ادت الى نشوء ثقافة في الولايات المتحدة تكون فيها الغاية مبرراً للوسيلة، وتصبح بموجبها الاجراءات القانونية الضرورية شيئاً من الماضي بالنسبة الى المعتقلين في قاعدة غوانتانامو. وبموجب ميثاق جنيف لا يحتاج أسير الحرب الى ان يدلي بأي معلومات سوى تفاصيل اسمه ورتبته ورقمه المتسلسل إن وجد، وهو ما لن يفيد الولايات المتحدة في ملاحقتها لزعماء تنظيم "القاعدة". فحالما تُمنح للمحتجزين في معسكر "اشعة إكس" مكانة أسرى الحرب ستتلاشى فائدتهم العملية. لكن احتجازهم سيبقى ذا دلالة رمزية اذ يبيّن للعالم ان الولايات المتحدة لن تسمح لأي شخص يعترض طريقها ان "يفلت".
لا بد ان المخاوف الرئيسية التي تنتاب الحكومة الاميركية تتعلق بالشرط الاساسي لميثاق جنيف بانه لا يمكن محاكمة أسرى الحرب الاّ في محكمة توفر ضمانات الاستقلالية وعدم التحيز. وانشأ الرئيس بوش "لجاناً عسكرية" لاجراء "محاكمات" للاشخاص المحتجزين في قاعدة غوانتانامو باستثناء المواطن الاميركي الذي أُُسر في ميدان القتال في افغانستان وسيواجه محاكمة لائقة في الولايات المتحدة ذاتها.
ولا توجد في هذه اللجان العسكرية اي قواعد بشأن تقديم الادلة وأي حقوق استئناف. وتتولى ادارتها المؤسسة العسكرية الاميركية التي تجهزها ب"القاضي" وتتابع المقاضاة وتقوم بعدئذ بادارة السجن او تشغيل الكرسي الكهربائي تبعاً لقرار الحكم. واذا اطلع العالم على قرارات هذه اللجان العسكرية التي ستعمل سراً على الارجح سيثير ذلك بالتأكيد احتجاجاً عنيفاً. واياً كان القرار ومهما كان المعتقل مذنباً فان الادانة ستكون موضع تشكيك اذا طُعن بالمحاكمة ذاتها.
يحق لأسرى الحرب ان يُرسلوا الى بلدانهم اذا لم يكونوا مذنبين بارتكاب جرائم دولية. ولا تريد الولايات المتحدة ان يرسل الاشخاص الذين نقلوا لتوهم الى كوبا، الى بلدانهم قبل التوصل الى ما يعرفونه وجعلهم عبرة لغيرهم اولاً.
صدقية الولايات المتحدة
وهناك اسباب كثيرة وراء قرار الولايات المتحدة عدم اعطاء هؤلاء الاشخاص مكانة أسرى حرب. لكن صدقية الولايات المتحدة كشرطي العالم، وهو دور يبدو انها تميل للقيام به اذا اعتقدت ان مصالحها مهددة، ستتضرر بشكل دائم جراء رفضها اطاعة القواعد ذاتها.
واعلنت رئيسة لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، ماري روبنسون، ان هؤلاء الاشخاص "يحق لهم ان يتمتعوا بمكانة أسرى حرب"، وهو ما اكده كثر من المحامين المختصين بحقوق الانسان حول العالم. وبدأت الصحف في المملكة المتحدة تركز الاهتمام على الطريقة التي تنتهك بها الولايات المتحدة حقوق الانسان. وتسعى مجموعة من المحامين في لوس انجليس، من ضمنهم وزير عدل سابق في الولايات المتحدة، الى اقامة دعوى ضد الحكومة الاميركية، في محاولة لاجبارها على تقديم الاشخاص الذين جلبتهم الى كوبا الى المحاكمة.
لا شك في ان بعض المحتجزين في معسكر "اشعة إكس"، وربما كلهم، ارتكبوا جرائم شنيعة. وينبغي ان يحاكموا بشكل لائق في اجواء منصفة وعادلة. فاذا جرت محاكمتهم في "لجنة عسكرية" سرية اُنشئت لهذا الغرض من قبل جورج بوش، لن يصدق أحد ان الاحكام عادلة، وسيُنظر الى الاشخاص الذين يحاكمون هناك باعتبارهم شهداء في بلدانهم الاصلية.
كان متوقعاً دائماً ان تواجه الحكومة الاميركية صعوبة بالغة في الرد على احداث 11 ايلول بطريقة متوازنة، اخذاً في الاعتبار ما يريده الشعب والدور الذي تحتله الولايات المتحدة في العالم. وللأسف فان آخر فصل في رواية الرد الاميركي قام على الانفعال بدلاً من العدل... وقد جعل الولايات المتحدة وبقية العالم مكاناً اكثر خطورة وفساداً وفوضى.
* محام بريطاني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.