انتهى ثمانية من القادة التاريخيين لتنظيم "الجماعة الاسلامية" يقضي سبعة منهم عقوبة بالسجن في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، من إعداد "أبحاث شرعية" طرحوا فيها رؤيتهم لمستقبل الحركات الاسلامية والاسباب التي دعتهم الى تغيير استراتيجية الجماعة والدعوة الى اعتماد العمل السلمي بدل العمليات المسلحة. وكان الثمانية، وهم اعضاء في "مجلس شورى" التنظيم، اطلقوا في تموز يوليو 1997 مبادرة سلمية ناشدوا فيها زملاءهم المقيمين في الخارج واعضاء الجناح العسكري الفارين في مصر وقف العمليات المسلحة داخل مصر وخارجها. واحدثت مبادرتهم ضجة كبيرة في أوساط الإسلاميين حتى اصدر مجلس شورى الجماعة في آذار مارس 1999 قراراً بوقف العمليات المسلحة. وجاءت الابحاث لتمثل أول طرح فكري لمستقبل الحركات الاسلامية الراديكالية بعد احداث ايلول سبتمبر الماضي، وتأتي اهميتها من كونها صدرت عن قادة أكبر تنظيم راديكالي في مصر، اضطلع عناصره بأكثر من 90 في المئة من عمليات العنف التي وقعت داخل البلاد في عقد التسعينات بدءا من اغتيال رئيس مجلس الشعب السابق الدكتور رفعت المحجوب في تشرين الأول اكتوبر 1990 وحتى مذبحة الاقصر التي وقعت في تشرين الثاني نوفمبر 1997. وعلمت "الحياة" أن الابحاث أعدها وراجعها كل من اسامة حافظ وعاصم عبدالماجد وكرم زهدي وعلي الشريف وناجح ابراهيم عبدالله ومحمد عصام الدين دربالة وفؤاد محمود الدواليبي وحمدي عبدالرحمن. والاخير اطلقته السلطات المصرية العام الماضي بعدما قضى نحو 20 سنة داخل السجن. وطرح هؤلاء في البحث الأول الذي حمل عنوان "مبادرة وقف العنف .. رؤية واقعية ونظرة شرعية" الأسس التي استندوا اليها في مبادرتهم السلمية. واعتبروا أن المبادرة "تحولت الى رأس جسر يحتشد من خلفه كل ابناء الجماعة وكلهم أمل في أن ينفضوا عن اكتافهم أثر تلك الأيام العصيبة ليعودوا الى مهمتهم الاصلية كدعاة الى الله يشاركون في هداية الخلائق الى طريق الله القويم". ولفتوا الى أن المبادرة "تتنامى على مهل". وقالوا: "هكذا توقفت العمليات والدماء حقنت والمناخ رجع اكثر استعداداً للوصول لحل المشكلة التي سببت كل هذه الاحداث وهي مشكلة المعتقلين وبدأت اصوات المتشككين تتخافت وهي ترى الأيام تمر فتزيد من تأكيد صدقنا وحرصنا على الوفاء بعهودنا التي قطعناها على انفسنا، رغم ما تعرضت له المبادرة من اختبارات وانتكاسات وضغوط". لكن القادة التاريخيين ل"الجماعة" عادوا ليأكدوا "أن المبادرة ليست مقايضة بين دين وعرض زائل من الدنيا وليست مقاطعة بين السعي الى إعلان دين الله وشريعته وبين دنيا رخيصة القيناها خلف ظهورنا". ثم بدأوا في رصد اسباب تحولاتهم. وتحت عنوان "المصلحة والمفسدة" أوردوا آيات قرآنية وأحاديث نبوية ومواقف في التاريخ الاسلامي تؤكد صحة ما ذهبوا اليه وخلصوا الى ضرورة "اعتماد المصالح في أي عمل يأتيه المسلم أو الجماعة المسلمة". ولفتوا الى ضرورة ان ترتب المصالح بحسب اهميتها: الضرورية ثم الحاجية ثم التحسينية. والى أن الشرع يختار أعلى المصلحتين ويدفع شر المفسدتين. وخلصوا الى أن المصلحة من الأمر والنهي لو ترتب على تنفيذه مفسدة اعظم أو فوات مصلحة اعظم "حرم فعله" وأن درء المفاسد "مقدم على جلب المصالح". وأكدوا أن تلك القواعد "تكاد تكون موضع اتفاق الاصوليين قاطبة واجتمعت عليها أدلة كثيرة من الكتاب والسنة". وأضافوا: "لن نتحدث في ما ينبغي أن يكون، ولكن ينبغي أن تكون لنا وقفة تقؤم ما فات لتصويب ما كان فيه، فنقول: أولاً: إن أي عمل ينبغي أن تحكمه المصلحة الشرعية سواء في انشائه ابتداء أو في توجيهه اذا انحرف، بمعنى: أنه ينبغي لمن يتخذ قراراً بعمل شيء إن ترجح لديه مصلحته على مفسدته فإن تبين له سواء قبل انشائه أو بعد الشروع فيه ترجيح المفسدة بل غياب المصلحة بالكلية فينبغي أن يمتنع على الفور. ولا شك أنه قد تحقق بعد هذه التجربة الطويلة أن هذه الدماء المهدرة، وهذه المعارك الطاحنة لم تجلب مصلحة تذكر، بل ترتب عليها عشرات المفاسد التي ينبغي لها أن تدرأ. فالدماء المسالة والنفوس المزهقة من ابناء دين واحد، فضلاً عن الثارات والأحقاد التي ملأت النفوس، هذه المعتقلات التي تعج بالشباب كل ذلك مفسدة عظيمة بل مفاسد لا شك ينبغي أن تكون لنا وقفة لوضع حد لها ودفع ما جلبته من مفاسد. وقد يقول قائل: وماذا عما نعانيه من ظلم واضطهاد؟ نقول الصبر.. ونحسب أن ثواب الصبر هنا أرجى وأثقل في الميزان، فلا بد أن تجتمع الجهود لوقف هذه الاعمال التي لا طائل من ورائها غير الدمار لأبناء الدين الواحد، ولعل ذلك يكون بداية طيبة يبني عليها حل يخفف من هذه المعاناة، ويعطي الجميع الفرصة لمشاركة عملية في هموم هذا البلد ورفع المعاناة عنه". وخلص القادة التاريخيون ل "الجماعة الاسلامية" الى أنه "من مصلحتنا جميعاً أن نقف في وجه هذه المفاسد رجاء ثواب الله وطمعاً في فضله ونعمته". رؤية واقعية وتحت عنوان "رؤية واقعية" قال القادة التاريخيون في بحثهم: "إن من الخطأ البين أن تُتخذ المواقف وتُبنى الأحكام وتصدر الفتاوى بعيداً عن النظر للواقع واستقراء معطياته واعتباره مرتكزاً رئيسياً من مرتكزات تلك الفتوى فإن أي حكم أو أي فتوى ينبغي أن ترتكز على أمرين أساسيين: الواقع ومعطياته والدليل الشرعي المتضمن في الكتاب أو السنة أو غيرها من مصادر التشريع المعتبرة. وقالوا: "الحق أن المراقب المتصف لواقع ما يحدث من صراع بين بعض الجماعات الاسلامية وبين الشرطة يجد أن مسلمي هذا البلد من الجماعات الاسلامية أو من الشرطة هم أكثر المضرورين من هذا الصراع وآخر المستفيدين، فهذه الدماء والطاقات والأموال تصب فائدتها في خزانة أعداء الدين وهذا البلد. أطراف عدة تحاول أن توظف هذه الأحداث لتحقيق مصالح خاصة كثيراً ما تكون متناقضة مع المصالح العليا للبلاد، وتحاول لتحقيق ذلك الإبقاء على الأحداث مشتعلة عن طريق التحريض والتهييج، أو مساعدة أحد الطرفين أو كلا الطرفين لتزداد النيران تأججاً. وهم وإن تنوعت أهدافهم ومواقفهم إلا أنهم يتفقون على عدم إرادة الخير لنا جميعاً، يتفقون على استبقاء نيران الفتنة مشتعلة ليكونوا أقرب لتحقيق اهدافهم الخبيثة". وحددوا تلك الأطراف في إسرائيل والغرب والعلمانيين. واختتم القادة بحثهم قائلين: "إننا كجزء من الحركة الاسلامية يجب أن يكون واضحاً أمامنا الهدف الذي نسعى اليه، ولا بد أن نقوم كل خطوة نخطوها على ضوء مدى مساهمتها في تحقيق هذا الهدف، وإن هدفنا الأسمى هو ما جاء به الرسل أقوامهم. هدفنا تعبيد الناس لربهم أي: هداية الخلائق ولا بد أن نمتلك الشجاعة الكافية للإقدام على أي قرار نراه محققاً لهذا الهدف. ولا بد أيضاً أن نمتلك الشجاعة الكافية للإحجام عن أي قرار نراه مباعداً بيننا وبين هذا الهدف ولا بد كذلك أن نمتلك شجاعة أكبر وأكبر للعدول عن أي قرار أو خطوة قد أقدم عليها بعضنا بالفعل ويتبين لنا أنها لن تعين على الوصول الى هدفنا".