لم تر الشوارع المصرية أفراحاً أو تظاهرات بعد فوز "الفراعنة" على زامبيا 2-1 وتأهلهم الى الدور ربع النهائي من كأس الأمم الافريقية الثالثة والعشرين لكرة القدم المقامة حالياً في مالي، وتباينت العناصر التي أبقت الجماهير في منازلها ومنعتها من الخروج الى الشوارع والتعبير عن فرحتها بالفوز والتأهل كما حدث بعد الفوز السابق على تونس 1-صفر. أبرز العناصر التي قلّلت من أفراح المصريين هي المخاوف التي تملكتهم من المواجهة المرتقبة مع الكاميرون في الدور ربع النهائي مساء الاثنين المقبل، لأن منافسهم هو الاقوى بين كل المنتخبات المشاركة وهو الوحيد الذي فاز في كل مبارياته في الدور الاول وجمع 9 نقاط... وهو الوحيد الذي هز الشباك وحافظ على شباكه نظيفة. والشعور العام الذي يسود الشارع المصري حالياً هو تضاؤل فرص المصريين في عبور عقبة "الأسود التي لا تقهر" وانتهاء مشوارهم عند حاجز ربع النهائي. وقلّل أيضاً من بهجة المصريين بالفوز على زامبيا التراجع المبرر للاعبين في ربع الساعة الاخير بعدما سادوا المباراة في أعقاب هدفهم الأول، وكان يمكن لزامبيا التعادل غير مرة من انفرادات تامة بمرمى الحارس المصري عصام الحضري لولا الرعونة التي شابت إنهاء الهجمات. من جانبه، أبدى المدير الفني محمود الجوهري قناعته بما قدمه فريقه، مشيراً الى أن منتخب زاميبيا أسرع من أي منتخب آخر في الدورة، وأن أسلوبه العشوائي يجعل مهمة الآخرين صعبة في توقع ألعابه أو قراءة مفاتيح لعبه ومكامن الخطورة لديه. وأشاد الجوهري بالاداء الرجولي لكل اللاعبين من البداية الى النهاية، وبرر إشراك المدافع عمرو فهيم على حساب هاني سعيد بإجادة فهيم ألعاب الهواء بصورة كبيرة ما يمكنه من القضاء على أحد أهم أسلحة زامبيا في الكرات العرضية والطولية. الخيبة التونسية لم تحدث المعجزة التي انتظرها التوانسة في اللحظات الأخيرة، وأفضى تعادلان وخسارة الى نهاية مشوار منتخبهم باكراً في كأس الأمم الافريقية، فلحق بنظيريه الجزائري والمغربي، ما اعتبر أقسى نكسة لمنتخبات شمال القارة، فكان الغضب شاملاً من تونس الى الرباط، وبدأت الأسئلة الحارقة عن القدرة التنافسية للمنتخبات المغاربية وما أضافه محترفوها الأوروبيون والعجز التام أمام المد الجنوبي الآتي من وراء الصحراء. والمصاب الجماعي خفف قليلاً عن التوانسة لأن "المصيبة إذا عمت خفت"، غير أن هذا العجز الملحوظ أعادهم الى اكتشاف ذاتهم من جديد والنحو الى الواقعية متخلين عن النرجسية المفرطة المستندة الى التاريخ، وحملهم مسؤولية مضاعفة عشية استحقاق ضاغط هو نهائيات كأس العالم. وبدا جلياً أن أصداء السخط الشعبي العارم على الخسارة أمام مصر والسفر العاجل لرئيس الاتحاد أبي الحسن الفقيه الى باماكو، والاتصالات الهاتفية من أعلى مستوى القرار الرياضي "والعشاء اللبناني" المعنوي لأفراد البعثة في كاييس، لم تزحزح أقدام اللاعبين وتفك عقمهم الهجومي في "عشائهم الأخير" أمام السنغال، ما جعل البطولة القارية ال23 تبرز الواقع الحقيقي للكرة التونسية، وتسقط أوهاماً وأساطير عدة، وتفتح المجال واسعاً للتفكير بصوتٍ عالٍ في مستقبل اللعبة في البلد المنظم للبطولة ال24. هكذا سقطت ظروف الحظ التي حملت المنتخب والأندية التونسية في العقد الأخير، فليس "كل مرة تسلم الجرة"... فهو تخلى عنهم في باماكو وتركهم "عراة" أمام الحقائق المرة. وباستثناء "تاج" حراس البطولة شكري الواعر 34 عاماً فقد أعلنت باماكو إحالة جيل التسعينات الى التقاعد بعد استنفاد طاقاته وإمكاناته كلها. ولعل الأداء المتواضع لصانع الألعاب زبير بيه وتفكك خط الدفاع بقيادة خالد بدره وغياب المهاجمين عادل السليمي وفوزي الرويسي وجمال الدين الامام، يجعل المسؤولين أمام استحقاق استلحاق ما يمكن استلحاقه بضخ دماء جديدة تجسيداً لمقولة "اقتلوا أنفسكم لتحيوا من جديد". وعززت الخيبات المتلاحقة تصاعد الكراهية العارمة ضد أجانب اللعبة من مدربين ولاعبين، لا سيما أن طليعة ترتيب الهدافين أجنبية ما حرم المحليين من إثبات وجودهم. واستنفدت الكوادر الفنية من "الخواجات" برواتبها العالية خزائن الأندية والاتحاد من دون أن تقدم الاضافة المنتظرة، وزاد في الطين بلة تصريح الفرنسي هنري ميشال مدرب المنتخب عقب الخروج المبكر من الكأس القارية بقوله: "إنها الأمة التونسية وليست أمة كرة القدم"! لكن تزايد مشاعر الكراهية للأجانب في زمن الازمات لن يغيّر في الواقع شيئاً ولن يدفع بعجلة التاريخ الى الوراء، واتحاد اللعبة أدرك مسبقاً التركة الثقيلة التي تركها الايطالي سكوليو والألماني كراوتزن فوقّع عقداً مفتوحاً مع "هنري الثاني" الى عام 2004، واختار تعزيز آلية الرقابة عليه بعد فشل المغامرة الافريقية حيث يتوقع أن يعهد الى قائد "ملحمة الارجنتين" عبدالمجيد الشتالي بمهمة المدرب المستشار واللاعب الدولي السابق تميم الخزامي بصفة مراقب مساعد للمدرب يوسف الزواوي، من منطلق التواجد المحلي ضمن جهاز هنري ميشال. وبقدر أهمية هذه المعالجات، فإن الحقيقة الكبرى لا تزال غائبة وهي ضرورة الالتفات بجدية ورؤية عميقة الى تجربة اللاهواية واللااحتراف التي انطلقت عام 1996 ولا تزال مستمرة، وثمارها حتى الآن انتصارات غير متوقعة وهزائم غير مبررة للمنتخب والأندية في المحافل كلها بدءاً من نهائيات مونديال 1998. يضاف الى ذلك دوري غير متوازن ومتقطع في توقيته وأدائه ما أفرز لاعبين متوسطي المستوى بأسعار متفاوتة وانتقالات الى الخارج لأوروبا نصيب كبير فيها، لكن الحقيقة الموجعة أن مستواهم الفعلي يظهر عند الامتحان الجدي، فتكون الخيبة لسان حالهم. ويبقى الأمل للخروج من عنق الزجاجة حزم اتحاد اللعبة ووجوه واعدة أبرزها بسام الدعاسي وجمال الزابي والمهدي النفطي وسليم بن عاشور المسهمون في حصد الميدالية الذهب في دورة المتوسط 2001، والطامحون ليكونوا نواة منتخب ذهبي ل"أفريقيا 2004" في تونس. ويتصدر لائحة الهدافين بعد ختام الدور الاول بهدفين كل من: باتريك مبوما الكاميرون وهشام الزروالي المغرب وجوليوس أغاهوا نيجيريا واسحاق مبواكي غانا وحازم إمام مصر. وتستأنف غداً منافسات الدور ربع النهائي من البطولة بمباراتي نيجيريامعغانا، وجنوب افريقيا مع مالي. وتستكمل المرحلة بعد غد بلقائين يجمعان السنغال مع الكونغو الديموقراطية، والكاميرون مع مصر.