انتهت الاجتماعات غير الرسمية لوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في مدينة كاثيريس الإسبانية، بتكريس موقف أوروبي مغاير للموقف الأميركي، خصوصا لجهة التركيز على التحرك السياسي للخروج من مأزق عملية السلام، وعدم اقتصار الجهود المبذولة على الجانب الأمني. ويأتي هذا الموقف بعد اعلان واشنطن رفضها الأفكار الفرنسية الخاصة بإعلان دولة فلسطينية اولا، وتمسكها بتوصيات "ميتشل" و"تينيت"، وهي توصيات ذات طابع امني بالدرجة الاولى، يمهد تنفيذها لاستئناف المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. وفيما حذر الرئيس حسني مبارك من "خطر الفوضى اذا تعرض الرئيس ياسر عرفات لمكروه"، قال مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون "ليس صاحب القرار في خلافة عرفات". وأفادت مصادر قريبة الى رئيس الحكومة الاسبانية خوسيه ماريا اثنار ان الأخير رفض طلب شارون لقاءه اثناء توقفه في مدريد في طريق عودته من واشنطن. راجع ص 2 ومع تبلور الموقف الاوروبي، وفي ضوء المعطيات الجديدة خصوصا رفض واشنطن قطع علاقاتها مع السلطة، جددت القيادة الفلسطينية نداءها الى الشعب الفلسطيني ل"التزام وقف النار وضبط النفس امام الاستفزازات الاسرائيلية" من اجل "بلورة المواقف الدولية باتجاه مبادرة شاملة لانهاء الاحتلال الاسرائيلي وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف". وشدد عرفات على ان محاصرته في مقره في رام الله "فاشلة"، وقال: "إنني ازداد صلابة وقوة". وفي اسبانيا، تبنى وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي وثيقة "ابو العلاء - بيريز" التي تركز على اعلان الدولة الفلسطينية اولاً، وتبادل الاعتراف مع اسرائيل واستئناف مفاوضات الحل النهائي. لكن الوزراء الاوروبيين تحفظوا عن اقتراحات اضافية قدمتها فرنسا، تشمل "تنظيم انتخابات عامة" فلسطينية. وقال وزير الخارجية الاسباني، رئيس المجلس الوزاري الأوروبي جوزيب بيكيه ان تنظيم الانتخابات في هذه الظروف "يزيد حظوظ المنظمات المتطرفة". ورأى مراقبون ان هذه التحفظات تعكس التردد الأوروبي ازاء توسيع الخلافات مع الولاياتالمتحدة، ومحاولة تعزيز نقاط التلاقي معها في شأن ضرورة فتح آفاق سياسية. ولاحظ الوزراء الأوروبيون أن الرئيس جورج بوش رفض استجابة طلب شارون مقاطعة عرفات. واكد وزير الخارجية الاسباني أن مجموعة من الأفكار الأوروبية تخضع للنقاش بين الدول الاعضاء في الاتحاد، ومنها اقتراحات فرنسا في شأن الانتخابات واعلان الدولة، وفكرة قدمها وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر يزور المنطقة غداً في شأن تنظيم استفتاء في أراضي الحكم الذاتي حول مسيرة السلام والتعايش مع الاسرائيليين. واضاف: "هناك شبه اجماع على الموقف الذي طالما عبر عنه الاتحاد الأوروبي بحق الفلسطينيين في اقامة دولة اذا استدعت الامور ذلك، وما زلنا على موقفنا من هذه الدولة وسنعترف بها لدى قيامها". ولفت الى أهمية "عدم التركيز على الامن فقط"، مشيرا الى ضرورة التركيز على كسر الجمود عبر تنفيذ سلسلة من الاجراءات السياسية ستقدمها الرئاسة الاوروبية الى القمة المزمع عقدها في 19 الشهر الجاري. وتعد الاقتراحات الفرنسية الأكثر انسجاماً ضمن الأفكار الاوروبية، وقد تشكل اساسا للمبادرة الأوروبية. وتقترح الوثيقة التي عرضها وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين تنظيم انتخابات عامة في أراضي الحكم الذاتي "من اجل دعم شرعية المؤسسات الفلسطينية وتعزيز أنصار السلام وهم يمثلون غالبية الشعب الفلسطيني، وتأكيد القناعة لدى الاسرائيليين بوجود غالبية فلسطينية تدعم خيار السلام". كما تعتقد فرنسا بأن اعلان الدولة الفلسطينية سيكون مبادرة مثيرة قد تقنع الفلسطينيين بوقف الانتفاضة وتمكن من اقامة علاقات جديدة بينهم وبين الاسرائيليين. وابدى الرئيس المصري اهتماماً بالأفكار الفرنسية التي عرضها عليه الرئيس جاك شيراك خلال لقائهما في الاليزيه أمس، خصوصاً بالنسبة الى تنظيم انتخابات. وهذه الافكار رفضتها واشنطن، معلنة انها تكتفي بخطتي "ميتشل" و"تينيت" الهادفتين الى وقف العنف وتبني اجراءات ثقة ومعاودة اطلاق محادثات السلام. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر ليل الجمعة ان ادارة الرئيس جورج بوش تعتزم مواصلة ممارسة ضغط شديد على عرفات لحمله على اتخاذ اجراءات حاسمة ضد المنظمات المتشددة، معتبرا ان هذه المقاربة "حظيت بدعم دولي واسع. وسنظل مركزين على هذا الأمر وهو ما يجب على المجتمع الدولي الاستمرار فيه". واكد اجراء "مشاورات مكثفة مع الحلفاء الاوروبيين". ودافع وزير الخارجية الفرنسي في كاثيريس عن فكرة الانتخابات في أراضي الحكم الذاتي، معتبراً ان "من حق الفلسطينيين ان تكون لديهم طريقة تعبير أخرى غير العمليات الانتحارية". وقال الناطق المساعد للرئيس الفرنسي ان باريس ستواصل الدفاع عن أفكارها لأنها وسيلة "لوضع حد للمأزق"، مشيراً الى اقتناع شيراك بأن "لا أمن من دون سلام".