الأهداف معدودة والفنون غائبة والنجوم نادرون والمستوى ضعيف، والأضواء بدأت في الانحسار باكراً عن نهائيات كأس الأمم الافريقية الثالثة والعشرين لكرة القدم المقامة حالياً في باماكو... أما البداية، فهي الأسوأ في تاريخ البطولة القارية منذ انطلاقتها الاولى عام 1957. لم تشهد مباريات الجولة الاولى من نهائيات كأس الامم الافريقية الثالثة والعشرين لكرة القدم المقامة حالياً في مالي، سوى تسجيل 5 أهداف فقط في 8 مباريات، بنسبة 62 في المئة من الهدف للمباراة الواحدة، وهو أقل معدل لأي دورة كروية في تاريخ اللعبة على كل الأصعدة. 4 مباريات انتهت بالتعادل السلبي العقيم: جنوب أفريقيا مع بوركينا فاسو، والمغرب مع غانا، وتونس مع زامبيا، وساحل العاج مع توغو، في حين شهدت ثلاث مباريات هدفاً واحداً وانتهت بفوز المنتخبات الثلاثة المرشحة لإحراز اللقب: السنغال على مصر، ونيجيريا على الجزائر، والكاميرون على الكونغو الديموقراطية، وانتهى لقاء الافتتاح بين مالي وليبيريا بالتعادل 1-1. لغة الأرقام - وهي لا تكذب أبداً - تشير إلى عجز كل المنتخبات عن تجاوز حاجز الهدف الواحد، وظل 160 لاعباً عبر 12 ساعة من كرة القدم يبحثون عن هز الشباك من دون جدوى اللهم إلا في خمس مناسبات فقط. ما أفقر الفاعلية ! والانعكاسات الفنية لهذا "الهزال" الهجومي ونقص الفاعلية يعكس عيوباً شديدة لدى كل المنتخبات، وأبرزها ندرة الهدافين الموهوبين أو الكفيين، ولاحت للسنغالي الحاج ضيوف ثلاث فرص أكيدة للتسجيل أمام مصر وبينها انفراد تام من 40 ياردة ولكنه فشل باستمرار، وما أسهل الفرص التي لاحت لمنتخب جنوب أفريقيا أمام بوركينا فاسو. وخلت المنتخبات من القناصين أمثال المصري حسام حسن، والتونسي عادل السليمي، والغاني عبيدي بيليه، والكاميروني روجيه ميلا، والنيجيري رشيدي ياكيني، وقلة عدد النجوم الموهوبين على مستوى ال"سوبر ستار" أثرت سلباً على مستوى المنتخبات والبطولة. وعلى رغم وفرة المدربين الأجانب من أصحاب الاسماء اللامعة ومعهم عدد من الوطنيين المخضرمين، إلا أن الجميع حرصوا على الأداء الحذر من دون أدنى مغامرة، ووضح أن جميعهم ركزوا على تفادي الهزيمة أولاً قبل البحث عن الفوز. وفي غياب عدد من النجوم المحترفين الذين رفضوا مغادرة أنديتهم الاوروبية، لم يقدم المحترفون الذين شاركوا في النهائيات جهدهم الكامل ولم يخاطروا مطلقاً في الأداء خشية الاصابات ما انعكس على أدائهم الذي جاء متواضعاً أو محدودًا. ومع تدني المستوى وندرة الأهداف لن يجد الخبراء والصحافيون الاوروبيون جدوى من متابعة البطولة، وإذا استمر الحال على هذا الانحدار ستدفع كرة القدم الافريقية ثمناً غالياً في البطولات المقبلة. وكانت تونس قد أهدرت نقطتين ثمينتين بتعادلها مع زامبيا صفر-صفر أول من أمس على استاد موديبو كيتا في العاصمة باماكو في ختام الجولة الاولى من منافسات المجموعة الرابعة، وهي فشلت في تحقيق الفوز أمام أضعف منتخبات المجموعة وصعبت مهمتها في انتزاع التأهل الى الدور الثاني وهي الساعية الى إحراز لقبها القاري الاول. وتلعب تونس مباراتين صعبتين الاولى ضد مصر بعد غد، والثانية ضد السنغال في 31 الحالي. خيبة تونسية وألقى هذا التعادل المخيب بظلاله على الشارع التونسي، وأن الامر لا يعد استثنائياً. فمنذ بداية حكاية التوانسة مع نهائيات كأس الأمم الأفريقية كانت ركلة البداية دوماً هزيمة أو تعادلاً في المباراة الافتتاحية. لكن التعادل المرّ أمام زامبيا، الحلقة الأضعف، في "مجموعة النار" التي تجمع اليهما السنغال الطامحة الى التتويج ومصر الجريحة بآلام الغياب عن نهائيات مونديال 2002، يدفع بتونس نحو الزاوية الحادة القليلة الاختيارات، وبالمدرب الجديد الفرنسي هنري ميشال أو "هنري الثاني" كما يحلو للتوانسة تسميته بعد تجربتهم مع "هنري الأول" البولوني كاسبارجاك الذي قادهم الى النهائي القاري في جنوب أفريقيا، أمام خيارين لا بديل لهما: إما تحقيق الفوز على مصر أو الرحيل. ومظاهر الاستثناء كانت كثيرة في الشارع التونسي يوم المباراة، حتى أن نشرة الأخبار الرئيسة في التلفزيون وموعدها عند الثامنة مساء الذي لم يشهد تحوّلاً أو تغييراً منذ مباشرة التلفزيون بثه في الستينات، قُدمت 45 دقيقة كرمى لعيني المباراة. مفارقات ومن المفارقات، أن المواطنين عادوا الى مشاهدة البث الأرضي بعدما خالوا أنهم ودعوه منذ زمن طويل نظراً لأن النقل المباشر عن الفضائيات يتطلب اشتراكات خاصة وإنفاق أموال إضافية، كما راج الاستماع الى الاذاعة المحلية وسوق الصحف المحلية والعربية، فعاد الاعتبار للإعلام المسموع والمكتوب في ظل غياب الفضائيات غير المدفوعة. وبات السؤال الملح في الشارع التونسي "ما هي نتيجة مباراة مصر والسنغال بدلاً من هل شاهدت الأداء الجيد في مباراة العملاقين الشماليوالجنوبي؟". وكان السيناريو المثالي في أذهان التوانسة انتصاراً ولو يتيماً على زامبيا، وتعادل مع "الشقيق" المصري، وأقل ما يمكن من الخسائر أمام السنغال. لأن الواقعية باتت تلازم التوانسة بعد الخيبة الكبرى لأنديتهم قارياً وعربياً في الموسم الماضي، إضافة الى النقص الكبير في التحضيرات ومدرب جديد لم يُدفع راتبه للشهر الثاني، ودماء شابة يغمرها الطموح تتمثل في المهاجمين جمال الزابي وبسام الدعاسي، الى أحلام فتيان المهجر سليم بن عاشور المحترف في فرنسا، والاكتشاف "الاسباني" المهدي النفطي الذي بدا غريباً عن أجواء مواطنيه، وهو الذي لم يزر تونس منذ عقدين تقريباً. ولم يفقد الحارس شكري الواعد بعد يقظته الفطرية ومخزونه الثري من الدهاء، فأنقذ منتخبه من هزيمة مذلّة أمام منتخب متوسط الامكانات اعتمد الدفاع الحديد. خسرت تونس فرصاً سانحة للتهديف، وفرصة مهمة للاطمئنان على بقية مشوارها في البطولة الأفريقية، وأصبحت الاحتمالات أمامها ضعيفة، تضاف الى ذلك مجموعة احتياط محدودة الامكانات... لكن حذار من صحوة لا يفقه سرها إلا تاريخ تونس القاري والدولي وخلاصتها بداية صعبة ومفاجآت مقبلة. وسترتاح المنتخبات المشاركة اليوم قبل أن تبدأ منافسات الجولة الثانية غداً بمباراتي غانا مع جنوب أفريقيا، ومالي مع نيجيريا.